بدأت الحملات الانتخابية للانتخابات السودانية قبل أيام، وهي المرحلة الثالثة في العملية الانتخابية بعد انتهاء الترشيحات في كافة المستويات وإعلان مفوضية الانتخابات لأسماء المرشحين وقبلها عملية السجل الانتخابي. ويبدو أن العملية الانتخابية ستسير إلى نهايتها ويبدو كذلك أن هناك قدر من القبول من كافة القوى السياسية للسير في هذه العملية إلى نهايتها، فباستثناء حزب البعث الذي أعلن مقاطعته للانتخابات، أعلن أكثر من ستين حزباً ترشيحاته ولو كان بعدد محدود. غير أن منبر السلام والعادل لم يسم مرشحاً واحداً وربما بعد تقدير للموقف رأى أن من يصوتون له سيكونون خصماً على المؤتمر الوطني وأن برامجه لا تختلف كثيراً عن برنامج المؤتمر الوطني إلا في نقطة الدعوة للانفصال وفي هذه تنوب عنه الحركة الشعبية. فيكون برنامج منبر السلام العادل توزع بين الشريكين. وإن كان لنا من ملاحظة في المرحلتين السابقتين من العملية الانتخابية أن أحزاب المعارضة بدون استثناء تُثير شكوكاً واعتراضات كثيرة ولكن ما أن تنتهي مرحلة وتبدأ مرحل أخرى حتى تبدأ في الانخراط في المرحلة الجديدة ولعل السبب في ذلك أن أحزاب المعارضة لا تريد أن تسير العملية الانتخابية بسلاسة نكاية بالمؤتمر الوطني الذي يرغب في أن تسير هذه العملية بصورة سلسلة. والسبب الثاني ربما تقدير هذه الأحزاب فوز المؤتمر الوطني بقدر مريح. وفي تقديري سوف تسير كل مراحل العملية الانتخابية بهذه الصورة. كلما تنتهي مرحلة ويتم الانتقال لمرحلة أخرى يصاحبها كثير من الاتهامات والتشكيك للمؤتمر الوطني وهكذا إلى نهاية المرحلة الانتقالية. والملاحظة الجديرة بالتقدير هي أن المؤتمر الوطني الحزب الوحيد الذي له رؤية واضحة واستعد استعداداً كاملاً من خلال لجنته الانتخابية والتي يبدو أن توزيع الأدوار فيها واضحاً وأن كل جهة في داخل اللجنة مسند له وظيفة معينة ظهر ذلك في مرحلة التسجيل فكانت الجهة المكلفة بالتسجيل حاضرة منذ اليوم الأول وفي كافة الدوائر وفي كافة أرجاء السودان. وعندما جاءت مرحلة الترشيح كانت كافة الأسماء المعتمدة من الحزب جاهزة وكذلك كان الحال عند بداية الحملات الانتخابية. بعد هذا المدخل سوف نحاول قراءة موقف الأحزاب الرئيسية خلال الفترة السابقة وتحليلها وقبل ذلك مواقف القوى الدولية من الانتخابات السودانية. أحسب أن القوى الرئيسية المؤثرة في العالم قد أخذت الانتخابات السودانية مأخذ الجد وأخذت تتعامل معها بصورة جادة ولعل الولاياتالمتحدة أكثر هذه القوى حرصاً على قيام الانتخابات وبصورة قاطعة في أبريل من هذا العام، ولموقف الولاياتالمتحدة دور مهم في توجيه مواقف القوى المختلفة في العالم. فقد أعلن الاتحاد الأوربي دعمه للعملية الانتخابية من خلال إرسال مراقبين وكذلك الدعم المالي من بريطانيا والسويد والنرويج. والاتحاد الإفريقي الذي كلف لجنة برئاسة أمبيكي للمساعدة في حلحلة الإشكالات التي تعوق سير الانتخابات والمساعدة في إجراء الانتخابات بصورة مرضية. وكان من نشاط هذه اللجنة الدعوة لاجتماع قمة لقادة الأحزاب والذي أُجل وذلك لأن بعض قوى المعارضة حاولت الاستقواء بهذه اللجنة واستخدامها للضغط على المؤتمر الوطني وتنفيذ خطتها والتي تتمثل في إثارة الغبار وعدم الرغبة في سير الانتخابات بصورة سلسلة. فقد حاولت إدراج بند تأجيل الانتخابات في أجندة اجتماع القمة الذي رفضه المؤتمر الوطني باعتبار أن ذلك من اختصاص مفوضية الانتخابات. وكذلك كانت الجامعة العربية حاضرة وإن كانت بصورة أقل مما هو مرتجى. والصين كان دعمها واضحاً لقيام الانتخابات في موعدها وكذلك دعمها المادي. هذا بالإضافة إلى إشراف عشرة دول على الانتخابات السودانية من بينها جنوب إفريقيا واليابان. ولعل السبب في هذا الاهتمام الدولي وإن اختلفت الأسباب والأجندة من دولة لأخرى إلا أن القاسم المشترك لكل هذه الدول، أنها تعتبر أن قيام الانتخابات بند مهم في اتفاقية نيفاشا ومعظم هذه الدول شاركت بصورة أو بأخرى في هذه الاتفاقية وهي حريصة على إكمال ما تبقى من بنود نيفاشا وأهم هذه البنود قيام الانتخابات وإجراء استفتاء حق تقرير المصير في العام 2011م. ومن ضمن هذا الاهتمام وصول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر يوم الاثنين الماضي الموفق 15/2/2010م للخرطوم الذي ارتبط اسمه منذ فترة طويلة بعملية السلام في السودان. فوعد بدعم مركزه لعملية الانتخابات من خلال تدريب المراقبين المحليين إضافة إلى تكليف (60) مراقباً للعملية الانتخابية. هكذا يبدو اهتمام العالم بالعملية الانتخابية في السودان، وإن اختلفت الأجندة لهذا الاهتمام لكنه أخذ أمر قيام الانتخابات في السودان بصورة جادة وفي مواعيدها. فهل تبدو أحزابنا كذلك ؟ وهل تأخذ الانتخابات بهذا الجدية التي يأخذها بها العالم ؟ أم أنها مجبرة باللهاث خلف المؤتمر الوطني وهمها أن لا تدعه ينعم بالاستقرار ولو لخطوة واحدة، وهل في جعبتها من سيناريوهات اللحظات الأخيرة بإعلان الانسحاب والمقاطعة لإفساد كل شئ للمؤتمر الوطني مع غياب الهم الوطني من أجندتها ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه بتناول مواقف القوى الرئيسية في الساحة السياسية. نبدأ بالحركة الشعبية. لم تكن الانتخابات للحركة الشعبية منذ إدراج هذا البند المهم في اتفاقية نيفاشا إلا وسيلة لإسقاط المؤتمر الوطني، وهكذا أراد لها الداعم الأساسي في مرحلة الصراع العسكري والراعي الأساسي لهذه الاتفاقية وهو الإدارة الأمريكية السابقة والتي أوكلت لروجر ونتر القيام بتنفيذ هذا الأمر من خلال إقامته بجوبا ومستشاراً للحركة الشعبية. ولعل هذا يفسر لنا الخروج عن مبدأ الشراكة الذي أقرته الاتفاقية فكان التكليف للحركة الشعبية أن تكون شريكاً في الحكم وفي نفس الوقت حاملة للواء المعارضة. الأمر الذي لم يستوعبه الدكتور لام أكول فعندما أراد أن يكون وزيراً لخارجية السودان حسب اتفاق نيفاشا تم ابعاده. ففي الزيارة الشهيرة التي دُعي فيها القائد سلفاكير لزيارة الولاياتالمتحدة باعتباره رئيساً لحكومة الجنوب ورئيساً للحركة الشعبية وكان الدكتور لام أكول أحد أعضاء وفد سلفاكير لم يُمنح تأشيرة الدخول من نيروبي ولم يشفع له أنه من قيادات الحركة الشعبية. وعندما عاد سلفاكير من رحلته تلك أول ما قام به إعفاء الدكتور لام أكول من وزارة الخارجية حسب التعليمات الصادرة من واشنطن. ثم كانت الدعوة لمؤتمر جوبا والذي كانت له مجموعة من الأهداف، غير أن الذي يعنينا في مقالنا هذا هو عرقلة الانتخابات والسعي لعدم قيامها، ولذلك كانت المطالب والاشتراطات التي وضعها مؤتمر جوبا كشرط لقيام الانتخابات والمشاركة فيها. ثم كانت المظاهرات التي كان الإعداد لها مع آخر يوم في السجل الانتخابي، والتي كان التخطيط لها لتكون بداية الانطلاقة لثورة شعبية لإسقاط المؤتمر الوطني قبل قيام الانتخابات، وفي الحد الأدنى عدم قيام الانتخابات وهذا ما لم يتحقق بالطبع. ولعل الحركة الشعبية لم تستوعب ماهو مطلوب منها لعدم وجود الحصافة والفكر السياسي المحدود وقلة التجربة عند القادة الجدد بعد ذهاب القائد د. جون قرنق. إضافة لإدراك المؤتمر الوطني المخطط واستهدافه وأصبح الامتحان أمامه مكشوفاً، فأدار اللعبة بذكاء شديد مع الحركة الشعبية أفسد لها كل مخططاتها وجعلها في موقف حرج أمام الداعمين لها في الخارج إذا لم نقل بدأ اليأس يتسرب إلى الداعمين في الخارج من الحركة الشعبية وهذا ما سوف نتعرض له لاحقاً. لم تنتبه الحركة الشعبية إلى أن قيام الانتخابات من البنود الأساسية لاتفاق نيفاشا وأن عدم قيام الانتخابات سوف يؤدي إلى انهيار هذه الاتفاقية الأمر الذي لن يسمح به الداعمون لها. إضافة إلى ذلك إذا انهارت اتفاقية نيفاشا سيكون المؤتمر الوطني في حِل في أن يفعل ما يشاء. وهكذا جاء التوجيه والتنبيه والضغط من الخارج للحركة الشعبية بضرورة الانخراط في العملية الانتخابية. ولكن حسابات الحركة الشعبية في الداخل تجزم لها بأن نتائج الانتخابات سوف لن تكون في صالحها. فسوف تفقد الوضع المميز الذي أوجدته لها نيفاشا بحكم كل الجنوب وثلث الشمال. وذلك من ناتج تدهور شعبية الحركة الشعبية بعد فشلها في إدارة الجنوب وانفجار الصراع القبلي بين القبائل المختلفة وحتى في داخل القبيلة. ثم كان عدد المرشحين المستقلين الذي خرجوا على الحركة الشعبية مؤشر واضح على تفلت العضوية وخروجها على الحركة الشعبية، إضافة إلى خروج د. لام أكول. كل هذه العوامل أوضحت للحركة الشعبية أنها لا محالة خاسرة للانتخابات. وهذه النتيجة أدركها بصورة أوضح الداعمون للحركة الشعبية وخاصة الولاياتالمتحدة ومع تغير الإدارة في الولاياتالمتحدة. فعند قراءة هذه المعطيات وتبين للخارج أن الحركة الشعبية غير قادرة على تحقيق الهدف الأساسي من قيام الانتخابات وقيامها في مواعيدها وهو إسقاط المؤتمر الوطني عبر صناديق الاقتراع، لذلك كان اليأس من الحركة الشعبية، وبدأ الحديث وبكثافة منذ بداية هذا العام 2010م من كافة القوى الرسمية والمدنية التي كانت داعمة للحركة الشعبية عن الأوضاع المزرية في الجنوب وعن الفساد في الجنوب وعن إهمال التنمية وعن الحروب الدائرة بين القبائل وعن عدد القتلى في العام 2009م الذي أصبح رقماً ثابتاً ومكرراً في كل التقارير والذي يُعادل (2500) مع الحرص على الإشارة الدائمة بأن هذا الرقم يفوق عدد القتلى في دارفور في نفس الفترة. وأصبح الحديث عن النزوح وأن عدد النازحين فاق (300) ألف نازح. وكذلك الحديث عن المجاعة في الجنوب وهكذا ولعل الإشارة من كل ذلك وبهذه الكثافة لا تخفى على المتابع والمحلل. بل بلغ اليأس من الحركة الشعبية مداه بأن ارتفع الصوت الخارجي الداعي والداعم للوحدة. فبعد أن كانت الولاياتالمتحدة تُشير إشارات مبهمة أصبحت تتحدث بصورة واضحة عن ضرورة الوحدة. وتقدم برلمانيان للبرلمان الفرنسي بضرورة الدعوة من خلال البرلمان الفرنسي وأن تتبنى الحكومة الفرنسية من خلال الاتحاد الأوربي ضرورة الدعوة والعمل على وحدة السودان. وفي هذا الاتجاه كانت دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بضرورة العمل على وحدة السودان الأمر الذي أقامت له الحركة الشعبية الدنيا، ولكن الدنيا بعد ذلك "قعدت". كل هذا مؤشر على اليأس من الحركة الشعبية وأنها يمكن أن تسقط المؤتمر الوطني من خلال الانتخابات. إضافة إلى ذلك أن هذا "الخارج" لا يريد انفصال الجنوب لسبب أساسي وبسيط هو أنه من خلال الانتخابات كان يريد تنفيذ برنامج السودان الجديد الذي يكون فيه الرئيس زنجي ومسيحي. ولو كان هذا "الخارج" يريد انفصال الجنوب لما كانت اتفاقية نيفاشا وما كان هذا العناء والجهد وبذل الأموال والمؤامرات. هكذا كان المشهد أمام الحركة عدم قبول في الداخل وعدم قبول في الخارج إضافة للصراع الداخلي بين قادتها، وعلى هذا الركام تعاملت الحركة الشعبية مع الانتخابات. فصارت الانتخابات عند أياً من قيادتها وسيلة لإبعاد الآخر. فاختار سلفاكير الترشيح لرئاسة حكومة الجنوب هروباً من السقوط المحتمل عند منافسة البشير. وابتعد باقان كذلك عن منافسة البشير حيث كان سلفاكير يعمل بكافة السبل لجعله يقبل بذلك، بل هروب باقان من الترشيح لأي منصب، فإن كان حسب القراءة السقوط المضمون على مستوى رئاسة الجمهورية فالسقوط أضمن في أي مستوى آخر. لذلك كانت الضحية التي قذفت بها الحركة الشعبية لمنافسة البشير هو ياسر عرمان. وباختيار ياسر عرمان للمنافسة على رئاسة الجمهورية تكون الحركة الشعبية قد هزمت مشروع السودان الجديد مرة أخرى والذي كان يُفترض بنهاية هذه الانتخابات أن يكون الرئيس السوداني جنوبي زنجي مسيحي. كما أن اختيار عرمان لهذه المنافسة لا يخرج من باب المكايدة بين قادة الحركة الشعبية، فعرمان الذي فشل في إدارة قطاع الشمال والذي جعل معظم عضوية قطاع الشمال تتركه وتستقبل عرمان بالمظاهرات عند زيارته للولايات. فمن الذي سيصوت لعرمان ؟ هل عضوية الحركة في قطاع الشمال أم الجنوبي البسيط الذي نجحت الحركة الشعبية في أن تجعله عدواً لكل جلابي. يبدو أن المؤتمر الوطني أكثر الأحزاب استعداداً لهذه الانتخابات فقد أدار حملة السجل الانتخابي بنجاح وتجاوزها. وقد بدأت بعض التفلتات في عملية الترشيح إذ ترشح أكثر من مرشح في بعض الدوائر "مستقلين" ولكنه استطاع معالجة معظمها. كما قام بإخلاء بعض الدوائر لأحزاب حكومة الوحدة الوطنية. وأن سياسة تشتيت الأصوات التي حاولت الأحزاب القيام بها، فعلى مستوى رئاسة الجمهورية يمكن أن يكون له بعض الأثر. ولكن تثيرها لن يكون كبيراً، خاصة وأن الذي له موقف مبدئي من المؤتمر الوطني فلن يصوت للبشير.وتبقى المنافسة بينه وبين الأحزاب على المستقلين. وفي هذه هناك كثيراً من العوامل سوف تكون في صالح المؤتمر الوطني إذا كان في انجازاته وبرنامجه الانتخابي. وكذلك عامل السلطة مهم فمعظم الأحزاب التي جرت الانتخابات وهي في السلطة فغالباً ما يكون الفوز حليفها، كما أن شريحة المستقلين يؤثر فيها إلى حدٍ كبير موقف الحزب المالي، إذا كان في إدارة الحملة الانتخابية وتوفير وسائل الحركة والدعاية الإعلامية. ويبدو أن المؤتمر الوطني متفوق على كل هذه الأحزاب بدرجة كبيرة يظهر ذلك منذ بداية الحملة الانتخابية بالإعلانات التي غطت العاصمة بين عشية وضحاها إضافة للحشود التي اكتظ بها إستاد الهلال هذا إضافة إلى أن الحزب يملك قناة تلفزيونية خاصة. أما على المستوى ما دون الرئاسة فبلا شك أن تعدد المرشحين من الأحزاب المختلفة سوف يكون في مصلحة المؤتمر الوطني. ونضرب مثلاً بولاية النيل الأبيض والتي ترشح فيها الشنبلي عن المؤتمر الوطني والدكتور إبراهيم يوسف هباني كمستقل وأبن عمه هباني عن حزب الأمة. يمثل هؤلاء الثلاث أكثر حظوظاً للمنافسة في هذه الولاية فبالتأكيد أن عضوية المؤتمر ستصوت لمرشحها وسوف يكون له كسب مقدر في المستقلين. وأبناء هباني سوف يضعف كل منهما حظ الآخر، وذلك سوف يزيد من حظوظ المؤتمر الوطني في الفوز خاصة وأن معظم الأحزاب لها مرشحين على المستوى الولائي وعلى المستوى الجغرافي وفي المجالس المحلية. كما أن المؤتمر الوطني قد نجح في وضع برنامجه الانتخابي، إذ أن قاعدة هذا البرنامج تقوم على انجازات مقدرة في العشر سنوات الأخيرة، وقد نجح المؤتمر الوطني إلي حد كبير في المقارنة بين الانجازات التي تمت منذ الاستقلال إلي استلام المؤتمر الوطني للسلطة مقارنة بين ما أنجزه المؤتمر الوطني، وبالتأكيد كانت مقارنة زكية وموفقة. وعلى هذا الانجاز وضع برنامجه لفترة الرئاسة القادمة وقد كان توفيقاً غير محدود وهو جزء من انجازاته، إذ استلهم ذلك من الخطة الإستراتيجية القومية للخمس وعشرين عاماً القادمة، والتي أنهى مؤتمرها الختامي قبل عدة أيام. يأتي بعد ذلك حزب الأمة القومي الجديد ولعل أكثر ما يعيق هذا الحزب ويكون خصماً عليه في الانتخابات الجارية مجموعة من العوامل أهمها الانقسامات الكثيرة التي طالت هذا الحزب. وعلى الرغم من الوحدة الاندماجية التي تمت بين جناح الصادق وجناح ابن عمه مبارك، إلا أنها وحدة فيما يبدو هشة فمازال كلٌ منهما مرشحاً لرئاسة الجمهورية، إلا أن يتم تدارك ذلك قبل إجراء الانتخابات وينسحب احدهما للآخر. وهو احتمال وارد لكنه ضعيف لما بين الرجلين من مرارات. العامل الثاني الحركات المسلحة في دارفور وحركة النزوح سواءاً كانت في داخل السودان أو خارجه بالإضافة للهجرة للمدن من ولايات دارفور فبالتأكيد فان كل ذلك خصماً على الحزب الذي كانت دارفور تمثل الثقل الرئيسي للحزب. عامل آخر مهم وهو المال، فان الأزمة المالية التي يمر بها الحزب بالإضافة لأهمية المال في الانتخابات فان ذلك بالتأكيد سوف يكون له تأثير سالب على الحزب. أضف إلي ذلك مع الاعتراف بملكات الصادق الفكرية والسياسية، إلا أن المؤتمر الوطني نجح في أن يجعل سلوكه السياسي هو ردود أفعال لما يقوم به المؤتمر الوطني، فلم يفلح الحزب حتى الآن، وبما للسيد الصادق من قدرات، إلا انه إلي الآن لم يطرح برنامجاً انتخابياً. وحتى في تدشين حملته الانتخابية كانت رد على خطاب البشير في استاد الهلال.وما وجهه السيد الصادق من انتقادات لا يتناسب مع وعي السيد الصادق السياسي والفكري وداعية ومبشر للديمقراطية. فما ذكره من استخدام المؤتمر الوطني وتسخير إمكانات وأموال الدولة، لا يعدو أن يكون من ضمن الملاسنات الانتخابية. فلو كان السيد الصادق متأكداً من ذلك فقانون الانتخابات وقانون الأحزاب يكفل له التقدم بشكوى بذلك. والقضاء يمكن أن يوقف كل ذلك. هنالك عامل آخر مهم بالتأكيد سوف يكون خصماً على السيد الصادق وهو عدم التوفيق الذي صاحبه في فترتي الحكم التي حكم فيها حزبه السودان، وبالتأكيد سوف تحاكمه الأحزاب والناخبون بذلك خاصة الذين حضروا الفترة الأخيرة من حكمه والتي انتهت بتولي الإنقاذ للسلطة. أما القوى الأخيرة المؤثرة فهي الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ولعل ما يقلل من حظوظ هذا الحزب الخلافات والانقسامات الكثيرة التي طالت الحزب، وهذه الانقسامات حتى في داخل التيار الواحد. إضافة إلي عنصر المال والذي يشكوا الحزب منه مر الشكوى مما يجعله يدعو الحكومة للالتزام بتمويل الأحزاب. تبقى الإشارة في ترشيح الحزب لحاتم السر مرشحاً للرئاسة، ولعل ترشيح حاتم السر هو بالتأكيد ليس من شخصيات الصف الأول في الحزب، إضافة إلي ما رشح في الأخبار من أن السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب كان قد طرح أن السيد البشير هو مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي لم يجد قبولاً في داخل قيادة الحزب، فكان ترشيح حاتم السر. واختيار حاتم السر المطيع لمولانا والذي تربطه معه صلة القرابة والرحم، يجعل الباب موارياً أمام احتمال تحقيق رغبة الميرغني في أن يكون البشير هو مرشح الحزب لرئاسة الجمهورية. إذا أخذنا هذا مقروناً بان الحزب، هو الحزب الوحيد الذي له وزنه، ولم ينضم إلي تحالفات مؤتمر جوبا. أما بقية الأحزاب فسوف يكون صوتها عالياً وأكبر من حجمها وسوف تعمل بصورة مستمرة في إثارة شكوك حول العملية الانتخابية، لإزعاج المؤتمر الوطني على خلفية (سهر الجداد ولا نومو) ولكن سوف تكون حظوظها ضعيفة في الانتخابات. تبقى مسألة مهمة لابد من الإشارة إليها ونحن نقدم هذه القراءة التي ترجح كفة المؤتمر الوطني فليس من مصلحة السودان ولا مصلحة المؤتمر الوطني اكتساح الانتخابات فلابد من البحث عن حلفاء أو تنسيق خاصة وان المؤشرات لكل حزب بدأت واضحة وربما تكون التنازلات المطلوبة الآن من المؤتمر الوطني اقل من زى قبل.