إنسكب أول مدار للحزن على فراق الجنوب، بصورة تعصر القلب حتى يدمى، حينما تناقلت الصحف المحلية، عن «فرانس برس»، ان الفنان الهرم محمد وردي أمضى نصف قرن من حياته يتغنى بالوحدة بين شمال البلاد وجنوبها وهو الآن يتفطر قلبه من انشطار السودان إلى شطرين، وكأنما يرى بلده ينهار أمام ناظريه.. وقال وردي في حديثه لوكالة فرانس انه أمضى «45» عاماً يغني للوحدة.. وحتى يأتي يوم وتعود فيه الوحدة «سأغني للفقراء والمرضى».. وقبل ان يأتي هذا اليوم الذي نحن فيه.. معظم الفنانين السودانيين إن لم يكن كلهم -شعراء وملحنين ومغنين- كثفوا جهودهم لاحراز هدف الوحدة ولو في الوقت بدل الضائع.. كإمتداد لدور الفنان السوداني الذي كان حاضراً في كل المنعطفات الحرجة التي مرت بها البلاد.. وكأن أملهم وقتها ان ينجح الفن فيما فشلت فيه السياسة وتغنوا من أجل سودان واحد ولكن.. المشيئة قدرت ان لا يكون السودان واحداً ولم تشفع له الاغنيات، وحتى بعد ان صار الأمر واقعاً، ما زال الفنانون يرفضون فكرة الانفصال باعتبارها سيناريوهات سياسية مرسومة وفق البروتوكولات والاتفاقيات، مشيرين إلى أن الوجدان السوداني سيظل موحداً رغم التباعد الجغرافي.. وعلى رأس هؤلاء المبدعين الاستاذ السر قدور الذي تغنى لبلد الطيبة المزدهرة بالخير والجنائن والذي قال ل «الرأي العام» ان السودان أصبح سودانين في الخارطة الجغرافية وهذه حالة طارئة مشيراً إلى أنه ومثلما أدت الظروف السياسية لهذا الوضع سيتواصل الغناء من أجل استعادة وحدة التراب.. لأن الغناء من وجهة نظره وعاء أكبر من الانفصال الجغرافي.. ولم يخف د. عبدالقادر سالم حزنه على سودانه الذي أصبح سودانين.. وقال: «نحن لم نتعظ بكلام رائد التعليم عبد الحليم محمد طه.. «منقو قل لا عاش من يفصلنا».. وإستدرك سالم.. لكن ما دامت رغبة اخوتنا الجنوبيين لا بد ان نستجيب لها وكلنا أمل في ان نعيش بدون توترات أما أغنياته للجنوب والوحدة.. قال سالم إنها ستكون من باب الذكريات والأغنيات القديمة.. الفنان عبد الله البعيو قال انه لا يستطيع حتى التعبير عن مدى حزنه على الجنوب الذي ذهب مشيراً إلى أنه خبر كل جزء فيه فقد جابه براً وبحراً وكان حاضراً لعيد الوحدة الأول وقال انهم كفنانين سيظلون يتغنون للجنوب حتى الموت.. ولن تبارح الاغنيات محطة جوبا.. مريدي.. واو.. عشماً في ان ترجع مرة أخرى. أخوي يا ملوال لو جيت بسكة بور.. بالله حييها وسلط عليها النور.. كانت ملحمة أخرى غازل عبرها الشاعر التيجاني حاج موسى مدن الجنوب وقال ل «الرأي العام» انه وحدوي تماماً وحزين على ما حدث ويتوق لرأب الصدع في يوم من الأيام ويتمنى أن يشهده قبل ان يموت.. حصاد الجهود لجلب الوحدة عبر الاغنيات في الفترة الأخيرة كان كثيفاً، شارك فيه معظم المبدعين فنانين و شعراء وعازفين.. وفي هذا الاتجاه انتج عازف الكمان عثمان محيي الدين البوماً خاصاً للوحدة لأنه وحسب قوله فإن التاريخ لن يرحمهم كفنانين وسيظل يتساءل عن دورهم وعن ما قدموه من أجل وحدة البلاد.. وكذلك الاجهزة الاعلامية فتحت ابوابها للفنانين من أجل تسجيل الأغنيات الوطنية.. حيث سجلت الاذاعة السودانية للكثير من الفنانين وكثفت إدارة الموسيقى نشاطها لاستيعاب اكبر قدر من الأعمال الوطنية.. الشعراء هاشم صديق وأزهري محمد علي، وعبد القادر الكتيابي و مدني النخلي «عشان بلدنا» كتبوا الاوبريتات والأغاني.. وحملها معه د. الفاتح حسين معه شعاراً في مشاركته الأخيرة في دار الأوبرا، «فلنغن من أجل سودان موحد»، وغنت فرقة البالمبو وعصام محمد نور ومحمود عبد العزيز، وشكر الله عز الدين وسليمان أبو علامة وسيف الجامعة وغيرهم.. كلهم غنوا وبكوا على ردهات الوطن الواحد الذي قبل القسمة على اثنين.