في الساعة السادسة من صباح الثاني من سبتمبر (1898م) شن أنصار الإمام المهدي بقيادة الخليفة عبد الله التعايشي هجوماً شاملاً على قوات كتشنر المحتلة المدعومة بقوات مصرية بجبل كرري في أم درمان، وسقط جراء هذا الهجوم آلاف المقاتلين ما بين شهيد وجريح بعد استخدام المستعمر السلاح الناري بكثافة لمواجهة شجاعة وبسالة الجندي السوداني وإيقاف زحفه في معركة تاريخية خالدة مرت ذكراها دون أن تجد حظها من الاحتفال والاحتفاء الكافي. مرت «ذكرى المعركة» على معظم صحفنا وبعض أجهزتنا الإعلامية مرور الكرام، وربما كان انشغالنا بالواقع الجديد الذي تعيشه البلاد هو السبب في رهق الذاكرة. اللواء ركن «م» أبو قرون عبد الله أبو قرون ظل يحرص لسنوات طويلة على إحياء ذكرى «معركة كرري» بمقالات ضافية مليئة بالمعلومات والتفاصيل نقضي معها وقتاً ممتعاً نسترجع فيه ملاحم أجدادنا وصمودهم في وجه الغزاة والمستعمرين لأجل أجيال جديدة تعيش حرة مستقلة دون وصاية واضطهاد. أذكر في سنوات سابقة عندما تحل «ذكرى كرري» يخصص تلفزيون السودان «القناة الوحيدة في ذلك الوقت» معظم ساعات البث لهذه الذكرى، وكان صوت الراحل محمد وردي يصدح برائعة د. عبد الله عبد الواحد يوسف: كرري تحدث عن رجال كالأسود الضارية خاضوا اللهيب وشتتوا كتل الغزاة الباغية والنهر يطفح بالضحايا بالدماء القانية ما لان فرسان لنا بل فر جمع الطاغية أيضاً تبث في ذكرى تحرير أم درمان «1885م» الأفلام والتمثيليات التي تحكي كيف كان الحصار إلى أن وصل أنصار الإمام المهدي إلى قصر غردون وقتلوه. كما كنا نستمتع بأناشيد الاستقلال وإحياء ذكراه المتجددة مطلع كل عام جديد. «فانتازيا كرري» التي أبدع فيها عبد الباسط سبدرات وعادل إبراهيم محمد خير، كانت قمة في الروعة، وحملت التفاصيل والمشاهد ما حدث قبل وبعد المعركة بصورة جعلتنا نعيش في ذلك العهد وكأننا معهم، ولكن لا أدري هل بثها التلفزيون مجدداً أم لا؟. مثل هذه المناسبات يجب ألا تسقط من أجندة وأولويات المسؤولين وقيادات العمل الإعلامي، لأنها تشكل وجدان الأجيال القادمة وتقوي ارتباطهم بالوطن. ومن حق الذين قاموا بهذه التضحيات أن نخلد ذكراهم تقديراً وعرفاناً لهم، وليكونوا قدوة ومنارات سامقة في حب الوطن وترابه الطاهر المعطاء.