هل أصبحنا في السودان، جزءً من إسرائيل؟ أم اصبحت إسرائيل جزءً منا؟ أم الى ماذا تؤشر الانباء المتواترة التي تربط السودان باسرائيل؟ لابد ان تشير تلك الانباء المتكررة غير الحميدة الى حال ما غير حميدة، اما هي حال سودانية او هي حال إسرائيلية. الى وقت قريب لن تأتيك سيرة اسرائيل وانت في خضم الساحة السودانية، الا في نطاق إدانة هذه الدولة المصنوعة في قلب الشرق الأوسط: الا في نطاق إدانتها والتنديد بأعمالها المجافية لحقوق الانسان ضد الفلسطينيين، والدعاء الى الله بأن يبدد شملها. إسرائيل لانعرفها سوى انها دولة غاشمة تتسلط وتقتل وتقصي وتعذب وتمارس كل انواع العنصرية وسياسات فرق تسد، ومن يباغت مسامعك بكلمة اسرائيل لن ينال منك سوى التحفز، ولكن، منذ اعوام، صارت سيرة اسرائيل والسودان تجري على لسان الأنباء، جري الماء على منحدراتها، جرياً لم يتوقف، وليس هناك ما يشير الى انه سوف يتوقف. جري في طريقه لجعل مثل هذه الأنباء مجرد مضامين تحمل أحداثاً «عادية» لاتحرك ساكن الأشياء، ولا تكلف الشعور لحظة انتباه. باتت ايام فقط تفصل بين نبأ ونبأ من صنف تلك الانباء. بين نبأ بمقتل سودانيين تسللوا الى داخل اسرائيل، نبا عن فتح النار على متسللين سودانيين الى اسرائيل، ونبأ بمقتل مجموعة وجرح مجموعة أخرى بينهم نساء وأطفال، قبل تسللهم الى اسرائيل، وإلقاء القبض على مجموعة سودانية، بعد ان تسللت وتم نقلها الى ملاجيء في اسرائيل، وقوات لحرس الحدود المصرية تلقي القبض على «سين وجيم»من السودانيين، بينهم امرأة مرضعة، أثناء تسللهم عبر الحدود الى اسرائيل، والعمالة السودانية هي التي تقوم ببناء المستوطنات الاسرائيلية سيئة السمعة على الاراضي الفلسطينية، والسودانيون هم الذين يعملون في التوسعات اليهودية المتطرفة حول المسجد الاقصى. وأخبار عن قطع الطريق أمام مجموعة من السودانيين تحاول التحرك صوب الحدود للدخول الى إسرائيل، وسودانية في مخيم للاجئين في اسرائيل تبحث عن طريقة لحياة أفضل. ثم الخبر المجلجل بقيام عبد الواحد محمد نور بفتح مكتب له في إسرائيل، والخبر المرادف المتلتل بان نور نفسه قد زار اسرائيل في وقت سابق. وفي اخبار الأمس نسب الى مصادر أمنية مصرية إن الشرطة المصرية فتحت النار على مجموعة من المهاجرين السودانيين كانوا يحاولون التسلل عبر الحدود الى داخل اسرائيل واصيب شوكار «بالتأكيد شوقار»عبدالله 23 عاما برصاصة في صدره، فيما نجح اربعة آخرين مع «شوقار» في الدخول الى اسرائيل. إنه موسم الهجرة الى اسرئيل، واي موسم يثير الاستغراب اكثر من موسم الهجرة الى دولة لاتذكر بالخير،ابدا، في السودان. السؤال المطروح لماذا يركب هؤلاء النفر من السودانيين كل هذه المخاطر والصعاب والمجهول، ويحملون ارواحهم على ايديهم، قبل أن ييمموا وجوههم صوب دولة اسرائيل سيرتها مسربلة بالعنف، وصورتها شائهة لدى كل السودانيين. إنها ظاهرة جديدة تستحق الوقفة طويلا والدراسة بأناة، ولابد ان هناك ما هو جارف وقوى يدفع هؤلاء الى اللجوء الى اسرائيل، وليس الدافع حب المغامرة، كما لابد ان الأمر ليس من باب الترف والسياحة الى «جنة الأرض»: اسرائيل، كما يعتري الخاطر من ظنون ، او كما تحمل الظنون العابرة من شكوك ، وحين يسأل المرء مليا حول ظاهرة الهجرة الى إسرائيل بهذا التواتر والتكرار.هؤلاء محبطون، والاحباط يقود الى الطريق الخطأ، مثل الإنتحار، والإنتحار أفظع من اللجوء الى اسرائيل. على الحكومة ان تدرس لنا هذه الظاهرة، وتقول لنا الأسباب، قبل ان تشرع في المعالجة.