إعداد (smc) تمتد العلاقات السودانية الإيرانية إلى سنوات بعيدة، ترجع إلى مطلع الخمسينيات، حيث كان غالبية السودانيين بحكم وعيهم السياسي متابعين لمجريات الأحداث في إيران ومبهورين بقرارات رئيس الوزراء الإيراني الأسبق محمد مصدق الشجاعة والجرئية بتأميم البترول الإيراني، وقد حظي هذا القرار بتجاوب واسع على نطاق السودان، حيث عمدت الصحافة السودانية إلى تغطية هذه التطورات يوماً بعد يوم كما كانت الصحافة السودانية في منتصف السبعينيات أول من نبه إلى إن ثورة الطلاب وانخراط الجماهير الإيرانية فيها في أعقاب أحاديث الكاسيت من الإمام الراحل الخميني ومن مقر إقامته في فرنسا، هو بمثابة تمهيد للثورة الإسلامية في إيران، ولم يأت هذا الاهتمام المبكر للسودانيين بإيران لرابطة الدين فحسب بل علاقة نضال وثورة في ذلك الوقت ضد الاستعمار ومن أجل الوطن والاعتماد على الذات. وإن كان السودان وإيران دولتان إسلاميتان هامتان تشتركان في نموذج الحكم المستند للمرجعية الإسلامية، وان اختلفنا اختلافاً كبيراً في خلفية وطبيعة هذا التوجه بحكم تباين الخصوصيات التاريخية والثقافية والمقومات الاستراتيجية. فإن العلاقات السودانية الإيرانية، تأتي في إطار العلاقات والروابط الحميمة التي تربط البلدين، بجانب كونهما دولتين مستهدفتين من الغرب وفرضت عليهما عزلت إجبارية بسبب النزعة الإسلامية في البلدين. بين زيارة خرازي ... والزيارة المرتقبة لخاتمي: تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني د. كمال خرازي إلى الخرطوم ،في إطار بحث وتطوير العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية، وكما تكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة كونها تأتي في إطار التمهيد والإعداد للزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني سيد محمد خاتمي للسودان في أكتوبر المقبل، وتعتبر هذه الزيارة الثالثة لوزير الخارجية الإيراني إلى الخرطوم، حيث سبق أن زار السودان في نوفمبر 1999م كما شارك في يونيو 2002م في الاجتماع الوزاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في الخرطوم. ويواجه السودان وإيران في هذه الأيام حملات منظمة من الغرب بهدف تفكيك الدولتين وتغيير مساريهما، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي جعلت أمريكا أكثر عداء للدول الإسلامية، وجاء ذلك من خلال تبنيها لاستراتيجية وسياسة الشرق الأوسط الكبير لتنفيذ أهدافها في هذه المنطقة الاستراتيجية. تطور العلاقات السودانية الإيرانية في عهد الإنقاذ: تعتبر إيران من الدول الهامة في الشرق الأوسط، وبالنسبة للدول الإسلامية والعربية والتي لا يمكن تجاهلها، بجانب موقعها الاستراتيجي وإمكانياتها الكبيرة في المجال النفطي وغيره. ويعود التشابه بين ثورة الإنقاذ والثورة الإيرانية بتشابه النظام الإسلامي في كل من البلدين، كما أن الحركة الإسلامية في السودان وإيران بدأت من وسط الطلاب ثم امتدت بعد ذلك إلى الجماهير. وقد نجحت الثورة الإسلامية في إيران سقوط نظام الإمبراطور شاه بهلوي في العام 1979م، والتي اندلعت بواسطة الطلاب ثم التحمت معها الجماهير الإيرانية، وعند قيام الدولة الاسلامية في أيران بعد سقوط نظام الشاه، سارع وفد المعارضة السودانية في الخارج آنذاك في الوصول إلي طهران حيث ضم الوفد كل من السيد الصادق المهدي (حزب الأمة) والسيد عثمان خالد (الإخوان المسلمين) لتقديم التهنئة بقيام الثورة الإسلامية في إيران. وفي منتصف الثمانينات أبان فترة الديمقراطية الثانية قام السيد الصادق المهدي بزيارة إيران، والتي كانت له صلات طيبة مع إيران، حيث بذل مساعيه لإيقاف الحرب بين إيران والعراق، إلا أن جهوده لم تكلل بالنجاح آنذاك. وعند مجيء الإنقاذ في 30 يونيو 1989م، والإطاحة بحكومة الصادق المهدي، توترت العلاقات بين السودان وإيران بسبب وقوفها إلى جانب المهدي، مما أدى إلى سحب السفراء من البلدين، لكن سرعان ما عولجت هذه الأزمة بعد ذلك، وأعيد التمثيل الدبلوماسي بين البلدين، حيث تحسنت العلاقات بين الخرطوموإيران. وقد تطورت العلاقات الثنائية في البلدين، والتي تقوم على والتعاون والثقة والفهم المشترك لطبيعة الأوضاع في البلدين على أساس المبادئ والمصالح المشتركة. وقد قدمت إيران كثير من المساعدات للسودان في وقت كان فيه السودان في حصار اقتصادي كامل من أمريكا والدول الأوروبية، إضافة إلى حرب تشن عليه من كافة الجبهات، فدعمت إيران السودان بالبترول والقروض والمنح المجانية، كما قامت بإنشاء العديد من المشاريع التنموية في البلاد. الوساطة الإيرانية بين كمبالا والخرطوم: في إطار مساعي إيران الحميدة لإنهاء التوتر الذي كان قائماً آنذاك بين السودان ويوغندا، و لبناء جسور للثقة بينهما، قامت إيران في العام 1996م بطرح مبادرة للحوار بين الخرطوم وكمبالا، حيث تم توقيع الاتفاقية في سبتمبر 1996م في الخرطوم، كما تمت اجتماعات مشتركة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفق فيها على تكوين لجنة فنية رباعية تضم كل من إيران والسودان ويوغندا وملاوي لتنظر في الشكاوى من أي طرف بشأن أي خرق يقع من الطرف الآخر، كما تم في إطار تفعيل هذه الاتفاقية عقد لقاء رباعي بين وزراء خارجية إيران والسودان ويوغندا وملاوي في 2 نوفمبر 1996م بطهران لاستعراض مسار عملية ووضع الاتفاقية المبرمة في (9/9/1996م) في الخرطوم موضع التنفيذ، حيث اتفق جميع الأطراف على تحقيق المزيد من الخطوات حسبما نص الاتفاق والذي يتمثل في إبعاد اللاجئين من مواطني الطرف الآخر مسافة 100 كيلو متر من الحدود، والعمل على إزالة المواقع العسكرية، وإسكان اللاجئين في معسكرات اللجوء وفقاً لقوانين اللاجئين. وقد أكد لقاء طهران على الالتزام باتفاقية الخرطوم وتنفيذ بنودها وذلك بحضور الرئيس الإيراني رفسنجاني. وقد تلاشت هذه الوساطة الإيرانية في أتون المعارك التي قادتها بعض دول الجوار ضد السودان في مطلع العام 1997م. الزيارة الأولى لخرازي إلى السودان: بينما كانت الخرطوم مشغولة في العام 1999م بشأن قضية الوفاق الوطني وكيفية تفعيل ولم الشمل في السودان، وفي هذه الفترة الملئة بالأحداث قام وفد إيراني كبير برئاسة وزير الخارجية الإيراني د. كمال خرازي بزيارة إلى الخرطوم في نوفمبر 1999م، حيث صدر في 24 نوفمبر 1999م في ختام الزيارة البيان المشترك، والذي أكد فيه وزير خارجية إيران دعم طهران لجهود الحل السلمي عبر الحوار المباشر الذي يجريه السودان لحل مشكلة الجنوب، كما جدد في هذه الزيارة مسعى الحكومة الإيرانية لتفعيل مبادرة الحوار بين الخرطوم وكمبالا والتي طرحتها إيران في العام 1996م. وقد أكد التزام حكومته بتنفيذ طريق السلام كوستي ربك جوبا وذكر أنها هدية متواضعة من الحكومة الإيرانية إلى السودان. وقد زار رئيس جمهورية إيران الإسلامية هاشمي رفسنجاني على رأس وفد كبير الخرطوم حيث حظي باستقبال رسمي وشعبي واسع وقد عززت هذه الزيارة العلاقات الثنائية بين البلدين بتوقيع اتفاقيات تعاون مشتركة في العديد من المجالات. حيث تم بالفعل في 15/8/2001م التوقيع على اتفاقيتين بين شركة الخدمات الهندسية الإيرانية التابعة لمؤسسة جهاد البناء الإيرانية وحكومة السودان لتمويل جزء من طريق السلام ربك الرنك، وطريق الجبلين الرنك بتكلفة 25 مليون دولار بطول 97 كلم وهو هدية من الحكومة الإيرانية إلى السودان. الزيارة الثانية لخرازي إلى السودان: جاءت الزيارة الثانية لوزير الخارجية الإيراني د. كمال خرازي إلى الخرطوم في إطار مشاركته في الاجتماع الوزاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي والذي انعقد في الخرطوم في يونيو 2002م، وإن كانت هذه الزيارة قد جاءت في إطار الاجتماع الوزاري إلا أنه تم عقد مباحثات فيها مع نظيره السوداني في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي إطار العلاقات الوطيدة التي ربطت بين حكومة الإنقاذ والحكومة الإيرانية قام النائب الأول في 2/7/2003م بزيارته إلى طهران حيث أجرى مباحثات مشتركة تركزت على سبيل تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين والتي تمخض عنها عدة اتفاقيات ثنائية بين البلدين في مجال البحث العلمي والتعليم العالي والشؤون الداخلية. وتأتي هذه الزيارة الهامة لوزير الخارجية الإيراني في إطار التمهيد لزيارة الرئيس الإيراني إلى السودان في أكتوبر المقبل، وفي ظل الأوضاع والضغوط الدولية التي يعيشها كل من السودان وإيران ولتفعيل العمل المشترك بين البلدين.