ترقد فى الفص الأخير لدماغى قناعة بأنّ عدد الشعراء المعلنين أقل كثيرا من عدد الشعراء الذين يكتمون آهاتهم وأشعارهم ... وأنّ عدد الشعراء الذين تزور أشعارهم المحافل والأندية وسوق الأوراق الشعرية أقل من عدد الشعراء الذين يسكنون بيوتهم وأبيات الشعر ... وأنّ بين هؤلاء شاعرات لو دخلت مطابخ منازلهنّ و فتحت صنبور المياه فلربما يخرج منها الشعر بديلا عن سائل هيئة مياه المدن الشحيح! أتاحت لى الأيام الماضية الرشف من صنبورين من مياه شاعرتين من منازلهنّ : الأولى خديجة مصطفى والدة صديق الدراسة الشاعر مصطفى ود المأمور ... الشاعر الذى يقضى يومه بين خضرتين : خضرة النبات وخضرة الشعر ... والثانية خالدة محمد عبد الرحمن والدة الطبيبتين نجلاء ولمياء التجانى ولذلك يأتى شعرها كجرعة دوائية سريعة المفعول على طريقة حبّة تحت اللسان! ود المأمور شاعر عرفت قصائده طريقين للتوثيق : النشر والغناء ... أمّا والدته المرحومة خديجة فلم ينل شعرها نصيبه المستحق من النشر والغناء ... وحينما قرأت قصيدتها (ربّيتك تعبت) تأكدت ان اجمل الشعر الغنائى فى السودان لم يلحّن بعد ... هذه القصيدة قطعة أثرية فقد كتبتها يوم زفاف ابنها مصطفى لتأتى فى مقدمة (سيرة) العريس ... وهى شعر يندرج تحت عنوان أدب الأمومة! أهدتنى الشاعرة خالدة محمد عبد الرحمن ديوانها الصغير الأنيق الذى تشم فى أوراقه رائحة أوراق النبات السودانى : ديوان (جراح قلبى وأفراحه) ... وبالرغم من أنّ الشاعرة ناشطة فى (سكب) شعرها خارج المنزل الا انّ قصائدها تنطبق عليها شروط جودة الصناعة المنزلية فقصائدها تأتى مثل (حلّة) الطعام (المسبوكة) فى البيت : شعر من منازلهنّ! تبرز فى الديوان قصيدتا الجلابية والثوب فتقفان بشجاعة أمام قصيدة سيدأحمد الحردلو التى جمع فيها بين التوب و الجلابية فى كوبليه واحد ... وقصيدة (خاتم المنى) التى تقف بذات الشجاعة أمام أغنية (خاتم المنى) التى تحيط بأصابع البلابل! شاعرات من منازلهنّ هى احدى حقائق الواقع السودانى التى تدفعنا لاضافة سؤال فى استمارة التعداد السكّانى : هل فى مسكنكم شاعرة من منازلها!!