على مدى ثلاثة ايام ماضية، ظللت اشتري الخبز من ثلاثة مناطق مختلفة في الحي الذي اسكنه، باسعاره القديمة قبل اجرءات وزير المالية: اربع رغيفات بمائة جنيه، بدلا عن خمسة رغيفات بمائة جنيه، بالسؤال عن السبب في المخابز الثلاثة تأتيك الحجة بان نتائج الاجراءت التي اتخذها وزير المالية لم تصلنا حتى الان،وانهم بحوزتهم كميات من الدقيق اشتروها بالسعر القديم قبل الزيادات الاخيرة، ويعتقد اصحاب المخابز ان الوضع القديم لابد ان يستمر على طاولات المخابز الى ان تنتهي مخزونها من الدقيق غالي الثمن.وهناك مخابز وسط الخرطوم التزمت بتطبيق الاجرءات وقامت بتخفيض الاسعار الخبر، اي اعادتها الى ما كانت عليه، وفي المقابل هناك مخابز لايمكن تحديدها، فقط، تجد انتاجها في الاسواق التزمت بالاسعار القديمة غير انها «لعبت الثلاثة ورقات» في الاوزان، شئ اشبه بالدخول من الباب الخلفي.وتواترت تقارير من الولايات بان بعضها امتنعت عن اتخاذ اية اجرءات محلية، تتسق مع اجراءات المالية. اذن الواقع هو ان اجراءات الحكومة كانت سليمة لحل الازمة مؤقتا، ولكن الواقع ايضا ان تلك الاجراءات غير مطبقة بطريقة سليمة على مستوى طاولة الرغيف في المخابز او في الاسواق، بل خلقت نوعا من الاجتهاد الفردي جعل كل صاحب مخبز يسوق خبزه كما يشاء، وبوسعه ان يوفر الحجة القوية والمبرر للطريقة التي اقترحها لتسويق انتاجه من الرغيف. فالاجراءات - خوفا من التدخل في حرية السوق، ربما - لم تحدد جداول زمنية لتنفيذها على الارض، كما لايعرف حتى الان ما اذا كان والي الخرطوم قد نزل قراراته ام لا، وكل هذا ساهم في فتح ثغرة الاجتهاد تلك، والى الان ليس هناك ما يشير بان اصحاب المخابز في طريقهم الى تنفيذ الاجراءات اليوم او غدا او حتى لاسابيع لاحقة. هذا الواقع برمته يعيد تأسيس الاتهام بان الحكومة في شأن مراقبة قراراتها الخاصة بالرسوم والجبايات اغلبها تصبح حبراً على ورق. لاتجد طريقها الى التنفيذ مهما كان المستوى الحكومى الذي اصدرها، حتى صار الناس يتعاملون معها بانها نوع من «الحجا الممل». كم قرار اتخذ ومن كم مستوى حكومي بشأن رسوم العبور بين الولايات بل في بعض اجزاء البلاد بين المحافظات وبين المحليات؟المرات عديدة فوق الاحصاء، وكلها تاتي كرد فعل. وكم مرة تم تنفيذ تلك القرارات؟ لا احد يستطيع ان يسجل حالة تنفيذ واحدة استمرت لاكثر من ايام. وعليه، وحتى لاتصبح اجراءات تخفيض اسعار الخبز، التي نالت ثناء الجميع واعتبرها كثيرون بمثابة البداية الموفقة لوزير المالية الجديد، مجرد حبر على ورق، اومثل برق ورعد بدون هطول، اي على شاكلة مثيلاتها من القرارات، او تتحول الى باب اخر يدخل عبره تجار الازمات، فانه من الضروري جلوس الاطراف المعنية مجدداً - اليوم قبل الغد، لمعرفة حقيقة تنفيذ الاجراءات في الاحياء، والسعي، على الاثر، الى سد ثغرات التنفيذ التي لاحت للناس امام المخابز والاسواق، لابد ان تتحدث الاطراف المعنية عن جداول زمنية للتنفيذ، وتتحدث عن الالتزام بالاوزان، وترمق المخابز بعين «الجودة»، واعتقد ان امر تخفيض اسعار الخبز اذا ما كلف عقد اجتماع للولاة في الخرطوم مع وزير المالية والاطراف الاخرى فانه لاشك في ان ذلك سيخدم ذلك خط فاعلية تنفيذ القرارات. فاذا كانت الاجرءات حلاً اسعافياً مؤقتاً، فلا غضاضة في التدخل رقابيا بشكل مؤقت لضمان تنفيذها، ولوقف هذا التلاعب المخل في سوق الخبز.