اعلان والي ولاية الخرطوم عن مجانية العمليات الجراحية بمستشفيات الولاية كافة وان الولاية ستتكفل بدفع تكلفة هذه العمليات، خبر سعيد بدون شك، لكنه يذكرنا في ذات الوقت بأن كلمة مجانية العلاج صارت «مجانية» في دهاليز المستشفيات وفي المرافق الصحية، اي انها قول لا يعني شيئاً داخل المرافق الصحية أكثر من أنه قول ، او كلام غير مصحوب بالفعل، في كثير من الحالات التي قررت الحكومة مجانيتها في أوقات سابقة. يأتي الدكتور إلى الحوادث أو العنابر في المستشفيات العامة ويكشف على الحالات او «يمر» علي المرضى «مجانا» ، وينزع من الدفتر المخصص لمجانية العلاج ورقة ويحرر لك الروشتة «المجانية»، يستلم المريض او المرافق الروشتة المجانية ويذهب بها سعيدا ب «مجانية» العلاج التي سترته او كما يظن، يذهب الى نافذة صرف الدواء مجانا، وهناك يسمع الكثير من الكلام«المجاني» والنصائح المجانية، ولكنه لايصرف العلاج المجاني، لانه غير موجود في نافذة المجانية، او يقولون له كذلك، في سياق الكلام المجاني يتحسس جيبه وييمم وجهه صوب أقرب صيدلية تجارية، ليشترى الدواء الذي قالت الحكومة انه يحصل عليه مجانا في مرافقها المحددة، وغالبا في أقسام الحوادث. زرت احد المرضي محتجزاً في احدى المستشفيات، فوجدت تحت «مخدته» اربع روشتات حررها له الطبيب لادوية مجانية، ولكن في كل مرة من المرات الاربع عاد المرافق من نافذة صرف الدواء مجانا بكلمة واحدة: مافي، وكان آخر حيل المريض إزاء كلمة مافي هذه ان وضع الروشتات تحت (مخدته) في انتظار يوم تكون فيه المجانية حقيقة تمشي بين المرضى في «المستشفيات»، ربما يأتي هذا اليوم. من الحكايات الظريفة ان حكى لي الاستاذ فتح الرحمن النحاس عن صانع أباريق كان يطوف على التفاتيش في الجزيرة يصنع للناس الاباريق من الزنك، ولكنه كان من نوع الصنايعية الذين «يختون طاقية دا في راس دا»، وعليه كان من الصعب على الزبون ان يستلم منه الابريق الذي قاوله عليه ودفع ثمنه، فكان يقول لكل من يلتقيه ويسأله عن الابريق: «والله قاعد في القفة في البيت»، وقد يستمر هذا الرد الى ماشاء الله، وقد اطلق عليه سكان بعض القرى لقب: في القفة، في سخرية منهم من عدم إلتزامه بما يلتزم، وبما يقول.وفي الحكاية الكثير من ما تنطوي عليه عمليات تنفيذ قرارات العلاج المجاني. قال الوالي إن مجانية العمليات تجيء وفاءً لعهد الولاية التي اعلنت في وقت سابق عن خطتها الرامية إلى الموازنة بين تطوير المستشفيات وتحديثها وبين خفض تكلفة العلاج للفقراء حيث كانت الولاية قد طبقت العام الماضي مجانية العمليات للحوامل والاطفال،وتعهد بانهم سيعملون مع الجهات المختصة لعمل برنامج يضمن تواجد الاختصاصيين بالمستشفيات أطول فترة لمتابعة الحالات الحرجة وعلاج حالات الطواري، وهذه كلام ينسرب الى الدواخل، كما الماء البارد في جوف العطشان. ولكن المشهد السائد هو ان تتكسر القرارات على القرارات على عتبات المستشفيات. نعم قد تجد مجانية مموهة بالتمام والكمال، في بعض المرافق. كأن تجد الشاش مجانا، ولكن مقابل ذلك لاتجد سلسلة من مرفقات العلاج الاخري التي كتبت لك في روشتة واحدة مع الشاش، وقد تجد الدواء المجاني ذا الثمن الذهيد، ومقابل مافي لدواء اخر مرفق سعره يناطح السماء.وكشف الوالي ان ادارة مستشفيات الولاية ان تعد برنامجاً يومياً لمتابعة اداء مرافق المستشفيات كدورات المياه واجهزة التكييف والاستعانة بقطع الغيار الأصلية التي تحتمل الاستخدام المكثف للمرافق الخدمية بالمستشفيات وكذلك لضمان سلامة هذه المستشفيات التي صرفت عليها الولاية اموالاً ضخمة في تأهيلها وتوسعتها. والايام تكشف، والله يكضب الشينة «في ابواب» المستشفيات.