ابن سينا عرف ايضاً باسم الشيخ الرئيس كماعرف بصفة إمام العلوم كلها ولد سنة 980م، قرب بخارى كان أبوه من أهل بلخ أتم دراسته في اللغة والأدب وهو في سن العاشرة على يد رجل مجهول لم تذكره الترجمة التي تحدثت عنه فنرجع الى دائرة المعارف الاسلامية لنجد تلك المادة التي كتبها المستشرق دي بور لهذه الدائرة يقول إن هذا الرجل أي الذي علم ابن سينا في عمره الباكر (من المحتمل ان يكون هو أبوبكر أحمد بن محمد البرقي الخوارزمي - وفي كشف الظنون (لحاجي خليفة) تقول الترجمة إنه درس الطب بمفرده ومن جهة اخرى يروى انه تلقاه على يد أبي سهل المسيحي وأبي منصور الحسن بن نوح القمري العام 1001م وبعد سقوط عرش السامانيين بين أيدي امير غزنة السلطان محمود بن سكتكين خرج إلى جرجان فاراً من وجه سلطان غزنة ايضاً.. التقى بالشيخ ابي سعيد بن أبي الخير شيخ متصوفة ذاك العصر.. ثم نجده في همذان، حيث تولى الوزارة مرتين إلا انه من المؤكد أنه ترك الوزارة العام 1020م بعد تركه الوزارة اضطهد من قبل أمير همذان الجديد فبث حوله الجواسيس وسجن لفترة واخيراً فرالى اصفهان وعاش مقرباً من اميرها علاء الدولة بن كاكاويه - ثم توفي في العام 1036 ويروي بن خلكان في (وفيات الاعيان) روايات مختلفة عن موضوع وفاته، كما ذهب بعض المستشرقين إلى القول بإنه توفى بالاندلس إثر دسيسة من ابن رشد، ولكن هذه أقاويل ظلت تفتقر إلى ابسط الادلة وحتى الآن فان قبره مازال بهمذان يزار. كان ابن سينا قوياً جلداً وفي نص ترجمته التي كتبها هو صورة حية بليغة تصف مواصلته السهر لتحصيله العلم وسكبه المياه الباردة على رأسه كلما اوشك على النوم حتى يفيق.. في السادسة عشرة كان قد استوعب الطب والمنطق والالهيات وعندما تمكن من علاج سلطان بخارى نوح بن منصور سمح له بدخول داركتبه لأنه كان يتمتع بقوة ذاكرة مدهشة فقد استطاع في فترة وجيزة ان يحصل الكثير من العلم وفي الواحدة والعشرين بدأ يصنف الكتب. تعرضت حياته لاضطراب بعد وفاة والده إلا انه كتب أهم مؤلفاته خلال فترات الراحة والهدوء التي كان ينعم بهما في بلاط همذان، واصفهان، وقد أتم في هذه الفترات دائرة معارفه الفلسفية «الشفاء» ومصنفه الطبي الهام «القانون في الطب» وقد تركت مؤلفاته الموسوعية أثراً عميقاً على الفكر الاسلامي في العصور التالية له.. وبعد موته تكونت له في الاذهان ملامح اسطورية وتعالوا هنا نقرأ بعض اسطر قليلة من سيرته التي خطها هو بقلمه: يقول ابن سينا: «ثم رغبت في علم الطب وصرت أقرأ الكتب المصنفة فيه، وعلم الطب ليس من العلوم الصعبة فلا جرم أني برزت فيه في اقل مدة حتي بدأ فضلاء الطب يقرأون علىّ علم الطب، وتعهدت المرضى فانفتح علىّ من ابواب المعالجات المقتبسة من التجربة ما لا يوصف وأنا مع ذلك اختلف إلى الفقه وأناظر فيه وانا في هذا الوقت من ابناء ست عشرة سنة ثم توفرت على العلم والقراءة سنة ونصفاً فاعدت قراءة المنطق وجميع اجزاء الفلسفة، وفي هذه المدة ما نمت ليلة واحدة بطولها ولا اشتغلت النهار بغيره.. ثم يقول: فكنت ارجع بالليل إلى داري واضع السراج بين يدي واشتغل بالقراءة والكتابة فمهما غلبني النوم أو شعرت بضعف عدلت إلى سكب الماء على رأسي ريثما تعود اليّ قوتي ثم ارجع إلى القراءة ومهما اخذني ادنى نوم احلم بتلك المسائل باعيانها حتى ان كثيراً من المسائل إتضح لي وجوهها في المنام وكذلك حتى استحكم معي جميع العلوم ووقفت عليها بحسب الامكان الإنساني. وكل ما علمته في ذلك الوقت فهو كما علمته الآن لم ازدد فيه إلى اليوم حتى احكمت على المنطق والطبيعي والرياضي ثم عدلت إلى الإلهي وقرأت كتاب ما بعد الطبيعة فما كنت أفهم مافيه والتبس عليّ عرض واضعه حتى اعدت قراءته اربعين مرة وصار لي محفوظاً وأنا مع ذلك لا افهمه ولا المقصود به.. وليست من نفسي وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الوراقين وبيد دلال مجلد ينادي عليه فعرضه عليّ فرددته ردمتبرم معتقداً ان لافائدة من هذا العلم فقال لي اشتر مني هذا فإنه رخيص ابيعه بثلاثة دراهم وصاحبه محتاج إلى ثمنه واشتريته فاذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في أغراض كتاب ما بعد الطبيعة ورجعت الى بيتي وأسرعت في قراءته فانفتح عليّ في الوقت اغراض ذلك الكتاب بسبب انه كان لي محفوظاً على ظهر القلب وفرحت بذلك وتصدقت في ثاني يومه بشيء كثير على الفقراء شكراً لله تعالى». هذا ملمح عابر لهموم ابن سينا العلمية فالقصة طويلة مبهجة وملئى بالاعاجيب فتحقق مبتغى العلم لا ينبلج بالتمني والاسترخاء وهذا شأن علمائنا في كل زمان ومكان. والى لقاء إن شاء الله