قطع الأمريكان - كعادتهم - أشواطاً مُقدَّرة في سن القوانين التي تحمي أخلاقيات الإنترنت و تحافظ على أمن و سلامة الناس في هذا العالم الافتراضي تماماً كما تفعل قوانين العالم المادي . ومن تشريعاتهم المستحدثة في هذا الشأن موقف القانون الأمريكي من «الملاحقة بالرسائل الإلكترونية».. فإذا أرسل إليك شخص مجموعة رسائل إلكترونية و طلبت منه بوضوح التوقف عن مراسلتك ثم أصر هو على الاستمرار في إرسال الرسائل برغم علمه الأكيد بضيقك من رسائله، يتعامل القانون مع هذه المسألة على مستويين : فإذا كان الشخص المُرسل مراهقاً تحت السن القانونية يعتبر مثل هذا السلوك (مضايقة) أما إذا كان المُرسل شخصاً بالغاً فيعتبر هذا الأمر (تحرشاً) .. و في كلا الحالين تبقى المسائلة القانونية قائمة .. على صعيدنا المحلي وبرغم القفزة والخطوات التي مشيناها في عالم الاتصالات الهاتفية والتكنولوجية لا تزال القوانين السودانية تقف موقفاً متهاوناً حيناً و متخاذلاً أحياناً أخرى في التعامل مع الجرائم الإلكترونية و التجاوزات الأخلاقية عبر الإنترنت والتي تشكل بدورها جرائم إلكترونية تعاقب عليها قوانين الدول المتقدمة تكنولوجياً .. و قد دار قبل فترة نقاش في أحد مواقع الإنترنت السودانية حول قضية الملكية الفكرية و انتهاكها من قبل أصحاب و أعضاء بعض المواقع من خلال (نسخ البرامج بطرق غير قانونية .. أو الاحتيال في التسويق .. أو نشر المواد المنشورة في مواقع أخرى تحفظ حقوق نشر موادها .. و إعادة نسخ البرامج و الأغاني الأمر الذي يدخل أصحاب الحق في خسائر بالغة بينما يحقق أرباحاً طائلة -بغير وجه حق- (للناسخين .. إلخ..).. و الحقيقة أن التعامل مع - و عبر- شبكة الانترنت أكبر نقلة هائلة حدثت لإنسان العصر الحديث و أثرت في تفاصيل حياته العامة و الخاصة، و شكلت تطبيقاً عملياً و سريعاً لفكرة العولمة . فأصبحنا اليوم نعيش عولمة القانون و عولمة الأمن .. و عولمة الجريمة .. و أصبحت التجاوزات و السلوكيات غير القانونية بالاستفادة من امتيازات العالم الافتراضي في تسهيل و تذليل صعاب الجرائم التقليدية، أو باستحداث جرائم تقنية حديثة مسرحها الوحيد هو شبكة الانترنت .. و أصبح اليوم بمقدور أي شخص يملك بعض الخبرة أو الإبداع في مجال الانترنت أن يهدد سلامة أكبر المؤسسات الأمنية العالمية بضغطة زر وهو جالس في عقر داره يتلمظ فنجاناً من القهوة . و قد شهد عالم الإنترنت سرقة أرصدة بملايين الدولارات من خلال التحويل الالكتروني أو تدمير الحاسب من قبل ال «Hackers » بالقنابل البريدية أو التخريب أو إتلاف المعلومات أو تعطيل الحاسب أو مسح البيانات وتشويهها .. كما تحولت الأسافير السودانية اليوم إلى مسرح لسرقة الحقوق و التعدي على الملكية الفكرية، و التهديد بالقتل، و إلحاق العذاب النفسي بالكثيرين من خلال الكذب أو تحريف الحقائق أو القذف أو التحرش عن طريق رسائل الكره ورسائل المضايقات الجنسية .. و صحيح أن موقف كل منا من التجاوزات القانونية و الأخلاقية على شبكة الإنترنت مرهون بموقفه من سلطته على ذاته و بمدى وعيه، الأمر الذي يضيق هامش إلزامية القوانين، إنما لا بد من سن قوانين محلية جديدة توائم تطورات هذه الشبكة العالمية و تنظم التعامل مع محتويات الإنترنت و ترسم خارطة واضحة المعالم لأخلاقيات الإنترنت المنطلقة من أخلاقيات المجتمع السوداني .