إنتهت قمة ما سمى بقمة «الفرصة الأخيرة« أو قمة »الحياة أو الموت« إنتهت بما يمكن ان أسميه »الفشل والنجاح« فهي فشلت في تحديد آلية متفق عليها بواسطة »27« دولة لانقاذ منطقة اليورو أو بالتحديد فشلت في تحقيق إجماع حول المقترح الألماني الفرنسي أو ما سمي بمقترح أو بمشروع »ميراكوزي« نسبة إلى المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي لانشاء معاهدة جديدة تسن فيها قوانين صارمة جداً تحكم الاداء المالي للدول الاعضاء في الاتحاد .وقد عزى سبب الفشل لرفض الرئيس البريطاني ديفيد كاميرون واستعماله لحق الفيتو ضد المشروع مما أثار عليه غضب غالبية الدول الاعضاء . والرئيس كاميرون برر إعتراضه على المشروع بأنه ضار بالمصالح الاقتصادية لبلاده وتحديدا بالحى المالي البريطاني وان المعاهدة الجديدة سوف تهدد السيادة البريطانية وتجعلها رهينة لبروكسل لكن منتقديه قالوا ان كاميرون كان متقلب الاطوار وكثير الانتقادات للرؤساء الآخيرين رغم انهم صبروا عليه كثيراً . فبالأمس القريب كان يتحدث في برلمان بلاده وقال: »ليس اخلاقياً ان ترى منزل جارك يحترق ولا تساعده في إطفاء النيران بل تكتفي فقط بصد النيران عن منزلك..« في إشارة واضحة لتعاطفه مع أوروبا لحل أزمة الديون المتفاقمة لكنه حينما أتى إلى بروكسل الخميس الماضي فاجأ المجتمعين برفضه القاطع للحلول التي يطرحها الجميع لحل الازمة وهو متأثر تحت الضغوط الكبيرة من أعضاء حزبه المحافظين وقد نجح في إفشال »الاجماع« وشق أوروبا إلى نصفين دول قوية وأخرى ضعيفة أو ما أسماه المحللون الاقتصاديون تحويل أوروبا ذات السرعة الواحدة إلى أوروبا ذات السرعتين »Tow speed Europe« سرعة الدول القوية مثل المانياوفرنسا والسويد و فنلندا وهولندا وسرعة الدول الضعيفة أو ما يسمى بدول »pigis« البرتغال وايرلندا واليونان وايطاليا واسبانيا. وهذا الموقف للرئيس البريطاني أبعدها إلى مسافة بعيدة من أوروبا وربما يعرض علاقاتها التجارية والاقتصادية إلى الخطر في المستقبل القريب. نجاح القمة كان في محورين مهمين المحور الأول كان نجاحها في جمع حوالي »23« دولة من مجموع »27« دولة حول مقترح »ميراكوزي« وهذا معناه ان القمة نجحت في اقناع جميع دول منطقة اليورو السبعة عشر »17« زائداً ست دول »6« من خارج المنطقة وجميع هذه الدول سوف تواصل سعيها إلى اطلاق معاهدة جديدة بديلة لمعاهدة لشبونة في مارس القادم لترسم المسار الجديد للأداء المالي والرقابي للدول الثلاثة والعشرين بحيث يتم ذلك عبر دساتيرها الوطنية . أما المحور الثاني لنجاح القمة هو نجاحها في دعم صندوق الانقاذ الأوروبي بمبلغ »200« مليار يورو عبر صندوق النقد الدولي حتى يتم رفع قيمة رأس ماله إلى »500« مليار يورو في السنوات الثلاث القادمة كما نجحت القمة في ازالة الخلاف حول طبيعة دور البنك المركزي الأوروبي »ECB« واتفق على ان يكون هو المسئول عن إدارة أموال الانقاذ وهو الذي يقرر تسليف الدول من عدمه.. هذا النجاح في المحورين يعد نجاحاً للقمة يبشر ان الاتحاد يسير في الطريق الصحيح لحل الأزمة نهائياً خاصة وان الولاياتالمتحدة والصين وبقية دول الاقتصادات الناشئة تقف مع فكرة المعاهدة الجديدة وتدعمها.. إن الخلافات بين الرؤساء وخاصة الخلاف بين الرئيس الفرنسي والرئيس البريطاني ادت إلى الفشل الذي لازم القمة لكن ذلك لن يؤثر بالطبع على تحالف الدولتين فرنسا وبريطانيا ولن يتعداه إلى السياسة الخارجية للدولتين تجاه العالم أو الشرق الأوسط. فالدولتان ستظلان حليفتين كما كان حول ليبيا ولن يكون هناك خلاف في قسمة »الكيكة« الليبية ولن يكون هناك خلاف حول فرض عقوبات اقتصادية على إيران أو أي بلد آخر في الشرق الأوسط وهذا طبيعي في علاقات الدول الأوروبية بين بعضها البعض أنها تتعاطف مع بعضها البعض وتنسى الخلافات في وقت الازمات أو وقت تعرض مصالحها الاقتصادية الخارجية للخطر. فالدول الغربية عموماً تعمل بالمثل العربي »أنا وابن عمي على الغريب«..