3/8/2007 نبال خماش إذا أردنا أن نتبين الجذور التاريخية لازمة إقليم دارفور فلن نجد في نهاية الأمر سوى صراعات بين مزارعين ورعاة يقطنون هذا الإقليم. عمل التنوع القبلي والنزاع على الموارد الطبيعية الشحيحة, وتحديدا المياه, على إثارة النزاعات التي كان يتم احتواؤها وتسويتها من خلال النظم والأعراف السائدة هناك. وكان لطبيعة هذا الإقليم المتميز بالحدود المفتوحة والمساحة الشاسعة إضافة إلى هذا التنوع القبلي الممتد داخل دول افريقية أخرى, كان لهذا كله تداعياته على القاطنين في الإقليم الذين تأثروا بالصراعات المجاورة: التشادي - التشادي, التشادي - الليبي, إضافة إلى الصراعات الداخلية لأفريقيا الوسطى, فراجت نتيجة هذا الوضع المضطرب تجارة السلاح وتفاعلت هذه القبائل مع تلك الأزمات خاصة المتعلق منها بتشاد. برزت مشكلة دارفور كأولوية قصوى فجأة على المستوى الدولي عقب الاحتلال الأمريكي للعراق, حيث أعلنت حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة انشقاقهما عن الدولة الأم بسبب ما اعتبرتاه عدم عدالة في توزيع الموارد في منطقة يعاني فيها كافة قاطنيها من ندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة. منذ ذلك الوقت, أي في عام ,2003 لا زالت التساؤلات تطرح عن الدوافع الحقيقية وراء التنافس الغربي "أمريكا, بريطانيا, فرنسا" في إبداء هذا الاهتمام المفاجئ بإقليم دارفور ومشاكله تحت شعار حقوق الإنسان المهدورة وحركات التطهير العرقي, والدعوة إلى ضرورة التدخل في الشأن السوداني بنية إنقاذ المستضعفين فيه. هذه الأسباب المعلنة بضرورة التدخل الغربي في دارفور لم تقنع أحدا, أو لم تقنع الكثيرين الذين وجدوا في الحرص الغربي على معاناة أهل الإقليم ينقصه حالة التجاهل التام لمعاناة شعوب أخرى في المنطقة, مثل معاناة الشعب العراقي الذي يعاني اشد أنواع العذابات والآلام تحت وطأة الاحتلال الأمريكي, وكذلك حال الشعب الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي, وكذلك معاناة أهل الصومال على أيدي القوات الإثيوبية الحليف الأكبر للولايات المتحدة في القرن الأفريقي. فليسقط كل واع وذي عقل من حساباته البعد الإنساني للاهتمام الغربي المفاجئ في السودان, هذا العالم الذي لا تحركه سوى المصالح والمنفعة, ولنبحث في أسباب ودوافع أخرى أكثر واقعية. يتردد منذ مدة أن النفط بدأت تفوح رائحته من هذا الإقليم, كما تتحدث تقارير وأبحاث عن وجود معادن ثمينة في باطن ارض دارفور, أهمها اليورانيوم والنحاس. قد يكون هذا كله صحيحا وقد يكون مبالغا فيه, وبغض النظر عن وجود ثروات في باطن هذه الأرض أو عدمه, فان قراءة ومتابعة لهذا الملف استغرقتا وقتا وأفضتا إلى أن التدخل الغربي جاء نتيجة تحقيق جملة من الأهداف الإستراتيجية تخدم أغراض وتطلعات وأهداف الغرب الأمريكي والأوروبي ومعهما إسرائيل. إن مجمل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن لا تتناول مسألة ضرورة التوصل إلى اتفاق سلام بقدر ما تتناول وبشكل مكثف مسألة إرسال قوات دولية لتساعد في الحفاظ على هذا السلام, ينبئ عن وجود مخطط لتفتيت السودان وتجزئته إلى أقاليم عدة معزول بعضها عن بعضها الآخر, ومستغرقة في حروب دامية. هذا الوضع سيفضي إلى بروز قوى ومصادر تهديد جديدة, قد تصل في نهايتها إلى أهالي النوبة جنوب مصر, حيث بدأت تبرز الآن على السطح دعوات انفصال في هذا الإقليم أيضا, والغاية من تحقيق ذلك كله جهة من المكاسب الإستراتيجية في مقدمتها تأمين وصول مياه النيل إلى إسرائيل. وهو ما أشار إليه بشكل غير مباشر مسؤول إدارة قضايا المياه فيها وراء الحدود بوزارة الخارجية الأمريكية, حيث دعا إلى نقل عملية تخزين مياه النيل وانسياب المياه من دون سدود بحجة تقليل الفاقد نتيجة التبخر في البحيرة. وهي دعوة أمريكية لا يمكن فصلها عن شقيقتها الإسرائيلية المطالبة بتوصيل "مياه السلام" من سيناء إلى إسرائيل. لقد وافق السودان على تفاهمات إحلال السلام والقاضية في إحدى مراحلها تشكيل قوة مشتركة بين الأممالمتحدة والقوات الأفريقية في حدود عشرة ألاف جندي, ثم عمدت الولاياتالمتحدة مؤخرا إلى استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يقضي في خطوة قطعية الدلالة أن الولاياتالمتحدة لا تسعى إلا إلى خلق عقبات أمام السلام وبث الفوضى وتحريض المتمردين وتشجيعهم على مواصلة القتال خدمة لمخطط يهدف إلى تهديد الاستقرار والأمن في الإقليم, وهذا يستدعي بالضرورة تفعيل الدور العربي لمساعدة السودان ودعمه في اجتياز محنته والوقوف إلى جانبه ضد الأخطار التي تهدد وحدته.