منذ تأسيس لجنة الأمن والمخابرات فى أفريقيا (السيسا) تنوعت الموضوعات والأجندة التى أهتمت بها فى اللقاءات والإجتماعت وورش العمل التى ظلت تقام بشكل سنوى من الإرهاب وأمن الدول الى الجريمة المنظمة والتهديدات العابرة للحدود . وخصص موضوع ورشة هذا العام التى تعقد بالخرطوم فى الفترة بين 7-11 نوفمبر الجارى لتناول (الجريمة الإلكترونية) والتى باتت تعتبر اليوم من أكثر المهددات الأمنية بالقارة السمراء كما غدت تضيف أعباءاً كبيرة على الأعباء التى ظل ينؤ بها كاهل القارة لفترة طويلة . لعقود طويلة ظلت أفريقيا ترزح تحت وطأة ما يعرف ب"الأمن التقليدى" كالحروب والنزاعات وتداعياتهما القاسية كاللجؤ والنزوح والأزمات الإنسانية والكوراث..الخ فضلاً عن الحروب والنزاعات و الأمراض الجائحة (مهددات الأمن الإنسانى)..الخ، ولم تتعاف بعد من تلك العلل حتى وجدت نفسها فى خضم تهديدات أمنية من نوع جديد و لعل أخطرها الجريمة اللإلكترونية وليد عصر العولمة . الأمن التقليدي لم تطوِ القارة الأفريقية بعد صفحة المهددات الأمنية التقليدية حتى وجدت نفسها أمام أنماط جديدة من المهددات وهى الجريمة الإلكترونية ، ومع التقدم التكنولوجى حيث تشابكت أدوار شبكات الجريمة المنظمة وتعمقت وإزدادت خطورة وهو يستدعى تطوير المؤسسات المعنية بالتخطيط ورسم السياسات الأمنية تطوير أدواتها . ولقد أرتبطت أنماط "الأمن التقليدي" بالتحديات الداخلية وفاعلين محليين أو ربما على المستوى القارى الإقليمى، ولكن مواجهة الأنماط المستحدثة من التهديدات تتطلب بناء مؤسسات أمنية فاعلة ذات قدرات وإمكانيات تواكب أشكال تلك الجريمة لا سيما الجرائم العابرة للحدود بالتحديد الجريمة الإلكترنية فماهى هذه الجريمة؟. الجريمة الإلكترونية : وتعرّف الجريمة المنظمة بانها "تلك الجريمة التى ترتكب بواسطة "التقنيات الحديثة" وما يميزها عن الجريمة التقليدية بجانب حداثة وسائل إرتكابها هو أنها عابرة للحدود وقد يكون الضحايا فى بلد والمجرمون فى بلد آخر أو تقترف فى أكثر من بلد فى آن واحد، فضلاً عن تعقّد طرق تتبع وضبط مرتكبيها . ونقلت (بى بى سى) الإنجليزية عن خبراء شئون الجريمة الإلكترونية ب(كاسبيرسكى) -المتخصصة في أمن أجهزة الكمبيوتر- أن (ما يزيد من 49 مليون هجوم إلكترونى فى أفريقيا فى الربع الأول من العام 2015 الحالى ووقع معظهما فى مصر والجزائر وجنوب أفريقيا وكينيا). وتعتبر الجريمة الإلكترونية أكثر شيوعاً اليوم فى جنوب أفريقيا وتقول الشركة الأمنية (نورتون) أن 70% من مواطنى جنوب أفريقيا قد وقعوا ضحية للجريمة الإلكترونية مقارنة ب50% عالمياً. بينما قالت شركة أمنية أخرى وهى (ماكآفى)- وتعمل فى مجال السوفت وير- أن الجريمة الإلكترونية كلّفت جنوب أفريقيا (550) مليون دولار أمريكى فى السنة الأخيرة فقط . إطار تشريعى : ونظراً لتطور الجريمة الإلكترونية وتهديدها المتنامى للإزدهارالإقتصادى وإقتصاد المعرفة أقر الإتحاد الأفريقى فى يونيو 2014 إتفاقية لأمن الكمبيوتر وحماية البيانات، ولكن يتطلب تنفيذ تلك الإتفاقية مصادقة (15) دولة من بين أعضاء الإتحاد البالغ عددهم (54) دولة عليها وهو ما لم تقم به أي دولة حتى الآن. ويعتبر الخبراء إن اولى خطوات مكافحة الجريمة الإلكترونية هو إيجاد الأطر التشريعية اللازمة على أن تتلو ذلك بقية الخطوات المطلوبة. وربما يكون من أهم النتائج المتوخاة من الورشة التى تعقد بالخرطوم هذه الأيام هى التوصل لتوصيات تساعد الدول الأعضاء على إعتماد تشريعات متخصصة فى الجريمة الإلكترونية وحث هذه الدول على مصادقة المعاهدة التى أقرها الإتحاد الأفريقى وذلك لمواكبة الإتجاه العامى فى التدابير المتصلة بالحد من مخاطر الجريمة الإلكترونية . الإقتصاد الرقمى : ما يُطلق عليه اليوم ب"الإقتصاد الرقمى" يعتبر سوقاً مزدهرة تساعد على نمو الجريمة الإلكترونية فمع تطور التقنيات الحديثة وإزداد إعتماد الإقتصاد على تلك التقنيات تبعاً لذلك تطورت قدرات الشبكات الإجرامية. ومع تحول العالم بفعل العولمة الى قرية صغيرة تحدث الباحثون عن خمس ظواهر مرتبطة بالعولمة (الملكية الفكرية، تهريب البشر، الأسلحة، غسيل الأموال،المخدرات)، وهذه الظواهر موجودة بدرجات متفاوتة فى القارة الأفريقية. ومن المفارقات أنه ورغم أن الجريمة الإلكترونية تعتبر رديفاً للإقتصاديات المرقمنة، إلا أن القارة الأفريقية التى تعتبر إقتصاداتها ما تزال "متخلفة" مقارنة بأقاليم العالم الأخرى إلا أنها تحتل مكانة بارزة فى سجل الجرائم الإلكترونية فدول كجنوب أفريقيا وكينيا و ساحل العاج لا يكاد يصدر تقرير عن هذا النوع من الجرائم وإلا وتذكر فيه. عولمة الجريمة : عالمياً أشار تقرير أجرته شركة (مكآفيى) المملوكة لشركة البرمجيات الشهيرة (أنتل) نيابة عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطون مؤخراً إن الكلفة العالمية للجرائم الإلكترونية تقدر بحوالى (400) بليون دولار وربما يكون حدها الأقصى زهاء (575) بليون دولار. و أقل من هذا الرقم يتجاوز الدخل القومى لدول وحكومات وشركات وهو ما يعكس مدى الخطورة التى يشكلها تنامى مخاطر الجريمة الإلكترونية بحسب التقرير. وأحتلت دولة كساحل العاج مرتبة متقدمة عالمياً فى الجرائم الإلكترونية وهى تقاوم بكل ما أوتيت من قوة لوصمها ب"عاصمة" جرائم الإنترنت بأفريقيا، وقد شكلت الحكومة الإيفوارية وحدة مهام خاصة لمكافحة جرائم الإنترنت تعد الأولى من نوعها في قارة إفريقيا. وأشارت تقارير صحفية أن شركة "كاسبرسكي" قد أكدت أن الربع الأول من عام 2014 شهد وقوع ما يزيد على (49) مليون هجوم إلكتروني في إفريقيا وحدها. قطاعات حيوية : ما يزيد من خطورة الجريمة الإلكترونية هى إتساع نطاقها عبر قطاعات حيوية وبحسب المعاهد المتخصصة فإن أكثر القطاعات تأثراً بها هى الطاقة والنفط والغاز، والبنوك والمالية الإتصالات والصحة والتأمين، الترفيه والسياحة، فضلاً عن الأمن والدفاع حيث تتم قرصنة البيانات والمعلومات الحساسة والأسرار الإقتصادية للشركات والأفراد. ومع إزدياد نسبة الثروة والثراء عبر قارات العالم من المتوقع أن يزداد التهديد الذى تشكله الجريمة الإلكترونية فى أفريقيا إذ تعتبر اليوم الأكثر هشاشة مقارنة بأقاليم العالم الأخرى وهوما يوفر بيئة مناسبة لنشاط الشبكات الإجرامية العابرة للحدود ما لم تتخذ المؤسسات الأفريقية المعنية وعلى رأسها "السيسا" التدابير اللازمة. ظاهرة ويكليكس ولا يقف التهديد الذي تشكله الجرائم العابرة للحدود عند نشاطات الشبكات الإجرامية فحسب ولكن تعتبر الدول هى الأخرى مصدراً لتلك التهديدات وتعد حالة إداوارد سنودن المتعاقد الأسبق مع وكالة الإستخبارات الأمريكية (السى آى أى) والذى قام بتسريب آلاف الوثائق الحيوية التى تعكس مدى تجسس بلده على الدول الأخري بما فى ذلك حلفاءها وهو ما يعكس أنها لا تقل عن الجرائم الأخرى. وبدأت ظاهرة التسريبات من هذه الشاكلة مع السويدى جوليان أسان مؤسس موقع "ويكليكس" عندما نشر آلاف الوثائق المصنفة "سرية" وما يزال ينشر منها بين الفينة والأخرى. مع التطور التكنولوجى باتت "القرصنة الإلكترونية" تعتبر بمثابة "سلاح العصر الرقمى" بحسب بعض الخبراء وأصبحت الدول والشركات تتنافس من أجل دخول هذا السوق المربح لتجنب خطورته من جهة وتطويرات برمجيات للدول التى تحتاجها بأسعار خرافية!.