أبدأ بالاعتذار للقارىء الكريم عن الغياب الذي امتد لقرابة عشرة أيام الأمر الذي لم يحدث من قبل طوال عمر هذه الزاوية التي امتدت لأكثر من عشر سنوات. وكان ذلك بفعل الشديد القوي ولا اظن ان هنالك اقوى وأشد من رحيل الوالدة العزيزة أمامة أحمد محمد فضل الله التي رعتني صغيراً ووجهتني صبياً وارشدتني شاباً وشملتني بدعواتها أنا وأسرتي الصغيرة في عمر الكهولة الحالي. قديماً قيل لنا ان اليتيم هو الطفل الذي فقد والده وتجاوزاً هو من فقد أمه كذلك، ولكنني الآن فوق الخمسين واشهد الله انني احس بطعم اليتم لا بل اعيشه حقيقة وكأنني في الخامسة من عمري، أشعر بانني أصبحت عارياً من الدعوات التي كانت تلفحني بها صباحاً ومساءً، اشعر بأن كوة من الرحمة والحماية كانت مفتوحة نحوي قد أغلقت، ولكن الموت حق وهو سبيل الأولين والآخرين ولا أملك إلاّ الرضاء بقضاء الله وقدره ومن ثم البحث عن ورد اضافي عسى ولعل ان اعوض به بعض المدد الذي كان يأتيني من جهة العزيزة الراحلة وسأظل اسأل المولى صباحاً ومساءً بأن ينزل شآبيب رحمته على قبرها كما كانت تدعو لي في حياتها التي انتقلت منها في أمسية الاربعاء 12مارس 2008م الموافق الثالث من ربيع الأول 1429ه. لا بد لي من شكر كل الذين تكبدوا مشقة مواساتي في مصابي الأليم بدءاً بقمة القائمين على الحكومة والدولة والسياسة والمجتمع في بلادنا والأصدقاء والزملاء كافة في القطاع الإعلامي والأكاديمي وكل الأهل في الجزيرة والعاصمة الذين حضروا للمأتم بقرية «اللعوتة» والذين اتصلوا عن طريق الهاتف أو الذين كتبوا لي عبر البريد الالكتروني من خارج البلاد وداخلها، لا بد من ان أشكر بصفة خاصة الأعزاء القراء الذين لا تجمعني بهم صلة خاصة، غير هذا العمود. فهؤلاء منهم من أتى من العاصمة وولاية النيل الابيض ونهر النيل والنيل الازرق إلى «اللعوتة» ليقدم العزاء ويرجع دون أدنى سابق معرفة خاصة لا بل ان احدهم رفض حتى ان يعطيني اسمه عندما طلبت منه ذلك وألححت عليه حتى باب عربته ولكنه تعلل بانه قد جاء لتقديم واجب العزاء وليس لتعريفي بنفسه، أما أهلي في قرى الجزيرة المختلفة فهؤلاء لم يتركوا لي ما اقوله فقد ادهشوني بتواصلهم الحميم فالوفود التي جاءتني من قرى لم اتشرف برؤيتها حتى الآن جعلتني أحس بطعم للكتابة لم احس به من قبل. ومثلما بدأت هذا العمود بالاعتذار عن الانقطاع لا بد لي من اختمه بالاعتذار عن استغلال هذه المساحة في شأن يبدو خاصاً ولكنها غصة في الحلق وفي القلم لا بد من ان تنزل حتى أستطيع العودة للكتابة الراتبة راجياً الجميع ان يسألوا الله للوالدة المغفرة والرحمة وفسيح الجنان.