اذن. لم يبق لوسيطي مفاوضات سلام دارفور،التي عرفت بمفاوضات سرت، وهما يان الياسون مبعوث الامين العام للامم المتحدة، وسالم احمد سالم المبعوث الافريقي سوى التنحي عن المهمة.ان يجلس كل منهما لوحده ويسطر ويقرر بامانة بالغة الجهود التي بذلها لانهاء الازمة في دارفور عبر المفاوضات المباشرة بين الحكومة والحركات المسلحة، ويعلن في آخر الاسطر بأنه سيغادر المهمة ليفسح المجال الى غيره، لمواصلة هذه المهمة الشائكة، خلاف ذلك فان كلاً من الياسون وسالم يصران على المكابرة، والاصرار على السير على الطريق الخطأ لحل مشكلة دلت كل محاولاتهما بأنها ليست أكبر من جدارتهما لحلها، فحسب، وانما صارا في موضع الوسيطين غير المرغوب فيهما من جميع الاطراف. الحركات المسلحة في دارفور، على كثرتها وتعدد مشاربها، وعلى مشهدها الداخلي المتشظي، هذه الحركات عن بكرة ابيها لا ترى في الوسيطين الشخصين المناسبين لادارة الوساطة بينها وبين الحكومة، وبعض هذه الحركات تجاهر وتتهم الوسطاء- والاشارة تتجه صوب سالم والياسون- بعدم الحياد في ادارتهما للملف، وكانت في وقت سابق اتهمت عناصر في الاتحاد الافريقي بأنها مرتشية، دون ان تسمى العناصر، وظلت تبغض اليد اليمني لسالم في عملية الوساطة السفير سام ايبوك، وهو كان من امهر طباخي ابوجا. تلك كانت مواقف الحركات من الوسيطين مجملا، في وقت سابق، لتتجدد ذات المواقف الاسبوع الماضي، وبشكل صارخ، على لسان عدد من المسؤولين في حركة العدل والمساواة على رأسهم رئيسها الدكتور خليل ابراهيم،حين اقترحت في سياق طلبها التفاوض منفردة مع الحكومة، وان يقوم بدور الوساطة الامين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي انان. ربما رأت العدل والمساواة في نجاح انان في اختراق الازمة الكينية، والوصول بها في فترة وجيزة الى مرحلة التهدئة، ثم مرحلة الحكومة المشتركة بين الرئيس مواي كيباكي وزعيم المعارضة رايلا اودنقا، نموذجاً حياً يستوجب الاحتذاء به لادارة عملية التفاوض بين اطراف الازمة في دارفور، غير ان الاقتراح ينطوي على اتهام للوسطاء الحاليين في سلام دارفور بالفشل. والحكومة «تمت الناقصة»، حيث نسب الى سفير السودان في نيويورك قوله ان الوساطة التي ظل يقودها يان الياسون مبعوث الاممالمتحدة وسالم أحمد سالم مبعوث الاتحاد الافريقي لم تراوح مكانها ولم تحقق أي نجاحات حتى الآن، وذكر السفير،وهو اقرب السفراء السودانيين لملف دارفور، بحكم الوجود شبه الدائم للملف في اعمال المنظمة الدولية، أن اجتماع سرت الذي ذهبت إليه الحكومة بوفد عالي المستوى واعلنت وقفاً احادياً لاطلاق النار وغياب الفصائل المعارضة عنه ولم يستطع المجتمع الدولي أو مجلس الأمن أن يوفر بما تعهد به بشأن معاقبة الجهات التي تعرقل العملية السلمية في دارفور، وهذا وصف للوسطاء بالفشل، ولكنه جاء على لسان سفير آثر وضعه في قالب دبلوماسي. ومن بعد، فبأي منطق يستطيع الوسيطان الجلوس على كرسي الوسيط لمشكلة جميع اطرافها لديها «رأي»، بل «آراء» في ادائهما، في الفترة السابقة، سوى المكابرة والاصرار على المضي على الطريق الخطأ. هناك اكثر من شيمة عنيفة في بحر المشكلة تتحكم في حركة الوسيطين، او قل تدوسهما وتفقدهما توازنهما. وأعنف الشيمات ضلوع الأجندة الاقليمية بعمق في الازمة وتعارض تعاطيها معها، فضلا عن تشتت سبل الحركات المسلحة في الاقليم.