أكثر ما يشجع خيارات استخدام القوة وحمل السلاح لأسباب سياسية أو جهوية في دول العالم الثالث هو اختلال معيار المجتمع الدولي في تعريف وتوصيف الإرهاب وتعريف معنى انتهاكات حقوق الإنسان حيث يعتمد المجتمع الحقوقي الدولي من منظمات وأجهزة حقوقية معايير تدين فقط الحكومات وسلطات الأنظمة الحاكمة في مخالفاتها الحقوقية بينما تبريء عملياً من يحملون السلاح من تهمة الإرهاب واتهاماتهم بانتهاك حقوق الإنسان . هذا الاختلال يبدو متعمداً من كبار الدول التي تهيمن على القرار الدولي والمنظمات الدولية في الوقت الذي لا تحتمل فيه أنظمة هذه الدول الكبرى نفسها أي نوع من التهديد المسلح لأمنها الداخلي والخارجي أو حتى مصالحها البعيدة جداً عن محيطها الجغرافي فتعلن حرباً تحشد لها الدول العالم لمواجهة هذه الجماعات التي تهدد أمنها ونشاركها نحن في هذه الحرب باعتبارها حرباً على الإرهاب .. وفعلاً هي حرب على الإرهاب بلاشك لكن يجب أن نصحح مواقفهم من حالات التمرد المسلحة داخل دولنا بأن يستخدموا الوصف الحقوقي الصحيح لأي جماعة أو مليشيا مسلحة أياً كانت قضيتها السياسية التي جعلتها تحمل السلاح بأنها تمارس نوعاً من الإرهاب ويجب تصنيفها بالمعايير الحقوقية على أنها تمارس انتهاكاً صريحاً لحقوق الإنسان.. هذا حق نهمله كشعوب ومنظمات حقوقية وطنية وتهمله الأنظمة أيضاً بعدم التمسك بتغيير تسمية التمرد المسلح ضد الدولة بأنه نشاط إرهابي مع الالتزام بالبحث عن إنهاء هذا الإرهاب إما بالحسم العسكري أو النزول إلى خيارات التفاوض حقناً للدماء لكن التفاوض في هذه الحالة سيكون بمثابة فرصة يجب أن يحرص حامل السلاح على اغتنامها دون تعنت بنفس القدر الذي تحرص فيه الأنظمة على نجاحها من أجل حقن الدماء، بل المفترض أن يكون حرص حامل السلاح على اغتنامها أكبر لتصحيح وضعه القانوني والحقوقي.. وهذه ليست مفاهيم استبدادية بل هي مفاهيم عادلة وموضوعية لو أردنا أن نتحدث بدقة عن الإرهاب وزعزعة أمن الناس . لكن للأسف نجد أن هذا الفصل والتمييز بين العمل السياسي والتمرد العسكري يهمله الكثير جداً من السياسيين والإعلاميين أيضاً، مما يساعد في استمرار واقع مختل يغض سادة العالم الجديد الطرف عنه بشكل متعمد حين يحدث في بلداننا بينما تراهم يواجهونه بحسم كامل حين تظهر أعراضه ومظاهره في بلدانهم . غير مقبول إطلاقاً أن يسلك أي معارض سياسي طريق العنف أو يتجرأ بحمل سلاح داخل الدولة في بلدان العالم المتقدمة بينما يأتي المبعوثون الدولييون ومبعوثو الرؤساء الغربيين والمبعوث الأمريكي يحملون مناديل معطرة يمسحون بها العرق من وجوه حملة السلاح في عالمنا المتخلف المحترق هذا ونحن لا نجادلهم حتى ولا نطلب منهم تصحيح مواقفهم على نفس المعيار الذي يدينون به الحكومات ويفرضون به عقوبات على الأنظمة التي تخالف مبادئ حقوق الإنسان . دونالد بوث يتجول هذه الأيام بين مكاتب مؤسسات الدولة في السودان ويتحدث عن أمله ورجائه في أن يوقع حملة السلاح على اتفاق وقف العدائيات في الجولة القادمة.. مجرد كلام استهلاكي لا يسنده موقف عملي بينما تتمسك دولته بعقوبات ومقاطعة عنيدة وطويلة للسودان بحجج حقوقية ولا أحد يحدثه عن ذلك وكأننا متصالحون تماماً مع تصنيفهم لشعوبنا بأنها لا تستحق ما يستحقون. شوكة كرامة