بوادر الخلافات بدأت قبل عام وعقار تماطل في تنفيذ توجيهات سلفاكير إجتماع في جوبا غير مسار الحلو بعد أن واجهه أبناء الجبال "بالحقائق المرة" قبل الإنقسام: الحلو طلب الإجتماع بعقار وعرمان لكنهما اعتذرا سلفا تحفظ على الإستقالة ولم يدرك أن الحلو قد "أعاد إنتاج نفسه" عزت كوكو وضع جقود تحت الإقامة الجبرية لمنعه من السفر إلى جوبا تقرير (smc) قبل حوالى عام أدركت جوبا أن حالة الرفض لتوجهات الحركة الشعبية قطاع الشمال قد اتسعت، خاصة وسط قطاعات كبيرة مؤثرة في الحركة والمكاتب المتواجدة بالخارج. وذلك عقب فصل رئيس الحركة مالك عقار للضباط الثمانية بالحركة. وجه سلفاكير على معالجة الاوضاع بإعادة المفصولين وسحب الصلاحيات من عرمان ومنحها لأبناء جبال النوبة والنيل الازرق وتكوين لجنة لقيام مؤتمر استثنائي للحركة. وتعتبر هذه التيارات أن القيادة المكلفة من الرئيس سلفاكير قد خرجت عن مسار قضية جبال النوبة وتسعى لإطالة أمد الحرب برفضها التعاطي الإيجابي مع جهود تحقيق السلام، كما انها لاتهتم بمواطني جبال النوبة وقضاياهم. وتحولت هذه المطالبات إلى ضغوط من أجل عقد المؤتمر العام، وهو ما يفتح الباب أمام إبعاد عقار والحلو وعرمان عن دفة القيادة، وبالتالي ضعف قبضة الحركة الشعبية الأم على قطاع الشمال. كثير من منسوبي قطاع الشمال تعالت أصواتهم وكثرت كتاباتهم رافضين سيطرة الأمين العام ياسر عرمان على الملفات المهمة وطريقة إدارته لملف التفاوض الذي يصر فيه على إدراج قضايا وشخصيات لا شأن لها بقضية المنطقة. ولم يكن نائب رئيس القطاع عبد العزيز الحلو بمنأي عن الإنتقادات الحادة للقيادة، فقد واجه اتهامات خلال وجوده في جوبا في يناير الماضي بأنه قد ترك الحبل على الغارب بسيطرة قائد الأركان جقود مكوار على الملف العسكري وياسر عرمان على الملف السياسي. كما أنه مارس الصمت عندما تم إبعاد القيادات المؤثرة، وفضل الهروب متنقلاً بين العواصم المختلفة غير عابئ بأصوات المطالبين بتصحيح الأوضاع. وذكرت قيادات بمجلس التحرير جبال النوبة أن الضغوط أجبرت الحلو للإجتماع بأعضاء القطاع بكمبالا أوائل شهر فبراير الماضي، مبدياً تأييده لرؤيتهم خاصة فيما يتعلق بخروج عرمان عن المسار الذي وضعته الحركة، وأنه ظل يتابع ذلك لكنه اعتبر أن الوقت غير مناسب لطرح المسألة، واعداً بإقامة مؤتمر الحركة في كادوة نهاية الشهر. طلب الحلو عقد اجتماع عاجل مع الرئيس والأمين العام وتم الإعتذار له لأنشغالهما بالتحضير لجولة المفاوضات مع الحكومة، حينها قرر الحلو تحريك المؤيدين له لعقد إجتماع مجلس التحرير جبال النوبة. جوبا بدورها سعت لأفشال قيام المؤتمر العام في فبراير لما قد يصدر عنه من قرارات قد تبعد القيادة الحالية التي نصبتها في رئاسة القطاع. فيما تحفز مالك عقار وياسر عرمان لمواجهة أي تطورات، مستندين على تأييد الأغلبية من عضوية الحركة لهم. قطعت القيادات الميدانية الطريق أمام ترتيبات القيادة السياسية بعقد إجتماعات مجلس التحرير جبال النوبة في كاودا في 25 من فبراير برئاسة جقود مكوار وعزت كوكو وسليمان جبونة حاكم الإقليم بالإنابة بمشاركة قادة الفرق المختلفة. وكان من المقرر ان يلتحق بها الحلو لاستلام التوصيات واختيار المرشحين للمؤتمر العام لقطاع الشمال والذي يعقد عقب اكتمال اجراءات مؤتمر النيل الأزرق. الإجتماع قوبل بالرفض من عقار وعرمان وغاب عنه الحلو المتنقل بين جوبا وكمبالا، وناقش قضايا الحرب والسلام وتجربة السلام في ظل اتفاقية نيفاشا ومراجعة سياسات الحركة إلى جانب ملف التفاوض وسحب الثقة من عرمان وإعادة النظر في قضية المفصولين. استمرت الإجتماعات لأربعة أيام وسط جو من الخلافات وعدم الإتفاق، لكنها رفعت بعد وفاة القيادي فيليب نيرون بنيروبي.. بعدها تم إستئناف الإجتماعات والتي توصلت بالإجماع إلى إبعاد عرمان من ملف التفاوض والقبول بالمبادرة الأمريكية للمساعدات الإنسانية. وكانت المفاجأة في عدم حضور الحلو إلى كاودا لاستلام التوصيات مما فتح الباب أمام الأسئلة والتكهنات. في 16 مارس ذهب الحلو إلى جوبا وقام بتقديم إستقالته إلى رئيس الحركة الشعبية الأم سلفاكير ميارديت وبعث بصورة منها إلى القيادة العسكرية في الجبال، وهو ما أحدث إرتباك داخل إجتماع مجلس التحرير الذي استقر رأيه على رفض الإستقالة. أما سلفاكير فقد تحفظ على الإستقالة، وشرح رؤيته في معالجة الأوضاع ومطالبته لعقار وعرمان بإرجاع الضباط الثمانية المفصولين (مجموعة الإصلاحيين) والدعوة للمؤتمر الاستثنائي. ووجه بإستدعاء قائد الأركان جقود مكوار للتوصل إلى صيغة تفاهم مع الحلو تمنع حدوث أي انشقاقات ميدانية. لكن جقود كان رهن الإقامة الجبرية بكاودا بعد توجيه القيادي عزت كوكو بإغلاق المعابر وعدم السماح بخروج قائد الأركان إلا بتوجيهات منه شخصياً. وطلب سلفاكير من الحلو العودة لكاودا والعمل على تهدئة الأوضاع. إستطاع الحلو إعادة إنتاج نفسه من خلال الإستقالة التي تجاوز بها المجلس القيادي ليضع الكرة في ملعب مجلس التحرير، والذي بدوره رفض الإستقالة وأصدر قراراته بسحب ملفات التفاوض والعلاقات الخارجية والتحالفات السياسية من عرمان وعقد المؤتمر القومي الإستثنائي خلال شهرين. مارست جوبا ضغوطاً كبيرة على الحلو للقاء عقار وعرمان لتسوية الخلافات، لكن مساعيها لم تكلل بالنجاح، فقد ذهب الحلو إلى جوبا لعقد اجتماع مع القيادات العسكرية بالحركة الشعبية من أبناء جبال النوبة بحضور جقود مكوار قائد الأركان، وحمل الأخير اعتراضات على توجهات الحلو وسعيه لإبعاد عقار وعرمان. وتقدم بعض القادة بمقترح لمكوار بعدم الرجوع إلى جبال النوبة رفعاً للحرج عنه والمغادرة إلى أي دولة، وهو ما رفضه بشدة. وبحسب قيادات في مجلس التحرير فإن جوبا تعتبر أن مقررات إجتماع كاودا ليست في صالحها، بل إنها ستقلب الأمور رأساً على عقب، خاصة فيما يتعلق بتغيير الوفد المفاوض للحكومة السودانية، فهي ترى أن التوصل لإتفاق سلام سيحرمها من وسيلة الضغط الرئيسية على الحكومة في الخرطوم، كما أنها تدرك أن أبناء جبال النوبة يقومون بدور كبير مع الجيش الشعبي في الحرب ضد المعارضة الجنوبية.