رضي بلعبة الديمقراطية، وقال انه اهل لها، وجدير بخوض غمارها، ولكن الحقيقة انه يرضى بها في حال الفوز بالانتخابات فقط ، واهل لها عندما تحمله من جديد الى سدة الحكم، وجدير بها عندما تجليه، وتعيد ترتيبه الى مركز الضوء، لذلك ظل حاكم زمبابوي روبرت مغابي يفوز في كل الانتخابات الرئاسية في بلاده.في مارس الماضي، سمح لمعارضه للدود مورغان تسفانجيراي ان ينافسه في الانتخابات، وعندما راى ان النتيجة ليست كما يرغب فيها خرخر «ودك الورق» و«دس» نتيجة الانتخابات، وقال جملا مدغمسة حولها، تفهم بان النتيجة جاءت: «لاغالب ولا مغلوب»، وحدد موعدا لاعادة الانتخابات، رتب نفسه تماما للفوز بها باسلوب الدك والخرخرة ودس اللورق، وقد كان.«صنع» موغابي لخصمه تسفانجيراي ملف قضية تخوين، وروج للقضية، وارسل له اكثر من اشارة تهديد بالجرجرة الويل الثبور وعظائم الامور. ولما كان تسفانجيراي اعزل الا من صوته المعارض، اضطر الى اللجوء الى السفارة الهولندية طلبا للحماية من جند موغابي و«محاربيه القدامى»، الذين ملأ موغابي افواههم بالماء والجراد، فباتوا لا يرون الحق الا كما تراه عينا موغابي، يركبون معه في سرج واحد:هم الحكام والاغنياء، وباقي الشعب محكومون وفقراء. بذلك خاض الدورة الثانية، التي حددها، وفاز من طرف واحد. الرجل الموصوف بالعناد يربك العالم منذ ايام، نصب نفسه رئيسا للبلاد من طرف واحد، ووضع على هذه طينة وعلى الاخرى عجينة، وحزم امعته، وغادر هراري، وحط في شرم الشيخ، وجلس على كرسي بلاده في القمة الافريقية المنعقدة هناك، وكأنه يقول بذلك لكل من يحتج على فوزه:اركب أعلى خيولك، وكأنه يمد سبابته في وجه امريكيا والدول الغربية والامم المتحدة ، التي تعارض تصرفاته، وتحذر وتلوح بفرض عقوبات عليه.القادة الأفارقة، كافراد، لايندهشون، ولايرف لهم جفن بالطبع. عادي، فهم وموغابي يصبون من رافد واحد. اما القادة الأفارقة، كقمة، يقولون، من بين السطور، ان موغابي مخطئ، ولكنهم اضعف من أن يتخذوا قراراً يفلح في اثنائه عن جلوسه على الكرسي، من طرف واحد، وكي مون ليس لديه اكثر من بيانات تحذير. سينجو موغابي من العقوبات الغريبة او الدولية او الافريقية، لو فرضت عليه، وكل الامور تشير الى انه سيستمر في حكم البلاد، لدورة رئاسية جديدة، ولايعرف من بعد ذلك ان كان سيرضى بلعبة ديمقراطية جديدة سيغلق هذا الباب، غير ان السؤال هو: هل المشكلات التي تكبل بلاده ستوفر له فرص الاستمرار الآمن المريح في الحكم؟الحقيقة ان موغابي ظل يعود ببلاده الى عهد روديسيا العنصرية، التي تحولت الى زيمبابوي. بعد استقلت روديسيا الشمالية عن بريطانيا من جانب واحد في العام 1965 مارست الأقلية البيضاء فيها نظام تمييز عنصري بغيض سلبت الأغلبية من السود حقوقهم، ولكن الشعب تغلب، عبر ثورة ممتدة، على العنصريين واسترد حريته، فتحولت إلى زيمبابوي في العام 1980. واليوم مجموعة من المحاربين القدامي، بينهم من حملوا رايات تلك الثورة، ارتدوا بالبلاد خلفا، احالوها الى» ضيعة « لهم ولموغابي. كل الثروة في إيديهم، ولاشئ في يد المواطن، نزعوا المزارع من البيض، وبدلاً من ان يحافظوا،على الاقل، على خضرتها احالوها الى صحاري جرداء، بفعل الكسل واستمراء الكسب الجاهز، وضيقوا الحياة على كل من قال «لا»، فطفش اكثر من «4» ملايين زيمبابوي الى دول الجوار يكسبون العيش بذلة، ونحو مليون ونصف المليون الى خارج افريقيا من جملة سكان البلاد البالغ عددهم«12» مليون ، والدولار الأمريكي الواحد يساوي أربعين مليون دولار زيمبابوي، والعطالة «80%»، والديون «5» مليار دولار، وكل دول الجوار ملت تصدير موغابي رزيا حكمه، وآثاره السالبة المدمرة اليهم...فكيف ينجو المحارب القديم؟.