عصام الحسين في إطار التحقيب خلف المراجِع الفِكرية والتخريجات المُستند عليها لتبرير نزع الإحساس القومي وزع الإحساس القُطرِي ، نستعرض خُلاصة إنتاج العقل الغربي المُفكِر داخل الأسيِّجة المُغلقة .. إذ ذهبت واحدة من مُستخلصات هذا العقل للقول بأن (الأُمم تحتاج إلى عدو وأنه بذهابه يجب إيجاد عدو آخر) .. ليس هذا فحسب فقد حدَّد العقل الغربي كذلك معايير العدو المثالية بحيث يجب أن يختلف أيديولوجياً وثقافياً وعنصرياً ، ويتمتع بالقوة العسكرية الكافية لكي يفرِض التهديِّد المطلوب .. ثم تعدَّدت التصوُّرات حول هذا العدو وأتُفق على أن يُصطلح عليه ب (مِحور الشر) المُستولد من الدول المارِقة والجماعات الأصولية الإسلامية .. أو بشكلٍ أوسع المستنبت من الإسلام السياسي . الداعي للعجب ، أن هذه المُستخلصات أنتجتها أدمغة مُستنيرة انتُدِبت للمُحافظة أو لمُحاولة التمسك بالهوية والثقافة الدينية لمجتمعات الغرب خشية أن تتأثر بهجرة شعوب العالم المُسلم ذات الهوية والثقافة والديانة المُغايرة لهوية وثقافة وديانة دول الغرب ، ليس هذا فحسب بل لعدم اندماج المهاجرين وذوبانهم وتفاعلهم أو بالعدم اقترابهم من معايير هذه الدول ، والأخطر من ذلك تأثيرهم على التراث الموجود .. الأمر الذي دفع الأدمغة المُستنيرة إلى إنتاج هذه المُستخلصات التي تُصوِّر الحِراك البشري الطبيعي بالمدفوعة من جهة ما .. وفي حين لم يصطلحوا على هذا الحِراك بالغزو الثقافي والفكري والعقدي راق لهم أن يسموه بالهجوم الخارجي ، لتتوافق هذه التسمية مع مُستخلصاتهم حول العدو الذي تحتاجه الأُمم ، على اعتبار أن الهجوم الخارجي المُتصوَّر قد يتحدى جوهر الثقافة والعقيدة فتتولَّد تبعاً له حركة مُضادة تنهض للمُحافظة على هوية مُجتمعات الغرب . لما كانت المجتمعات المُسلِمة المُستوطِنة في دول الغرب هي الأكثر تمسُكاً بالهوية والثقافة الدينية وهي الأكثر تحدياً لجوهر الثقافة والعقيدة الغربية بحيث لا تقترب من معاييرها بالقدر الكافي انتُخبت بلا شك لتُصبح العدو الذي يُهدِّد الغرب ، ولم يُراد من تصوير المجتمعات المسلمة بالعدو لتعبئة الداخل الغربي ويُصبح ميدان المعركة في الدول الغربية فحسب ، بل تم تصدير المعركة إلى منبع العدو المُتصوُّر ، ففي أوقات مُختلفة قِيل إن إيرانوالعراق وليبيا والمملكة العربية السعودية تتبنى نوايا نووية ، وكان الغرض من هذا القول دعم الفجوة الثقافية بين الإسلام والغرب ومُحاربة الإسلام بكافة السُبل .. كما ساهمت عوامل أُخرى في ترسيخ قناعة أن الإسلام هو العدو كنشاط الجماعات المُتشدِّدة المُستفرخة من حملات التضيِّيق عليها ومنها على سبيل المثال أحداث سبتمبر ، والتي كانت بمثابة الإعلان الرسمي للحرب على الإسلام . الذي ترتب على هذه التصوُّرات هو رفض العيش مع الخوف وطلب الأمن في مُجتمعات الغرب من عدو مُتخيل يُهدِّد حياتها وممتلكاتها ومؤسساتها ، وتجلت تمظهرات طلب الأمن في تغيير ميدان المعركة بتصدير الحرب المُستعرة الآن على ما يُعرف بالإرهاب ، بحيث نتج عنها تفتيت العراق وتمزيق ليبيا وسوريا واليمن .. ومن ثم التوجه لمحُاصرة قلب الأمة المُسلمة وقبلتها ، باستغلالها كآلةً موجهة لمُحاربة الإسلام عبر الإضعاف بالحصار لتضيِّيع القيمة المُضافة للقبلة الواحدة .. فهل هناك ما يستدعي مزيد تفصيل ؟ أم نكتفي بطلب الإفاقة بعد طول إغماءة ؟!