نفضت المعارك التي دارت مؤخراً في جنوب السودان بين قوات الرئيس سلفاكير ونائبه رياك مشار الغبار عن تحالف الحركة الشعبية مع قطاع الشمال حركات دارفور، فالتوترات القائمة والمخاوف من تجدد القتال في المدن الجنوبية، قد تضع حكومة جوبا أمام خيار الإستعانة بالحركات السودانية المتمردة مجددا، رغم تعهدات جوبا السابقة للخرطوم بطرد جميع الحركات من أراضيها وإتجاهها إلى تنفيذ اتفاقيات التعاون المشتركة. وليست هي المرة الأولى التي تشارك فيها حركات التمرد الدارفورية في القتال في جنوب السودان، فقد سبق أن إنحازت لحكومة الجنوب في حربها الداخلية ضد المعارضة التي سبقت اتفاق السلام بين سلفاكير ونائبة رياك مشار. وارتكبت الحركات المسلحة حينها الفظائع ضد المدنيين وقامت بعمليات النهب والإغتصاب، وهو ما أشارت إليه تقارير الأممالمتحدة خاصة في مناطق اللير وأدوك البحر وبانتيو. وحصلت الحركات المتمردة وقتها على عدة مكاسب نظير مشاركتها في القتال ضد المعارضة الأمر، الذي يجعلها لا تتواني في تلبية نداء حكومة الجنوب إذا ما طلبت منها القتال إلى جانبها رغم إدراكها لخطورة الأمر. حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل ابراهيم رهنت مستقبلها بدعم حكومة جنوب السودان بعد أن تم طردها من مناطق سيطرتها في السودان وفقد معظم قواتها وآلياتها في معركة "قوز دنقو" العام الماضي. وكانت الحركة قد شاركت مع قوات سلفاكير في طرد قوات لرياك مشار من منطقة فارينق، كما هاجمت قوات قبيلة النوير داخل فان اكوج معسكر اللألوبة، واستلمت قبل دخولها إلى بانتيو مناطق يونتي وثلاثينا بصحبة قوة مشاة من الجيش الشعبي واستولت على كمية من الأسلحة والذخيرة والعربات. وخلال مشاركتها في حروبات جنوب السودان قامت حركات دارفور بعمليات نهب واسعة لمدينة بانتيو ولمعسكرات الجيش الشعبي بناءاً على اتفاق مسبق مع قيادات القوات الحكومية على الإحتفاظ بالغنائم وقاموا بنهب عشرات الملايين من بنك آيفورى ببانتيو إضافة إلى الأسلحة والذخائر، فضلاً عن تورطها في القتال بضراوة ضد مناوئي سلفاكير. ويبدو أن جوبا لا تعبأ بتعهداتها للخرطوم بالتخلص من الحركات المتمردة وتحتفط بهم كورقة في حروباتها الداخلية، فقد وجه رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي الفريق ملونق أوان حركة العدل والمساواة وحركتي تحرير السودان بالتحرك بكل حرية وبذل أقصى جهد لمساعدة الجيش الشعبي في بحر الغزال لتدمير متمردي "الفراتيت" وملاحقة أعوان رياك مشار، بعد أن وعدهم بتقديم دعم غير محدود في سبيل تحقيق ذلك. كما قام الجيش الشعبي (جبال النوبة) بتحريك كتيبين لمناصرة حكومة الجنوب إحداهما تحركت من (كاوتجارو) ووصلت إلى (تونجة) والأخرى تحركت من طبانيا ووصلت (فارينق). وفي ظل الأوضاع المضطربة في جنوب السودان قام الجيش الشعبي الحكومي باستدعاء كل الجنود من أبناء جبال النوبة التابعين للجيش الشعبي للتبليغ الفوري عن أنفسهم في الوحدات المختلفة ليتم توزيعهم على عدد من المناطق العسكرية منها: سكة نمولى، وبور، وبعض الشركات وإضافة بعضهم لقوات تايقر حول الجبل. إذن تعود حكومة جنوب السودان لذات الممارسات السابقة بعد أن أعدت حركات دارفور وقطاع الشمال لأي احتمالات للمواجهة مع قوات رياك مشار وحماية النظام في جوبا. وخطوة كهذه لها خطورتها في التضحية بعلاقة جوبا مع الخرطوم باعتبارها نكوصا عن اتفاقاتها السابقة ومصالحها الحيوية معها، رغم أن الخرطوم ظلت بمنأى عن الصراع الجنوبي، بل أنها سعت مع دول الإقليم لإتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة الإستقرار إلى جنوب السودان. كما أن استمرار احتضان المتمردين من شأنه التأثير على العلاقات بين المجموعات السكانية المتداخلة على الشريط الحدودي بين الدولتين والتي اتسمت طيلة العقود الماضية بالإحترام والتعاون المتبادل. اتخذت المعارك التي دارت في جنوب السودان من العاصمة جوبا بكل رمزيتها مسرحاً لها، بالتزامن مع ذكرى الإنفصال عن السودان وهو ما يبدد الآمال في تكوين دولة مستقرة تودع عهد الحروب والمناوشات القبلية. ولا تتمثل خطورة التطورات الأخيرة في احتمال انهيار اتفاق السلام في غضون أقل من عام من توقيعه بين سلفاكير ومشار نتيجة جهود دولية وأفريقية، بل في فقدان ثقة المجتمع الدولي بقادة جنوب السودان. كما أن الدول الغربية بدأت في إجلاء رعاياها من جنوب السودان لأول مرة منذ انفصاله في خطوة توضح خطورة ما وصل إليه الأمر. وازاء وضع كهذا لا يبدو أن إقحام الحركات المتمردة السودانية في الصراع الجنوبي قرار صائب، فإتفاق السلام بين الحكومة والمعارضة الجنوبية نص صراحة طرد المعارضة السودانية من جنوب السودان، وفي حال عدم الإلتزام بهذا البند في الإتفاقية فإن مسؤولية تصفية وجود هؤلاء المتمردين ستقع على عاتق منظمة الإيقاد والمجتمع الدولي بإعتبارها أحد عوامل تعقيد الأزمة في جنوب السودان.