يمكن وصف الاجتماع الاخير الذى جمع رافضى التوقيع على خارطة الطريق بالعاصمة الإثيوبية بدعوة غير رسمية من المبعوث الامريكى الى السودان وجنوب السودان دونالد بوث، باجتماع الفرصة الأخيرة، وذلك فى إطار جهود حثيثة لتوحيد المعارضة وحثها للتوقيع على وثيية "خارطة الطريق" والتى قدمتها الوساطة الافريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو أمبيكى فى لقاء "التشاور الاستراتيجى" الذى جرى فى الفترة بين 16-18 مارس المنصرم، حيث وقع عليها وفد الحكومة، فيما رفضت الأطراف الأخرى (حزب الأمة القومى، قطاع الشمال، حركة تحرير السودان– مناوى، حركة العدل والمساواة- جبريل ابراهيم) التوقيع علي الوثيقة. ومع تسارع وتيرة الاحداث محليا واقليميا ودوليا والتى حتما لن تكون فى صالح المعارضة والتمرد وحلفاءهما، وفى محاولة أخيرة، جاء إنعقاد اجتماع اديس ابابا الذى أنفض سامره بالأمس ودعا البيان الختامى للاجتماع الى "اعتماد ملحق يجعل من خارطة الطريق مدخلا لحوار متكافيء وجاد ومثمر بمشاركة جميع قوى المعارضة، والاتفاق على اجراءات تهيئة المناخ ولتنفيذها، والاتفاق على هياكل الحوار". خارطة الطريق تم التوصل الى "وثيقة خارطة الطريق" والتوقيع عليها من قبل وفد الحكومة فى 21 مارس الماضى، وتعد الوثيقة فى حد ذاتها إختراقا كبيرا، إذ تعتبر بمثابة إتفاق إطارى يمهد لتحقيق التسويات النهائية لقضايا البلاد (المنطقتين، دارفور، شمولية الحوارالوطنى..الخ)، وقدمتها الوساطة عقب تعثر جولات التفاوض الرسمية وغير الرسمية والتى فشلت فى جسر الهوة بين الاطراف المختلفة حول المنقطتين او دارفور. غير أن رافضى الوثيقة، وبعد أن طلبوا مهلة أسبوع للتوقيع عليها وانقضت تلك المدة، ما فتئوا يضعون الاشتراطات المسبقة. ويبدو ان هنا تصدعا بدا يهز جدار هذه الكتلة الهشة ( يطلقون على أنفسهم تارة الجبهة الثورية وتارة أخرى نداء السودان ولكن لا تعترف بهما لا الوساطة ولا الحكومة)، حيث ألتقى زعيم حزب الأمة القومى الصادق المهدى برئيس الآلية الافريقية رفيعة المستوى ثامبو امبيكى فى جوهانسبيرج فى 2 يونيو الجارى لمناقشة تحفظات هؤلاء. ضغوط قوية تعرضت الأطراف الرافضة للتوقيع على وثيقة "خارطة الطريق" لضغوط مكثفة نابعة من جهتين: ضغوط الأطراف الخارجية المعنية بالأوضاع فى السودان خاصة دول مجموعة الترويكا (الولاياتالمتحدةالامريكية، بريطانيا، النرويج)، بجانب الضغوط الداخلية والتنافس فيما بينها حيث تتصارع هذه المجموعات لنيل الحصة الأكبر فى أى تسوية سياسية قد يتم التوصل اليها فى ضوء هذه الوثيقة والتى يبدو انها الوحيدة التى يدعمها المجتمع الدولى. على أن التنافس والصراعات الحادة بين رافضى خارطة الطريق قد بلغ الآن ذروته، بعد أن فشل لقاء باريس (18- 21 أبريل المنصرم) مع المبعوث الامريكى فى توحيد "نداء السودان" وتجاوز مسمى الجبهة الثورية بعد اننقسمت الى فريقين: قطاع الشمال فى مواجهة فصائل دافور، ولكن حتى تحالف نداء السودان هو الآخر يتصدع فبجانب الصراع بين فريقى الجبهة الثورية، هناك صراع الصادق المهدى وأنصار فاروق ابوعيسى وبين المهدى والقوى المعارضة الاخرى لاسيما المؤتمر السودانى. صراع الأوزان إن الصراع بين القوى الرافضة لوثيقة خارطة الطريق يعكس وجها آخر من أزمات المعارضة وهوالصراع حول الأوزان، فقطاع الشمال يتنافس مع فصائل دارفور على المستويين الميدانى /العسكرى والسياسى حول من سيكون ضمن القوى الرئيسية بالبلاد فى حال تحققت التسوية النهائية، وكذلك يتنافسان فى استقطاب الحلفاء والاستقواء بهم فى مواجهة الخصوم والمنافسين داخل الكيان المعارضة وفى موجهة المؤتمر الوطنى وحلفاءه. وأما الصادق المهدى زعيم حزب الأمة القومى فمن جانبه، يرى أن عامل توازن مهم بالنسبة للطرفين المتنازعين قطاع الشمال وفصائل دارفور فمن دونه لن تكون مواقفهما إزاء الوثيقة أو غيرها من التسوية متماسكة، وأما توقيعه على الوثيقة فتعنى النهاية فعليا لتحالف "نداء السودان" الذى يسعى رافضو خارطة الطريق لتسويقه كمظلة لأطياف المعارضة لتبرير مواقفهم الداعية لفكرة الحل الشامل وضد مواقف الحكومة وثوابتها القائمة على فرز ملفات المنطقتين ودارفور كل حسب مرجعياته عن الحوار الوطنى داخل البلاد. طى النسيان إن الصراعات الحالية بين مكونات "نداء السودان" عمليا طوت صفحة "الجبهة الثورية" وبات الجميع ينفر من مجرد استخدام هذا المسمى، ذلك ان الوساطة وكذلك المبعوثين الدوليين ودول الترويكا أدركوا جميعا أن الانقسام داخل كيان "الجبهة الثورية" بين قطاع الشمال والفصائل الدارفورية أكبر من أن يعالج، وأن التمسك بهذا المسمى يعنى إثارة مزيدا من الشقاق والصراع وهو ما سيصعب من إمكانية توحيد المعارضة فى كيان موحد يمكن ان يكون طرفا فى التسوية النهائية التى سيتم التوصل اليها فى نهاية المطاف. ويلاحظ ان مفردات البيان الخاتمى الذى صدر عن الاجتماع قد ذهبت بعيدا عن الهدف الرئيس من الاجتماع وهو التوقيع على خارطة الطريق، وبدلا عن من ذلك ركز البيان على قضايا نداء السودان- وللمفارقة فإن بعض مكوناته ليست طرف فى الخارطة طريق!. مأزق المعارضات لو أخذنا فى الاعتبار ما جاء فى البيان الختامى للقاء المبعوث الامريكى مع رافضى "وثيقة خارطة الطريق"من حديث عن مطالبات باعتماد ملحق للتوقيع على الوثيقة، مع ذلك نجد أن الاجتماع-والبيان الختامى الصادر عنه- انطوى على مؤشرات على عدم جديدة هذه الاطراف: أولا، إبتداءا هناك نوع من الاستهتار، فالدعوة وجهت الى الاطراف غير الموقعة على الوثيقة فقط والتى تعتبر جزءا من المشاورات التى أدت للوثيقة، وليس من المنطقى إستغلال هذا المنبر فى محاولة تسويق كيانات غير معترف بها ك"نداء السودان" و"منبر المجتمع المدنى" و"إسناد الحوار" والمؤتمر السودانى" وغيرها. ثانيا، أيضاً عبّر البيان الختامى للاجتماع عن هواجس وصراعات هذه المجموعة أكثر من التعبير عن جدية هذه الاطراف فى التوقيع على الوثيقة والمضى قدما فى المناقشات لوضع حد للصراع السياسى والتمرد المسلح فى البلاد. ثالثا، فوّت رافضو خارطة الطريق فرصة ثمينة لتقديم رؤى جديدة يمكن أن تتضمن جديدا يحفز الوساطة الافريقية أو المبعوث الامريكى نفسه لمناقشات أكثر جدية غير تلك الشروط المسبقة التى ظلت تردد على الأسماع بشكل يومى. أخيرا من غير المتوقع ان تقبل الوساطة أو الحكومة إعادة فتح النظر فى الوثيقة مجددا، وهناك الآلية التنسيقية العليا للحوار الوطني (7+7)التى تعتبر طرفا فى مشاروات الوساطة يجب أن تؤخذ وجهات نظرها هى الأخرى، ومن هنا ما طرحه رافضو خارطة الطريق ماهو إلا تعقيدات جديدة لن تجد آذانا صاغية من قِبل الوساطة على الأرحج. سيناريوهات واحتمالات من غير المحتمل أن تلقى فكرة اضافة ملحق على خارطة الطريق القبول من طرف الوساطة الافريقية وذلك للاعتبارات التالية: أنها الوثيقة تعتبر إطار للنقاش يمكن التوقيع عليها اولا ومن ثم مناقشة الافكار التى تنادى بها هذه الاطراف داخل أطرها التى ستشكل؛ و أيضا أن القضايا التى يلمح بتضمينها فى هذا الملحق هى قضايا كانت خلافية وستظل كذلك، ولن تجد القبول من جانب الحكومة ومن هنا سيتجنب الوسيط الافريقى العودة للمربع الاول؛ وأخيرا يبدو ان الصراعات والتنافس بين رافضى خارطة الطريق أوسع من الرتق وبالتالى الخيار هو تشجيع من يريد الانضمام الى الوثيقة بصيغتها الحالية مع الاخذ فى الاعتبار أى تحفظات لديهم، على أن يواجه الرافضون للتوقيع مصيرهم المحتوم!.