في يوم (28) من شهر مايو للعام 2013 ورد بعدد من الصحف نبأ استشهاد أحد أفراد قوات الشعب المسلحة ومراسل الصحيفة بولاية نهر النيل سابقاً عبد اللطيف حسن، وحضر لمقر الصحيفة في ذلك اليوم نائب رئيس الجمهورية الحاج آدم وكان يكبر ويهلل لاستشهاد عبد اللطيف، وتمت إقامة العزاء بمسقط رأسه بولاية نهر النيل شندي، وبعد فترة من الزمن علمت أسرة الفقيد أن ابنهم عبد اللطيف على قيد الحياة وكانت فرحة لا توصف رغم أنه في الأسر ولا يعرفون له اتجاه ولا مكان المهم عندهم أنه حي يرزق وقد تمكنوا من الحديث إليه وانقطع عنهم خبره وأصبحوا متمسكين بالأمل وكانت دعوات والدته وأولاده الصغار الذين فقدوا والدهم في بادئ الأمر بخبر استشهاده ولحقت به أمهم التي توفيت بعد خبر زوجها بفترة قصيرة وأصبحوا أيتاماً من الأب والأم، ولكن علموا أن أباهم ما زال على قيد الحياة، وبعد مرور ثلاثة أعوام تمكن عبد اللطيف من الهرب من معسكرات حركة العدل والمساواة بدولة جنوب السودان، وكانت رحلة بها كثير من الأحداث، وأجرينا معه الحوار التالي لمعرفة القصة كاملة فلنذهب لمضابط الحوار.. { حدثنا عن تاريخ أسرك من قبل العدل والمساواة ؟ – كان ذلك في يوم (25_5_2013) من منطقة بابنوسة محطة البوطة حيث تحركنا ضمن الكتيبة الإستراتيجية المتجهة لمنطقة بابنوسة لإيقاف التمرد من قبل حركة العدل والمساواة. { ما الذي حدث عقب وصولكم؟ – اشتبكنا مع أفراد حركة العدل والمساواة وتعرضت لثلاث إصابات واحدة بقرنوف واثنتان بطلقة كلاشنكوف، وبعد نهاية المعركة كان هنالك شخصان يقومان بمراجعة الجرحى من أجل قتلهم وسمعت أحدهم يقول للآخر اقتل هذا ما زال على قيد الحياة وقام بوضع فوهة البندقية على رأسي، وفي تلك اللحظة العصيبة التي لا أنساها أبداً في حياتي ظهرت أمامي صورة والدتي وأولادي وقمت بنطق الشهادة، وفجاءة قال له زميله اتركه. { صف لنا كيفية التعامل معك؟ – قابلت دكتور معهم اسمه الواثق الحمدابي قام بالتحدث معي والتعرف علي وباشر في عمل الإسعافات الأولية لي وبعدها قام بتحويلي لمستشفى كاودا وهنالك أجريت لي عملية من أطباء أجانب، وكان دكتور الواثق يهتم بي. { إلى أي جهة ينتمى الأطباء الأجانب؟ – لا أدري ولكن على ما اعتقد أنهم يتبعون لمنظمات أجنبية لدعم الكنائس. { كم مكثتم بكاودا بعد العلاج؟ – بعد أن تلقيت العلاج لمدة أربعة شهور ذهبنا للدار بجبال النوبة مقر الحركة حتى العام (2014) وبعد ذلك توجهنا لدولة الجنوب للمشاركة في الحرب بالجنوب مع سلفاكير على قبيلة النوير. { التعامل معكم كأسرى كان به تعذيب؟ – نعم قاموا بتعذيب الأسرى في بداية الأمر ولكن أنا شخصياً لم أتعرض لتعذيب والحمد لله وذلك لأني كنت مصاباً وتم استجوابنا في بادئ الأمر وبعد فترة بسيطة أصبح تعاملهم معنا عادي كانوا يقومون بوضع السلاسل على الأسرى في الفترة الليلية وفي الصباح يتم إطلاق سراحنا ويكون هنالك عدد من الحراس مهمتهم مراقبتنا لأننا كنا نعمل في عدة أنشطة منها الزراعة وحفر الخنادق وبعض الأعمال الأخرى كالبناء وغيرها . وأحد الأسرى توفى أثناء وجودنا في الأسر. { تم قتله في المعسكر؟ – لا , لم يتم قتله توفي في حادث مروري وذلك أثناء الذهاب به لتلقي العلاج بالمستشفى وفي الطريق انقلبت السيارة ومات مع الآخرين. { هل كنتم تقومون بمحاولات للهرب؟ – لم نقم بمحاولة لأن الوضع كان صعباً جداً وهنالك مراقبة شديدة علينا رغم ذلك تمكن بعض الأسرى من أفراد قوات دبجو من الهرب ولم نقابلهم كنا نعرف أنهم موجودون بسجون الحركة. { كيف وصل إليك خبر وفاتك؟ – تبسم وقال لقد أخبرني أحد أفراد حركة العدل والمساواة أن الصحف تناولت خبر استشهادي فطلبت منه أن يرتب لي اتصال بأسرتي لأن زوجتي حامل وأخاف عليها من الصدمة لم يوافقني بادي الأمر ولكن بعد إلحاح وافق بشرط أن لا أتحدث عبر الهاتف ولكن سيخبرهم هو عن الأمر وطلب مني أقرب شخص فاعطيته رقم ابن عمي وبالفعل اتصل عليه وأخبره أن عبد اللطيف حي فدهش ابن عمي وقال له الدوام لله وإذا انت صاحب عبد اللطيف عليك بالصبر فأجابه أنه من حركة العدل والمساواة فلم يصدقه في بادي الأمر ولكني أخبرته أن يقول له بعض الأسرار التي أعرفها أنا وابن عمي فقط وقد كان وبعدها صدق ابن عمي الأمر وأخبر أسرتي بذلك وبعدها انقطعت الأخبار وقام هو بتحطيم الشريحة خوفاً من تتبع الطيران. { هل أتيحت لك فرصة اتصال مرة أخرى ؟ – نعم كانت عقب وفاة زوجتي لأن أسرتي عملوا على الاتصال بكل الجهات لمعرفة مكاني بعد أن تأكدوا أنني على قيد الحياة وتوصلوا لشخص من داخل المعسكر وقاموا بالاتصال به وأخبروه بوفاة زوجتي وأتيحت لي فرصة للتحدث مع افراد اسرتي جميعهم وكان هذا آخر اتصال لي. { كيف هربت؟ – تم الهجوم على معسكر الحركة بديم زبير ببحر الغزال وكان الرصاص يأتي من عدة جهات وفي هذه الأثناء سادت حالة من الهرج والمرج والجميع قاموا بالفرار بما فيهم الحرس المكلف بمراقبتنا وكانت فرصة مواتيه لنهرب وبالفعل تحركنا تجاه الشمال. { بعد خروجكم شعرتم بملاحقة؟ – في البداية لم نلحظ شيئاً لأن صوت إطلاق النار لا يمكن أحد من الانتباه ولكن رأينا الجميع يفرون في عدة اتجاهات وبعد الجري لمسافات طويلة وجدنا أنفسنا داخل الغابة وكان عددنا تسعة أشخاص. { هل واجهتكم صعوبات؟ – بالتأكيد نحن كنا نسير وسط غابة وليس لدينا شيء يحمينا كنا نتوقع هجوم في أي لحظة من عدو مسلح وحتى إن نجونا منهم كانت هنالك مخاطر أخرى منها وجود الحيوانات المفترسة وكنا نسمع زئير الأسود وكنا نطلع على الأشجار بالليل خوفاً من وجود الأفاعي حتى النوم كان متقطع وبمناوبات وأصبنا بمرض الملاريا وكانت لحظات صعبة جداً. { طريقة سيركم كانت بتوجهيات أم كنتم متخبطين ؟ – تركنا أمر القيادة لأقدم ضابط وكنا نتشاور في كل أمر كبير وصغير وفي الطريق قابلنا بعض الرعاة كانوا يصفون لنا الطريق ويقومون بتزويدنا بالطعام واللبن وكنا نأكل من ثمار الأشجار وبعض الطيور وما يجود علينا به الرعاة عندما نقابلهم في الطريق. { أول مدينة وصلتم إليها وبعد كم من الزمن؟ – بعد السير لمدة (18) يوماً قابلنا رعاة في خور تمباك قاموا بتوجيهنا لطريق يؤدي إلى معسكر يتبع لقوات الشعب المسلحة وبعد السير لساعات وصلنا للمعسكر. { وماذا حدث بعدها ؟ – في بادي الأمر تم استجوابنا لأننا لم نكن نحمل إثبات شخصية ولا بطاقات عسكرية ولكن في تلك الأثناء حضر ضابط وتعرف لدفعته كان معنا وبعد ذلك تم الاحتفال بعودتنا وتم إرسال برقية للقيادة بذلك وتم نقلنا بطائرة لمدينة نيالا ومنها للخرطوم. { لحظة وصولكم الخرطوم؟ – حقيقة كان شعور لايوصف امتزجت دموع السعادة والفرح بدموع الحزن كنت سعيداً جداً بعودتنا لأرض الوطن واستنشاق هواء الحرية الذي حرمنا منه عدة السنوات وكان استقبالاً رائعاً ووجدنا اهتماماً كبيراً ونشكر كل من كان في استقبالنا. { تحدثت عن دموع فرح وحزن ما سبب حزنك؟ – فقدت زوجتي وأنا بالأسر وكنت أمني نفسي أن التقيها عقب عودتي كنت دائماً أحلم بعودتي منذ اليوم كنت واثقاً أنني عائد ولكن لم أتوقع أبداً أن أعود ولا أجد زوجتي ولكنها إرادة الله أن أعود أنا الميت وترحل هي و الحمد لله على ما أراد. { عقب عودتك ماهو أجمل خبر تلقيته؟ – أجمل خبر أن والدتي وأولادي بخير وعلى أتم الصحة والعافية وأن ابني الكبير دخل المدرسة وابنتي الصغرى أصبحت تتحدث وقد تركتها رضيعة وصعود النيل شندي وأخبار أخرى كثيرة لا أريد أن أعددها. { لحظات مقابلتك لوالدتك؟ – الغريب في الأمر بعد وصولي لشندي وجدت الجميع في استقبالي في مدخل المدينة ولكن لم أشاهد أمي واستغربت جداً أن لا تكون أمي ضمن الحاضرين وبعد السؤال عنها أخبروني أن والدها ( جدي) قد توفي قبل لحظات فاختلطت دموع الفرح بدموع الحزن مرة أخرى وهكذا هي الحياة أناس يرحلون وآخرون يحضرون. { كلمة أخيرة؟ – أتوجه بالشكر لكل من توجه للأهل بالسؤال عن أخباري والدعاء بعودتي وأشكر كل من قاموا باستقبالنا وأتمنى من الله العلي القدير أن يفك أسر كل الأسرى وأسال الله أن يعم السلام كل البلاد وأن تنعم في سخاء ورخاء وأتوجه بالدعاء لله أن من أراد بالسودان خيراً أن يجعل الخير على يديه ومن أراد به شراً أن يجعل الدائرة عليه.