عندما تمد نظرك مع النيل الازرق والنيل الابيض والروافد الساعية اليهما بكرم جم وما يحيط النيلين قبل توحدهما وبعد ان يلتحما من ارض تنبت من الفواكه والخضروات ما يجعلك تحس ان المكان ممتلئ بالطمانينة الى وفرة الرزق الحلال ومن شمال السودان الى اجزائه المترامية ان كتب لك التنقل، فإن احساسا مدهشا يجتاحك لعله ناتج عن الطاقة الايجابية لناس جبلوا على الطيبة والكرم والهدوء والوداعة .. وإن ركبت النيل في قارب يمخر مجراه والتفت ذات اليمين وذات الشمال فإنك تفرغ ما في جنبيك من قلق وارق وانت تشاهد ابناء الارض يتعاملون معها بعشق وود وجد.. ولاتنس وانت في هذا كله ان عرب السودان عبارة عن قبائل عربية تعتز بنسبها وانها مردت على السعة والتنقل ورفض الضغط وحكم الدولة المستبدة، لذلك كانت ثورات اهل السودان على انظمة الحكم سمة رئيسية في اهل البلاد كما احب ان يشير ذات مرة الشيخ المرحوم حسن عبد الله الترابي في رده على احمد منصور وهو يلاحظ الفرق بين المصريين والسودانيين : "نحن في السودان يمتد نظرنا للافق البعيد نتنقل بلا قيود وأما في مصر فهناك كان فرعون وهامان وجنودهما" كل هذا مع سخونة الجو وميل الناس الى البساطة في القول والسلوك كان يدعو الى ميلاد ادب وفن بلون خاص يمثل اضافة حقيقية للادب العربي هو اقرب للحديث عن جوانية الانسان وطموحاته العميقة يميل الى الصوفية اكثر منه الى الفلسفة وان كل من اقترب من الثقافة والاداب في السودان ادرك ان البلد ذخر بتنوع الآداب والفنون من حيث الشعر والنثر والموسيقي، بالرغم من تعدد اللغات والثقافات في السودان، ورغم ان اللغة العربية كانت محصورة في حيز من السكان لفترات سابقة الا انها تمددت بفعل جهود كبيرة للعلماء والادباء حتى عادت لغة التخاطب بين الجميع حتى تلك القبائل الفيقية التي لا تعرف لغة تخاطب بينها والقبائل الاخرى الا بالعربية.. ونشأت حركة أدبية في السودان وتطورت لتضاهي مثيلاتها في العالم العربي. وبرزت أسماء لامعة مثل الطيب صالح عبقري الرواية العربية، والبروفسور عبد الله الطيب مؤلف المرشد إلى فهم قصائد العرب وصناعتها (خمس مجلدات)، وليلى أبو العلا، والشاعر محمد مفتاح الفيتورى والتجاني يوسف بشير وغيرهم.. والعارفون بالموسيقى يقولون ان للسودان موسيقى متميزة تقوم على السلم الخماسي وهو السلم الموسيقي الذي تنتمي إليه موسيقى الصين، واسكتلندا وبورتو ريكو وموريتانيا وجنوب المغرب وإثيوبيا وأريتريا والصومال. وترجع جذور الموسيقى السودانية الحديثة إلى أناشيد المديح الصوفي. وفي هذا حديث طويل عن فن الموسيقى وامتزاجها بالموسيقى الافريقية والنوبية لتخرج نمطا خاصا يمنح الذوق العربي بعدا جديدا .. ويمكن الحديث عن اعمال سينمائية متواضعة لكنها لاتخلو من البحث عن عميق الوجدان الانساني بطريقة متأنية والميل الى القصص التراثية كقصة تاجوج التي تشبه الى حد بعيد قصة مجنون ليلى وهي افلام قصيرة حاز بعضها جوائز دولية، كما ان هناك المسرح القومي في السودان الذي اسس لميلاد جيل من المخرجين والممثلين وانتج المسرح السوداني مختلف الأعمال المسرحية على مختلف المدارس من المدرسة الكلاسيكية الرومانسية والعبثية والرمزية والواقعية. السودان بأرضه الشاسعة وماتزخر به من خيرات وبملايينه العديدة وما تحتويه من طاقات ابداعية على مستوى الفكر والادب والفن هو بلاشك عمق عربي استراتيجي يمنح العرب فرصتهم في واقع الامتداد في القرن الافريقي ومستقبل الامن الغذائي العربي.. وهو مع كل هذا يقدم نموذجا متميزا يغني الادب والفن العربييْن. كاتب جزائري