إن الدين الإسلامي الحنيف يعنى عنايةً عظمى بترقية المجتمع الإنساني إلى أسمى وأرفع درجات الرقي والطهر والنقاء والصفاء الروحي بالعبادة الخالصة لوجه الله تعالى اهتداءً بقوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) سورة آل عمران الآية «110». ويكتمل إيمان المسلم بعقيدته باتباع ما جاء في الكتاب الكريم والسنة النبوية الشريفة. وقد أشاد بالدين الإسلامي وأثنى على النبي محمد «صلى الله عليه وسلم» كثير من كبار المفكرين والفلاسفة الأوربيين، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، الكاتب الإيرلندي الشهير جورج برنارد شو الذي أبدى حبه وإعجابه بالنبي الكريم، قائلاً: إني اعتقد أن رجلاً مثل رسول المسلمين لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه، لتم له النجاح الكبير في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشكلاته على وجهٍ يحقق للعالم السلام والوفاق والسعادة المنشودة. ويقول المؤرخ: «ول ديورانت» في كتابه «قصة الحضارة»: إذا حكمنا على العظمة، بما كان للعظيم من أثرٍ في الناس، قلنا إن رسول المسلمين أعظم عظماء التاريخ، وقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعبٍ ألقت به في دياجير الهمجية، حرارة الجو، وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً عظيماً لم يزاحمه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله، وقل أن نجد إنساناً غيره حقق ما كان يحلم به من إصلاح. وقال الكاتب الروائي المفكر الروسي «ليو تولستوي» عن النبي المصطفى «صلى الله عليه وسلم»: «إن هذا النبي من كبار المصلحين الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جليلة، ويكفيه أنه هدى أمة برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسلام، وتكف عن سفك الدماء، ويكفيه فخراً أنه فتح طريق الرقي والتقدم، وهذا عمل عظيم لا يفوز به إلا شخص أوتي قوة عظيمة وحكمة، وإن إنساناً مثله جدير حقاً بالاحترام.. والإجلال». ومن الحقائق التاريخية التي اتفق عليها وأثبتها المؤرخون في الشرق والغرب أن العالم كله قبل ظهور الإسلام كان يحيا حياةً تموج بالظلم والفساد والاستعباد واختلال المعايير الأخلاقية في المجتمع عندما اجتاح طغيان الماديات والنزعات الحيوانية الشريرة كل القيم الروحية السامية والمبادئ والمثل الإنسانية الفاضلة، حيث أضحى الطمع والجشع والتكالب على الملذات وحب الذات من أبرز سمات السلوك العام للناس في تلك العهود التاريخية قبل الإسلام، وفي شبه الجزيرة العربية كانت الحياة في معظم أنحائها مثقلة بالإلحاد وعبادة الأوثان والتمزق القبلي والغارات العدائية بين القبائل المختلفة في ذلك الحين. وبفضل الله تعالى ونعمته على عباده في عصرنا هذا أن نور الإسلام بحمد الله أضحى مضيئاً مشرقاً في شتى أنحاء العالم، يوجه البشرية نحو الصراط المستقيم، صراط الخير والحق والتقوى والإيمان.. وهو الدين الجليل العظيم الذي يقول الله تعالى عنه في كتابه العزيز: (ولقد أنزلنا إليك آياتٍ بيناتٍ وما يكفر بها إلا الفاسقون). سورة البقرة الآية «99». ويقول الله عز وجل في القرآن الكريم: (إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب). سورة آل عمران الآية «19». وفي مجال الإنجاز العلمي للمسلمين: لقد حققت كوكبة نيرة من العلماء المسلمين انجازاتٍ علمية رفيعة المستوى وجمة الفوائد للبشرية جمعاء في كل زمانٍ ومكان! وفيما يلي أسماء بعض نوابغ العلماء المسلمين الذين برعوا وتفوقوا بتقديم كثيرٍ من الإنجازات العظيمة في شتى مجالات العلوم والمعرفة، وهؤلاء هم: ٭ العالم أبو الريحان البيروني = «نحو 973م 1048م» وهو أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني أحد عباقرة العلماء المسلمين في علوم الفلك والرياضيات والجيلوجيا، وله دراسات وبحوث في التاريخ والجغرافية والفلسفة والطب والطبيعة والنبات والمعادن. ٭ والعالم الخوارزمي = «798م 846م» وهو أبو عبد الله أحمد بن موسى الذي نشأ في إقليم «خوارزم»، وكان بهذا الإقليم في ذلك الحين أكبر مراكز الثقافة الإسلامية حيث كانت «خوارزم» سوقاً للحركة العلمية، وفيها نشأ كثير من العلماء الذين اتصلوا ببيت الحكمة المأموني ببغداد وقد توافرت للخوارزمي كل الأسباب التي جعلته ينال حظاً وافراً من العلوم الرياضية والفلكية. ويعتبر الخوارزمي أول من كتب في علم الجبر والمقابلة بحسب تقدير «ابن خلدون» في فصل العلوم العددية بكتابة «المقدمة» حيث جعل «الجبر والمقابلة» ضمن فروع الحساب. والعالم جابر بن حيان «ت815م» من أشهر علماء الكيمياء في العالم. وله مؤلفات كثيرة، نذكر منها: كتاب «أسرار الكيمياء» كتاب «علم الهيئة» وكتاب «أصول الكيمياء» وكتاب «الرحمة». وقد ترجمت مؤلفاته إلى اللاتينية. واكتشف العالم جابر بن حيان أسرار الكيمياء باكتشاف حامض الكبرياتيك وماء الذهب وحامض الأزوتيك ونترات الفضة، وقد وضع أسس علم الكيمياء في كتابه «الموازين». ويقول المستشرق: «كراده فو» في «دائرة المعارف» وهو يؤرخ لجابر بن حيان: «لا يقف علم جابر بن حيان على إنشاء أسس علم الكيمياء، بل تعداه إلى علوم الطب وعلم الخواص، أي علم ما في الطبيعة، وعلوم الفلك والرياضيات والموسيقى وعلوم الدين». والعالم أبوبكر الرازي وهو أبوبكر محمد بن زكريا الرازي = «250ه 313ه» = «864م 925م» من أبرز أطباء المسلمين، ويعتبر كتابه «الحاوي = Continenes» من أهم وأوضح العلامات الدالة على النشاط العلمي المكثف الذي مارسه صاحبه والكتاب من المؤلفات القيمة المهمة في الطب العربي، وهو موسوعة طبية شاملة لكل المعلومات الطبية، وقد جمع الرازي في كتابه «الحاوي» كل الخبرة العلمية «الأكلينكية» التي عرفها في مرضاه، مما اعتبره كبار الأطباء في العالم أنه يشكل ثروةً علميةً ضخمة في مجال الطب. والعالم ابن سينا = أبو علي = «980م 1037م» الذي اشتهر باسم «الشيخ الرئيس ابن سينا»، وهو فيلسوف من كبار فلاسفة العرب ومن أشهر الأطباء المسلمين، وكانت له ميول صوفية عميقة، ومن مؤلفاته المطبوعة كتاب «القانون في الطب» وكتبه الأخرى: «الشفاء» و«في الفلسفة»، و«الإشارات والتنبيهات» و«في المنطق» و«النجاة» وله مخطوطات أدبية وعلمية أخرى ومن أشهر قصائده، قصيدة عن «النفس البشرية» جاء في مطلعها قوله: هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع! وقال بعض المؤرخين أن أي طبيب أوروبي في القرن السابع عشر لم يكن باستطاعته وصف العلاج النافع الشافي إلا إذا راجع كتب «ابن سينا» وإلا وجهت إليه تهمة عدم الاهتمام بالمصلحة العامة للمجتمع! وقد أفادت الحضارة الإسلامية إفاداتٍ جليلةً وعظيمة القدر عبر العصور والأجيال المختلفة معظم أنحاء العالم. والتاريخ خير شاهدٍ على أن صلاح الأفراد والأمم لا يتحقق إلا بالتفكير الواعي السديد والأخلاق المتزنة الرشيدة المستلهمة من القيم الفاضلة في الدين الإسلامي الحنيف.