قبل أن تتوارى الصور التي تجمع الرئيس البشير وهو يصافح الرئيس ديبي وسط ابتسامات رئاسية عن الصحف اليومية، كان د. خليل ابراهيم اول الواصلين عبر رالي داكار، بدعوته الحكومة الى مفاوضات ثنائية على الاراضي السويسرية. د. خليل كشف في تصريحات صحفية عن رغبته في مفاوضات سلام مع الحكومة، ولكنه اشترط ان تكون هذه المفاوضات قاصرة عليه فقط. فخليل لا يعترف بأية حركة أخرى، ويظهر ذلك واضحا في تصريحاته (اللاعبون الرئيسيون في دارفور هم حركة العدل والمساواة. ليس هناك في واقع الامر جماعات اخرى في دارفور الى جانبها). لم تقف مطالب خليل في حصر التفاوض عليه فقط، بل امتدت الى اجراء تعديلات داخل وساطة الاتحاد الافريقي والامم المتحدة. وقال إنه ايضا ليس سعيدا بفريق التفاوض الحالي المكون من فردين، وفضل أن يكون شخصا واحدا. وتقدم باقتراح ليكون كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة رئيس هذه المفاوضات. في الجانب الآخر لم تدع الحكومة رئيس العدل والمساواة يكتوي بجمر الصبر طويلا، فسارعت للاستجابة لدعوته للحوار الثنائي، عبر تصريحات سريعة جاءت من د. كمال عبيد وزير الدولة بالاعلام والقيادي بالمؤتمر الوطني، الذي اعلن ان مكان التفاوض ليس مشكلة، في موافقة ضمنية على سويسرا، علاوة على الموافقة على التفاوض الانفرادي مع خليل وحده. د. صلاح الدومة (المحلل السياسي المعروف) يرى ان خليلاً يسعى للندية، فهو لا يعترف بأية حركة ظهرت بعد ابوجا، وقد سعى لهذه الندية منذ تلك الفترة وحصل عليها، وستكون المفاوضات القادمة مكسباً لطرفيها. غير ان الحقوقي الناشط في قضايا دارفور صالح محمود يرى ان اي مساعٍ للسلام مطلوبة، الا ان الناحية العملية تفرز حقائق موضوعية أخرى على الارض، فالعملية السياسية لا تتحمل اية تجزئة. صحيح ان هناك حركات مصطنعة لا تعبر عن اهل دارفور بقدر ما تعبر عن مصالح ذاتية ضيقة، الامر الذي يفرض على الوسطاء وضع معايير موضوعية للدعوة للتفاوض. ولكن هذا لا ينفي بطبيعة الحال وجود فصائل فاعلة في الميدان. ويرى بعض المراقبين ان هناك جملة من المتغيرات التي حدثت أخيرا غيرت تماما من موقف خليل التفاوضي. ابرزها اتفاق داكار بين البشير وديبي، الذي شدد على منع قيام اي عمل اعتدائي من اراضي الطرفين ضد الآخر، والاستعانة بمراقبين دوليين لتنفيذ الاتفاق. وهنا تبدو اول اشارات نجاح داكار، فبناء عليها يكون د. خليل قد فقد بشكل كبير الدعم اللوجستي الذي يأتي من تشاد. علاوة على وجود اليوفور والمراقبين على الحدود الامر الذي يعرقل نشاط الحركة التي تنشط في المناطق الحدودية بشكل كبير خاصة شمال ولاية غرب دارفور (سربا، صليعة... الخ). التي شهدت عمليات عسكرية شرسة في الفترة الاخيرة كبدت حركة العدل والمساواة خسائر فادحة. وازدادت الاوضاع سخونة مع تصريحات وزير الدفاع الذي اعلن ان اية منطقة تنشط فيها حركة مسلحة هي هدف مشروع للعمليات العسكرية. لهذا فإن عامل الزمن ليس في صالح خليل فكل ما دارت عجلة الزمن نحو الامام فقد خليل الكثير. ويرى الدومة ان حركة العدل والمساواة تعرف بأنها حركة انفرادية في المقام الاول، فخلفية زعيمها السياسية الاسلامية حجبت عنه الدعم الدولي، واقليميا لم تجد دعماً الا من تشاد بشكل اساسي، علاوة على دعم محدود ومتقطع من اريتريا وليبيا. لذا فإنه عندما يفاوض الحكومة الآن فهذا افضل له، قبل ان يفقد الكثير. ويساوي محللون سياسون بين تأثير اتفاق داكار، والتقارب الذي بدأ يحدث بين الاسلاميين بشقيهم الوطني والشعبي، واشارات وتلميحات من الترابي (عرّاب الحركة الاسلامية) وارهاصات من الطرف الآخر باطلاق سراح معتقلي المؤتمر الشعبي. فدكتور خليل حسب تحليلهم لايزال ينظر له الكثيرون بأنه منتمٍ للمؤتمر الشعبي. حركة العدل والمساواة التي توصف بأنها اقل الحركات عددا، وافضلها تنظيما وتدريبا وتكتيكا، تستعد للدخول في مفاوضات يتوقع لها ان تصل لنتائج حاسمة، ولكن الامر ربما لا يرضي البعض، خاصة وان جاءت بسقف اعلى من ابوجا، فخليل شخص طموح وعنيد لن يرضى بالقليل، وربما يكون له شأن في الانتخابات القادمة سواء نزل بتنظيمه دون تحالف، او مع شريك محتمل!.