تقول الحكمة المتداولة أن ال(24) ساعة من التلفزيون العالمي قد غيرت من شكل العلاقات الدولية، ودفعت السياسة الخارجية لدرجة من الحركية ربما تكون قد تسببت في إزعاج بعض الممارسين اليقظين في فن الدبلوماسية. إذ أنه في الوقت الذي كان الجميع يتوقعون فيه أن الإعلام الإلكتروني الجماهيري سوف يعطي منبراً مهماً للعمل الخارجي، ويعطي الدبلوماسية زخماً أكبر، فإن الذي حدث غير ذلك، حيث استغل هذا الإعلام الجديد المساحات المتاحة له، وسخر إمكاناته الكبيرة للاستفادة من العلاقات الخارجية لمصلحته، حتى أصبح أداة أخرى أضيفت إلى أدوات السياسة الخارجية. رغم أنه على الدبلوماسي الحصيف أن يدرك أن هناك فرقاً بين الصورة النمطية الوردية، التي رسمت لدور وسائل الإعلام، وبين الواقع. ولتبيان هذا الفرق، قام «جوانا نيومان»، في كتابه الموسوم «الأضواء، الكاميرا، الحرب: هل تقود تقنيات الإعلام السياسة العالمية؟» الذي صدر في نفس عام ميلاد قناة «الجزيرة»، أي العام 1996، قام باستكشاف ما يعرف بأثر ال»سى إن إن» في السياسة العالمية، حيث قام بجمع كم هائل من المادة التاريخية محتجاً بأن تقنية الاتصالات الجديدة، من الصحافة المطبوعة إلى التلغراف، والتصوير الفوتوغرافي، إلى الراديو، كانت دائما ما تستثير تعابير الرعب من وزراء الخاجية. غير أنه بالدراسة والممارسة، وجد أن السياسيين والدبلوماسيين يتعلمون بسرعة كيف يستغلون، أو يسيطرون على التقنيات الجديدة. كما ثبت أن الأخبار السريعة لا تغير في خيارات العلاقات الدولية، أو في محتوى وظيفة رجل الدولة. وهنا يعترف «نيومان» بأن هذه التقنيات تقوم في بعض الأحيان بتسريع صناعة القرار، وهو اعتراف يحتاج إلى مزيد من الاستكشاف حول شيوع الخوف من ال»سى إن إن» أو من «الجزيرة»، أو غيرهما، حول العالم. وقد تناولت كثير من الدراسات، منذ خمسينيات القرن الماضي، موضوع تغطية وسائل الإعلام المختلفة للعمل الدبلوماسي والسياسة الخارجية، إلا أن الأعمال، التي تم نشرها بواسطة معهد «بروكينز» في واشنطن، قد فصّلت الكيفية الخاصة، والتي تشكل بها التغطية الإعلامية السياسة الخارجية. ففي حين توثق دراسة «استيفن هيس» عن «الأخبار العالمية والمراسلين الأجانب» للتراجع والتغطية الاصطناعية المتزايدة للأحداث الخارجية في الإعلام الأمريكي، وإنحيازها المستمر نحو أوروبا، والشرق الأوسط والعنف السياسي. يعطي بحث «من المذابح إلى الإبادة: السياسة العامة للإعلام والأزمات الغنسانية» ل»روبرت روتبيرغ- وتوماس ويس»، في الجانب الآخر، أمثلة عديدة للطريقة، التي يعالج بها الإعلام الأمريكي الأزمات الإنسانية، وكيف أنه يشوه الطريقة التي يتم بها فهم العالم الثالث. وحظى فصل «ستيفن لفنغستون» باهتمام خاص في شرحه للأسباب وراء الكارثة الإنسانية في الصومال. وكيف أنها قادت لتدخل الولاياتالمتحدة بينما هنالك مجاعة وحروب مأساوية في أماكن أخرى قد تم تجاهلها، كما زعم. وبينما فشل «هيس» في التحرك خلف البث الإعلامي التقليدي، تمكن «روتبيرغ وويس» من توضيح كيف أن تقنية المعلومات الجديدة، مثل الإنترنت، قد تكون حاسمة في النشاطات الإنسانية، التي تمتلك مقدرة في الحصول على المعلومات غير مسبوقة، إلا أنها فشلت في تنوير الجمهور بطريقة مناسبة حول الشئون الخارجية. إذ تجمعت في الإنترنت خبرات الوسائل المادية للاتصالات السلكية واللاسلكية التقليدية، وهي تجمع بين خصائص الاتصال الجماهيري، إضافة إلى التخصص، وحق الفرد في تلبية حاجاته إعلاميا بمعزل عن الجماعة. وبجانب أن شبكة الانترنت تعتبر نفسها وسيلة اتصالية، صارت تصنف بعض الخدمات، من خلال كثير من المواقع داخلها، على أساس أنها محطات إذاعية، أو شبكات تلفزيونية، أو صحف إلكترونية، ووكالات أنباء، وخليط لا متناه من هذه الوسائل الإعلامية. وتوضح دراسة «ديفيد بيرس»، التي نشرت في كتاب بعنوان: «شركاء متشاكسون: الدبلوماسيون والإعلام»، كيف تتم صناعة وتغطية السياسة الخارجية، مناقشاً بعض الحقائق الأولية، مثل طريقة المجلات الإخبارية في تجميع الأخبار في أحد أيام الأسبوع، وكيف يتم توضيح الموجهات الصحفية في وزارة الخارجية في واشنطن، والفرق بين الإرشادات التي تتم «على خلفية» وتلك التي تتم «بعيداً عن التسجيل». كما احتج بأن مناخاً من عدم الثقة قد تم تطويره بين مجتمعي الصحافة والدبلوماسية، على الأقل منذ فيتنام. بالرغم من ذلك، فهما يعتمدان على بعضهما، كما أن الدبلوماسيين على وجه الخصوص يحتاجون لرؤية الصحافة، ليس كمعوق، ولكن كعنصر أساسي في مهنتهم. وفي الطرف الآخر من الكرة الأرضية، هنالك دراسة مثيرة، أعدها كل من «ديفيد كورترايت وأميتاب ماتوو» بعنوان: «الهند والقنبلة: الرأي العام والخيارات النووية»، عن ما الذي تفكر فيه الصفوة الهندية حول الأسلحة النووية كواحدة من قضايا السياسة الخارجية. تم أخذ البيانات من دراسة مستفيضة وممولة خصيصاً بواسطة إحدى الشركات الهندية الرائدة في أبحاث السوق، وتم تحليلها بواسطة مجموعة من الاختصاصيين الهنود والأمريكيين في الشئون الدفاعية. وقامت الدراسة بتقسيم المشاركين إلى مناصرين: للتخلي، للإمتلاك، أو لسياسة الحكومة الهندية غير الواضحة بشأن التخلي عن الأسلحة النووية أو إمتلاكها. وقد وجدت الدراسة أن هنالك دعم واضح للسياسة الحالية للحكومة الهندية. حوالي (57%) من الذين تم استبيانهم، يؤيدون سياسة دلهي في عدم التأكيد أو الإنكار للقدرة النووية الموجودة. حوالي (33%) يساندون مباشرة الإمتلاك، و(8%) فقط يساندون فكرة التخلي. وليس هنالك من حاجة حقيقية للصراع مع فهم، أو مغالطة، دور الإعلام في إذكاء الثورات، كحالة من حالات السياسة الخارجية، بدءاً من ثورة البيوريتان في القرن السابع عشر في انجلترا، مروراً بالثورة الأمريكية، والفرنسية، والبلشفية، والثورة الاسلامية في إيران، والهبات المناهضة للشيوعية في الصين وأوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. وفي السنوات الأخيرة، قام العلماء بالتحرك من النظر إلى الثورات باعتبارها نتائج للصراع الطبقي، حيث يعتبر الخطاب والاتصالات مظاهر ضرورية للتغيير الاجتماعي، إلى شروحات «مارشال ماكلوهان» التي جاء فيها أن التغييرات في إعلام الاتصالات يأتي بالثورة الاجتماعية، التي تؤثر في النهاية في الواقع الداخلي، وفي شكل العلاقات الدولية. فكثير من الدراسات كانت حول الطريقة، التي استخدمت بها التيارات المختلفة، والتي صنعت الثورة الإيرانية، تقنية الاتصالات لتقديم أهدافها. لقد قيل الكثير، عالمياً، حول دور تسجيلات الكاسيت لخطب الإمام روح الله الخمينى في إنشاء دعم جماهيري للإسلاميين. وكيف أن شبكات «صغيرة» من الإعلام غير الرسمي قد بدأت في الظهور وأدت إلى تقويض جهود الشاه الكبيرة في السيطرة على الإعلام «الكبير». فقد كان للكاسيت القدرة على الوصول إلى الجمهور غير المتعلم بطريقة لا يمكن للمطبوعات مجاراتها. وبذلك، فإن دور المثقفين في الثورة الإيرانية قد اختلف عن أمثالهم في الحالات الأخرى، كما كان للخطاب السياسي نبرة مختلفة. ونجحت الثورة الإيرانية في حث أتباعها على التمسك ب»الأصالة» و»الهوية»، مثلما حاولت المعارضة باستخدامها لموقع «تويتر» و»فيسبوك» إبان الانتخابات الإيرانية العام الماضي، دون أن تتمكن من إحداث ذات الأثر.