تنبني العلاقات الثنائية بين الدول على أساس المصالح ذات الأبعاد القريبة والبعيدة مثل الأمن والاقتصاد والثقافة والدين والجوار والقومية والتوسع وغيرها، وكلما تتغير أنظمة البلدان السياسية، أو تتغير أنماط عيش شعوبها تؤثر في العلاقات بين البلدين والشعبين. وتعرف الصداقة الحقيقية من غيرها في أوقات المحن والمصائب حيث تُفقد المصالح في وقت أنت في أمسّ الحاجة إلى الدعم من دون مقابل، فالأصدقاء في زمن الرخاء كثرٌ، وفي وقت المحن قليلون. وبناء على خبرتي ومعرفتي بالعلاقات السياسية فإنني أستطيع أن أقول: إن الدولة الوحيدة التي لا تبني صداقاتها وعلاقتها بمصالح سياسية واقتصادية ذات الأبعاد القريبة والبعيدة أو بتغير القيادات السياسية في الصومال هي السودان حكومة وشعبا. ومثالا على ذلك أقول: 1.منذ استقلال البلدين الشقيقين منتصف القرن الماضي وحتى اليوم لم تتغير العلاقات الوثيقة بينهما، ولم تغلق السفارتين، رغم مرور أحلك الأوقات الأمنية في العاصمة مقديشو، فقد اختطف السفير السوداني في مقديشو، وتم تحريره بفدية مالية، وتعرضت حياته للخطر. 2. عندما انهارت الحكومة المركزية في الصومال عام 1991م كان الشعب السوداني وحكومته في طليعة من قام بالنجدة، وأرسلت السودان أول طائرة إغاثة إلى الصومال بعد النكبة، ولكن مع الأسف اختطفت الطائرة وطاقمها، وتم إطلاق سراحهم بفدية مالية، وما زالوا في صدارة المنجدين للصومال حتى مجاعة 2011م. 3. أول مدرسة نظامية في الصومال تم افتتاحه من قبل أساتذة سودانيين في العهد الاستعمار البريطاني لشمال الصومال، واليوم معظم من يدرس في الخارج من الصوماليين يدرسون في السودان، وبين هذا وذلك الزمن ليس هناك مدرسة أو معهد أو جامعة أو أكاديمية أو مركز إعلامي أو تدريبني لا يتواجد فيه من درس في السودان. 4. بعد سقوط الحكومة المركزية في الصومال أغلقت معظم الدول أبواب جامعاتها في وجه الصوماليين، في حين كان السودان الدولة الوحيدة التي فتحت أبوابها بدون شروط، سواء لمن يحمل جواز أو وثيقة سفر أم لا، أو يحمل شهادة موثقة أم لا، أو عنده دعم مالي أم لا، وأصدر الرئيس السوداني عمر البشير أوامره بعدم منع الصوماليين من الالتحاق بالجامعات السودانية لينالوا حقوقهم التعليمية. 5. السودان هي الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جانب الصومال في منصات عديدة خاصة في منظمة إيغاد، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، والتعاون الإسلامي، والساحل والصحراء وغيرها. 6. السودان هي الدولة الوحيدة التي لا يشعر فيها المقيم الصومالي بالغربة، بل يعتبره بلده الثاني، سواء أكانت عنده إقامة شرعية أم لا، ويتم التعامل معه على أساس أنه مواطن سوداني. 7. السودان هي الدولة العربية الوحيدة التي منحت كثيرا من الجالية الصومالية والطلاب الصوماليين جواز سفرها وجنسيتها إذا تم الإقامة فيها لمدة خمس سنوات متتاليات. 8. السودان هي الدولة الوحيدة التي سمحت للصوماليين سواء أكانوا طلابا أو من الجالية فتح شركات خاصة بهم وأيضا مصارف وحوالات، وشراء سيارات خاصة. 9. السودان هي الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب الصومال دوما منذ 2000 وحتى 2016م من نواحي الدعم المالي الذي يحتاج إليه شعبهم، وتدريب الشرطة والجيش، والتعليم والدعم الإنساني. 10. بعد انهيار الحكم المركزي في الصومال 1991م أغلقت السفارات الصومالية في الخارج أبوابها، لكن السودان رفضت إغلاق السفارة الصومالية لديها، وقامت بدعمها وحتى اليوم. 11. كان السودان تحثّ الطلاب الصوماليين المتخرجين من جامعاتها على العودة إلى بلدهم والمساهمة في بنائها ، وهم بذلك يمثلون أكبر عدد من الطلاب المتخرجين من الجامعات الخارجية في الوطن، وهذا لا يوجد إلا في دولة صديقة. بالحقيقة لا أستطيع أن أقوم بإحصاء إحسان السودان إلى الصومال في مقالة واحدة، وفي هذه المناسبة أشكر لفخامة رئيس الصومال محمد عبد الله فرماجو في قيامه بزيارة تاريخية للسودان، وعلى القيادة الصومالية أن تشكر للسودان وجهودها حكومة وشعبا ، ونسأل الله أن توفقنا ذلك، وعلى كل مواطن صومالي أن يدعو الله أن يحمي السودان من كيد الكائدين ومن المؤامرات التي يحيكها الأعداء. د.محمد نور غعل