المنظمات الوطنية مستعدة لإنقاذ الوضع الإنساني ولكن.. اعتراف حكومة الجنوب جاء متأخراً و تساؤلات عن مصير عائدات البترول انتشار أعمال العنف القبلي حرم المواطن الجنوبي من الاتجاه إلى الإنتاج خاصة الجنوب الذي تحمل آهات الحرب لأنها دارت في أرضه، وأعطت الاتفاقية الجنوب وضعاً مميزاً مكنه من إدارة ذاته بصورة كاملة دون تدخل من الشمال، ومنحته نصيباً كبيراً من العائدات المالية للنفط والتي من المفترض أن تجعله يقوم ببناء أسس ومرتكزات لتحقيق تنمية حقيقية في الإقليم المثخن بجراحات الحرب الأليمة، ولكن سرعان ما أنهارت قصور أحلام السعادة التي بناها المواطنون الجنوبيون وهم مازالوا يحتفلون على أنغام آلاتهم الشعبية ورقصاتهم التقليدية بانتهاء الحرب ولكن فجأة يكتشفون أن الحركة الشعبية ممثلة في حكومة الجنوب باعت لهم الأحلام الوردية والأوهام وهي تبعثر أموال الجنوب دون تقديم تنمية حقيقية، مما أدى إلى تبخر أحلام العودة الطوعية للحزب وبروز المجاعة والصراعات القبلية. وظلت قضية الغذاء هاجساً للمواطنين تحاول حكومة الجنوب إخفاءه إلا أنه استعصى عليها بعد أن وصل السوء مرحلة لا يمكن أن يتم إخفائها مما دفع د. رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب للاعتراف بالمجاعة عندما قال إنها أصبحت تهدد حياة سكان الإقليم داعياً إلى توفير (50) مليون دولار لسد الفجوة الغذائية للثلاثة أشهر القادمة. الأممالمتحدة من جانبها حذرت من خطر مجاعة وشيكة تواجه مئات الآلاف من مواطني جنوب السودان، يقدر عددهم بأكثر من (40%) من سكان الجنوب، وأنهم يحتاجون لمساعدات غذائية عاجلة للبقاء على قيد الحياة. وقالت (ليزغراندي) منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الجنوب إن المواطنين يعانون من نقص حاد في الأغذية والرعاية الصحية والمأوى بعد فشل مواسم الحصاد، وإن نصف كميات الغذاء سيجري إسقاطها من الجو. وكانت تقارير أكدت أن عدد الأطفال النازحين دون الخامسة بالإقليم بلغ أكثر من (700) ألف طفل وأن (22%) منهم مصابون بسوء التغذية بحسب التعريف العالمي لمنظمة الصحة العالمية، مؤكدة أن نسبة (6%) من بقية المواطنين، هم الذين يتناولون الغذاء بصورة كاملة مما جعل الأممالمتحدة تطلق نداءً عاجلاً لنجدة إقليمالجنوب. ويعزي المحللون والمراقبون المجاعة في الجنوب لأسباب كثيرة اجتمعت مع بعضها البعض لترسم الواقع السيئ الموجود هناك، ويرى الدكتور صفوت فانوس أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم إن المجاعة تعود لبعض الأسباب المحتملة في انخفاض أسعار النفط الذي يعتمد عليه جنوب السودان كثيراً لتوفير الحاجات الأساسية، وهطول الأمطار الغزيرة الذي أغلق الطرق، والأوضاع الأمنية في ضوء تقارير عن مقتل مئات في صدامات قبلية في الفترة السابقة، فيما اعتبر محلل سياسي آخر أن ترتيبات حكومة الجنوب لعودة النازحين واللاجئين لم تكن بالشكل المطلوب، ولم تصاحبها خدمات أساسية إضافة إلى انعدام القدرة الانتاجية لغالب هؤلاء اللاجئين والنازحين، وأشار إلى انعدام الأمن الاجتماعي وتزايد النزاعات القبلية، وأن حكومة الجنوب لم تستطع إدارة دولاب العمل في القرى النائية، وهو ما أدى إلى انتشار أعمال العنف القبلي الذي حرم المواطن الجنوبي من الاتجاه إلى الانتاج. ويري مراقبون آخرون إن الصراعات القبلية الحالية قد دللت على ضعف حكومة الجنوب، بل أعطت انطباعاً يائساً من وجود الدولة، مما دفع بالمواطنين إلى محاولة الهجرة العكسية نزوحاً ولجوءاً، وأن الفساد المالي والإداري ربما يكون من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تدهور الأوضاع متسائلاً عن مصير عائدات البترول التي تذهب إلى حكومة الجنوب. وقالوا إن المجاعة الحالية تعطي إشارة واضحة لعجز حكومة الجنوب عن الإيفاء بالتزاماتها للعائدين من النازحين واللاجئين، مشيرين إلى أنها تحصل من الاموال التي تؤهلها لإحداث التنمية في الإقليم، وأن المجاعة الحالية هي نتاج طبيعي للفساد والمحسوبية التي استشرت في المؤسسات الجنوبية ونتجت عنها الصراعات التي أدت بدورها إلى تشريد المواطنين وإحداث المجاعة بينهم. ووصف الدكتور سراج الدين عبد الغفار رئيس المجلس السوداني للجمعيات الطوعية (أسكوفا) الوضع الإنساني بالجنوب بأنه مأساوي وأنه نتاج طبيعي للصراعات القبلية، موضحاً أنه إذا لم يتم تدارك الوضع فإنه سيتفاقم وينتشر في الجنوب، لذا قام المجلس باستنفار المنظمات الدولية والمحلية لإنقاذ الوضع الإنساني. وأمام انهيار الأوضاع الأمنية بالجنوب تحرّك المجتمع الدولي لتدارك الموقف الإنساني في مطلع أغسطس الماضي بإطلاق جسر جوي لنقل الغذاء إلى منطقة (أكوبو) بجنوب السودان التي شهدت مصرع (185) شخص في الاشتباكات القبلية مؤخراً ، ويواجه المواطنين سوء التغذية والنقص في الغذاء وقالت رئيسة مكتب برنامج الغذاء العالمي في جنوب السودان، التي زارت مناطق الاشتباكات، إن النساء والأطفال يشكلون الأغلبية من الضحايا، وأن حوالي (350) طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويعيش حوالي (25) ألف شخص في المنطقة حالياً على المساعدات الغذائية فقط التي يقدمها البرنامج لهم، والذي أطلق جسراً جوياً لنقل الغذاء إلى تلك المناطق بالتعاون مع بعثة الأممالمتحدة في السودان (اليونميس) منذ يونيو الماضي، عندما تمت مهاجمة مركب يحمل المساعدات الغذائية للبرنامج، كما أن هطول الأمطار جعل الطريق البري غير سالك. ولإنقاذ المواطنين من خطر المجاعة يسعى المجلس السوداني للجمعيات الوطنية (أسكوفا) لتقديم مساعدات إنسانية في الجنوب، إلا أنه يشكو من تعامل حكومة الجنوب مع المنظمات الوطنية العاملة لدرء آثار المجاعة والعمل الإنساني بالجنوب، مؤكداً أن انعدام الأمن وراء تعطيل العمل الإنساني، بالإضافة إلى مصادرة بعض دور المنظمات واعتقال بعض العاملين في الحقل الإنساني. وقال الأستاذ إبراهيم محمد إبراهيم المدير التنفيذي لأسكوفا إن المجلس ناشد الفريق سلفاكير رئيس حكومة الجنوب في عدة مرات بتذليل العقبات امام المنظمات الوطنية وتوفير الأمن لها حتى يتثنى لها العمل بأمان، مؤكداً أن المنظمات الوطنية قادرة على تغطية العمل الإنساني من خلال خبرتها وكوادرها المؤهلة لدعم المتأثرين بالمجاعة، موضحاً أن شبكة المنظمات تحركت في عدة مناطق بالجنوب، وقامت بتوفير الأغذية والمعينات لإيصالها للمحتاجين، مبيناً أن الوجود المكثف للمنظمات الوطنية بالجنوب تمليه مساعدة أهلنا في مناطق المجاعة، لكنه استدرك بالقول إن العمل الإنساني يحتاج إلى بيئة آمنة ومستقرة، مطالباً الحكومة الاتحادية بالتدخل لتذليل معوقات العمل الإنساني من خلال مخاطبة حكومة الجنوب وحثها على تأمين العمل الإنساني بشكل عام، مشدداً على أهمية إرجاع مقار المنظمات المصادرة وجعل العمل الإنساني يسير بصورة سلسلة لإيصال المساعدات للمحتاجين في جنوب البلاد.