الحرامي لم يعد بذلك الشكل والاطار المعروف به ، فقد دخلت عليه (العولمة) ايضاً ، فاصبح مثقفاً ومتعلماً ، وربما يكون متحدثاً لاكثر من ثلاث لغات ، واختفى الحرامي الذى يقفز ليلاً فى البيوت وتحول نشاطهم الى رابعة النهار ، واصبحوا يمتلكون (المكاتب) ويركبون افخم (العربات) ويسكنون فى اجمل (الفلل) . اختلفت (الجريمة) وتعددت سبلها ، وكما تقدمت مكافحتها تقدمت طرقها واصبحت عالماً لوحدها ، هذا تداخل فى عالمها . لا اسرق ولكننى اتجمل المظاهر اصبحت فعلاً خداعة ، ولم يعد (الحرامي فى رأسه ريشة) ، فوسائل (التجميل) ، وعملياته ليست فقط على (الأنف) والشفاه والوجه بصورة عامة ، وانما دخل (التجميل) على السلوك والشعور ، وتخلص (اللص) من كل سلوكيات (الإجرام) التى يمكن ان تثير حوله(الشكوك). مقولة (انا لا اكذب ولكننى اتجمل) تحولت الآن الى (انا لا اسرق ولكننى اتجمل) لأن المال والبيت والعربة ، اصبحوا من اهم مقومات (الجمال). معروف ان شكل (الجرائم ) يختلف من وقت لآخر، كان فى الجاهلية الاولى عبر الحروب والنهب والسلب ، ثم مضى بعد ذلك الى شكل اخر حيث (الهمبتة) ، وعندنا كان (النهب) نوعاً من «الفراسة والرجالة» ، الى ان جاء (قطاع الطرق) ، ثم لصوص السطو الليلي. وفى ذلك توجد تفاصيل مختلفة فى سلوكيات (السرقة) ، بمسمياتها الشعبية ما بين (النشال) ، وحرامي هدوم الغسيل ، وحرامي (الجداد) ، وغيرها من الاسماء والمصطلحات التى تختلف من بيئة الى بيئة . اين هم الآن ؟ صورة (الحرامي) الذى يقفز من السور والجدران ، ويأتى ليلاً ليسرق ما فى الخزن والدواليب ، تكاد ان تتلاشى وينقضى اثرها ، رغم ان (حرامي الليل) كان من اوضح معالم الاجرام فى الخرطوم فى سنوات ماضية ، عندما كانت الاحياء تعنى بدوريات من ابناء الحى للحراسة بالتناوب ، فى تلك السنوات كانت اقسام البوليس تفتح محاضرها لهذا الشكل من النهب يومياً. اختفى حرامي الليل ، ويكفى ان نقول انه فى امتداد ناصر وبرى والمنشية وحى الصفا ، الاحياء التى تمثل قلب (الخرطوم) ، وتسكنها طبقات متعسرة ومتيسرة الحال ، لم يسجل فى محاضر الشرطة واقسامها طوال الأشهر الستة الاخيرة غير سرقة واحدة على لص جاء بالطريقة التقليدية ونط على إحد البيوت فى المنشية وسرق ذهباً. تلاشى الاثر كان من الطبيعى ان تصحو الصباح وتجد جمهرة امام أحد البيوت ، او حول أحد (الدكاكين) ، والشرطة تحيط بالمنطقة وتحاصرها ، وكان يكفى المشهد ان تعرف ان هنالك (سرقة) وقعت ليلاً. يبدأ الكلب البوليسي فى بحثه ، وقد يكون هنالك استعانة باحد «القصاصين» الذى يملك خبرة فى فك الاثر ، عندما كان (الحرامي) يترك اثراً ، ويوشك ان يضع عنوانه فى مسرح الجريمة . الآن لم يعد هنالك لص يترك اثراً ، فقد اصبحوا حذرين ولا يمكن الوصول والقبض عليهم بسهولة . سجلات المحاضر متوسط البلاغات فى القسم الشمالي فى الخرطوم (70) بلاغا وتقع فى دائرته اكثر المناطق ازدحاما (السوق العربى) ويضم توتى وبرى وناصر والمنشية والصفا ، وتتعلق هذه البلاغات بالجرائم الخاصة بالاموال عبر النصب والاحتيال . وظهرت فى الفترة الاخيرة السرقات بين الطلاب فى الجامعات والداخليات ، وهى جرائم تتعلق بممتلكاتهم الخاصة مثل اجهزة اللاب توب والموبايلات . الجرائم الصغيرة يقوم بها (الجاني) بحثا عن طرق سريعة وغير متعبة للعيش ، اما الجرائم الكبيرة ، فدافعها دائما ما يكون الطمع والبحث عن الظهور بوضع اجتماعي جيد . المادة (130) فى القانون الجنائي وهى المادة المتعلقة بالقتل العمد حدثت سبع مرات فى العام الماضي، والى الان لم تسجل اية حالة تحت هذه المادة فى هذا العام . محكمة الخرطوم شرق التى تقع فى دائرتها العمارات واركويت والطائف والرياض ، متوسط البلاغات فيها يصل الى (50) بلاغا فى اليوم فى جرائم مختلفة ، غير ان بلاغات الاقامة غير الشرعية للاجانب هى الاكثر وقوعا هذه الايام . فى دار السلام ومايو معظم الجرائم تتعلق بالاعتداء الشخصي والخلافات بين الناس فى اشياء صغيرة . اما فى السوق الشعبى فان متوسط نسبة البلاغات هنالك يصل الى (20) بلاغا فى اليوم ، وتشكل سرقة (الموبايلات) معدلاً كبيراً منها ، حيث تقارب ل (8) بلاغات فى اليوم . كلام محامين المحامى عبدالفتاح البشير يقول ان معظم النزاعات اصبحت تقع بين العاملين وارباب الاعمال فى الحقوق المتعلقة بالعمل ، كذلك ارتفعت مشاكل الاحوال الشخصية وحالات طلب الطلاق والنفقة الزوجية وتعتبر محكمة ام بدة للاحوال الشخصية صاحبة اعلى معدل فى السودان فى هذه القضايا . الفترة الاخيرة شهدت الخرطوم زيادات كبيرة فى نزاعات الاراضى نتيجة للشراء باوراق الحيازات الصادرة من اللجان الشعبية وتعدد المشترين للقطعة الواحدة. ترجع هذه النسبة الكبيرة للجرائم فى الخرطوم الى عدم استقرار الاوضاع الاقتصادية والنزوح الكبير الذى تشهده العاصمة من الولايات ، اضف الى ذلك الكثافة السكانية العالية. يجب ان يكون هنالك توسع فى توفير الخدمة القضائية والامنية ، اضافة الى شيوع الثقافة القانونية بين الناس .