الخرطوم(smc)دينا قنديل أثار التحرك الدولي للتعاطي مع أحداث دارفور السودانية دون غيرها في العالم العديد من التساؤلات حول مستقبل الصراع في السودان وأبعاد المخطط الأمريكي الصهيوني والغربي في إشعال الصراع هناك، خاصة وان قمة الاتحاد الأفريقي الثالثة التي انعقدت في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في عام 2004 كانت قد توصلت إلى سلسلة تفاهمات لإنهاء هذه الأزمة في إطارها الإقليمي، لكن التحركات الأمريكية الصهيونية والغربية سعت بقوة لإفشال هذه المساعي وتقاطرت الوفود الأجنبية على السودان، حتى أصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات ضد السودان، ورغم تعاون الخرطوم مع الأممالمتحدة والمجتمع الدولي والاتحاد الأفريقي وطلب مساعدات مادية وتقنية، لكن الضغوط الأمريكيةوالغربية نجحت في النهاية في إصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1769 مستنداً فيه إلى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يقضي بنشر قرابة 26 ألف جندي وشرطي تابعين للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي واستخدام القوة في تنفيذ مهمته، وأعلن السودان موافقته الرسمية عليه لحفظ الأمن في الإقليم. الأيادي الإسرائيلية يقول د. سعيد اللاوندي نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام وخبير العلاقات السياسية الدولية: أزمة دارفور جعلت منها الدول الكبرى وخاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية مبرراً لدخولها الإقليم بهدف التحكم في ثرواته، متخذة من سوء الأحوال الإنسانية الناشئة ذريعة لذلك، والتي شكلتها الأوضاع السياسية لهذا الإقليم، بسبب الظروف الدولية والعوامل الجغرافية والسكانية وامتداده على مساحة واسعة تبلغ 549 ألف كيلومتر مربع ومتاخمته لثلاث دول هي ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، كما إن الحدود المفتوحة هذه قد ساعدت على حركة الناس من والى الإقليم، وبالتالي وجود عدد من القبائل المتباينة عرقياً واقتصادياً، والتي أدى بها الترحال ودخول حدود بعضها إلى وقوع العديد من الاحتكاكات التي تطورت إلى عداوات ومعارك طاحنة أزهقت فيها الأرواح وأريقت الدماء، واستدعى ذلك تدخل الحكومة السودانية لحل هذه الصراعات، وبالتالي الدول المجاورة. وهذه الأحداث كشفت جلياً عن الكثير من الأيدي العابثة والمتخفية وراء ما يحدث في هذا الإقليم، وتأتي في مقدمة ذلك الأيادي الأمريكية والإسرائيلية والغربية أيضاً التي عملت على زعزعة استقرار السودان من بوابة دارفور التي تسلل إليها اليهود الصهاينة بعد أن كانوا أبعد ما يكون لهذا الإقليم المسلم بالكامل، فقد تسللت هذه اليد الإسرائيلية بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة ووصلت إلى إقليم دارفور الذي سعت أمريكا وإسرائيل إلى تدويله بكل الوسائل المتاحة خلال السنوات الأخيرة، فأمريكا وإسرائيل تستغلان كل منفذ كي يبثا سمومهما في جسد الأمة، وهو ما أكده وزير الخارجية السوداني السابق د. مصطفى عثمان إسماعيل، إذ اتهم إسرائيل صراحة بلعب دور رئيسي في تصعيد الأحداث في دارفور، وقال في الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة عام 2004 لبحث أزمة دارفور: إن المعلومات التي لدينا تؤكد ما تردد في أجهزة الإعلام عن وجود دعم إسرائيلي، وان الأيام القادمة ستكشف عن الكثير من الاتصالات الإسرائيلية مع المتمردين، ولعل أبرز دليل على ذلك ما قاله سفير إسرائيل في الأممالمتحدة عندما تحدث عن الجدار الفاصل في الضفة الغربية، حيث بدأ حديثه عن دارفور وما يفعله العرب في دارفور، إضافة إلى تحرك الجاليات اليهودية لإثارة الأقاويل عن أحداث دارفور. ولم تكن اتهامات إسرائيل للسودان فقط، فقد كشفت أجهزة الأمن الأردنية عن وجود اثنين من مهربي الأسلحة يحملون جوازات سفر إسرائيلية، تبين من التحقيقات التي تمت معهما تورطهما في تهريب أسلحة لمتمردي دارفور، وان من بين المتهمين رجلاً يعمل بصورة مباشرة مع «داني ياتوم» الابن الأصغر لمدير الموساد السابق، وهو الذي أدلى بمعلومات مؤكدة تفيد بتورطه و«شيمون ناور» وهو صاحب شركة استيراد وتصدير إسرائيلية في تهريب أسلحة لإقليم دارفور، وأنهم ساعدوا بعض الأفراد من حركات التمرد في الإقليم السوداني بتلقي التدريبات العسكرية في إسرائيل بصفة رسمية، وخلال تطور الأحداث كان الدعم الإسرائيلي اللا محدود لحركات التمرد في الإقليم وتسلحهم وإغراق الإقليم بالأسلحة، حتى أصبحت دارفور مستورداً أساسياً للسلاح في أفريقيا، وبالطبع فإن التطور الخطير والسريع لقضية دارفور يؤكد خروج التورط الإسرائيلي فيه إلى العلن. ولا يخفى على أحد الهدف المزدوج اسرائيلياً وأمريكياً من ذلك السلاح كرأس حربة لتحقيق انفصال دارفور أولاً، ثم تفتيت السودان وغيره من دول القارة الأفريقية، فضلاً عن أن السودان أولاً دولة عربية وإسلامية، إضافة إلى أنها تمثل العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، وبالتالي فإن عدم استقرار السودان يؤثر بشكل قوي على مصر. يضاف إلى ذلك البترول الذي يسبح فوقه الإقليم، والأهم من ذلك اليورانيوم الموجود هناك والذي كشفت عن وجوده الأقمار الصناعية الأمريكية، وهو السبب الرئيسي لإشعال فتيل الأزمة بالإقليم. مصالح إستراتيجية ويرى د. وحيد مساعد مدير مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية أن للولايات المتحدة مصالح في جميع أنحاء العالم، فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي تحددت أماكن النفوذ للمعسكرين وبدأت المنافسة بينهما، واشتعلت كثير من الحروب في العديد من الدول نتيجة لذلك التنافس، وبعد انهيار المعسكر الشرقي وانفراد الولاياتالمتحدة بالسيطرة العسكرية والسياسية على العالم، بدأ مشروع التحكم بمصادر الثروة من نفط ومعادن، وكان السبب المباشر في التوتر الذي حدث في المنطقة من أجل الحصول على الثروة النفطية لتلك المنطقة. وقد استغلت الولايات أزمة دارفور، وبدأت الخطوات العملية للانقضاض على ثروة السودان، خاصة وان هذه الأزمة تزامنت مع اشتداد المنافسة الأمريكية- الصينية على الموارد والمواد الخام الأفريقية، حيث مورست الضغوط الأمريكية على السودان، وبأشكال مختلفة ومتنوعة بإثارة الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان في إقليم دارفور، وهي سياسة لي الذراع لجعل السودان يرضخ للمطالب الأمريكية بإفساح المجال لها وتوفير مساحة من الوجود والنفوذ الاقتصادي الموسع في الإقليم للتصدي للوجود الآخر من شركات صينية وماليزية في السودان. وقد تجلت هذه الضغوط عبر حملة أمريكية منظمة فأصدرت الأممالمتحدة ثلاثة قرارات ضد السودان تمثلت في الحظر الدبلوماسي على المسؤولين السودانيين والحظر الاقتصادي على شركة «سودانير»، وهي عقوبات تصب في نطاق الضغوط الدولية على السودان. كما فرضت الولاياتالمتحدة منفردة في عام 1997 عقوبات اقتصادية على السودان، شملت حظر قطع الغيار ومنع الشركات الأمريكية من الاستثمار في مجال النفط، ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، ففي منتصف تموز /يوليو/ 1998 أصدر مجلس النواب قراراً يتهم الحكومة بممارسة الرق وأعمال التطهير العرقي في الجنوب، ودعا إلى فرض حظر الأسلحة على السودان. ثم انتقلت السياسة الأمريكية إلى منحى جديد في العام نفسه، حيث قامت الطائرات الأمريكية بقصف مصنع الشفاء للأدوية في الخرطوم بخمسة صواريخ «كروز» بذريعة أن المصنع فيه بداية لإنتاج أسلحة كيماوية. وبعد دخول عملية السلام في السودان مرحلة التفاوض الجاد في عام 2000 عبر منظمة «ايغاد»، ومراقبة لصيقة من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، زادت واشنطن من جرعة الضغط على الخرطوم، فقامت بإيداع قانون سلام السودان في مجلس النواب وأجازته في تشرين الأول /أكتوبر/ 2002، وفي المرحلة الثانية عام 2004 طالب مشروع القانون الإدارة الأمريكية باستصدار قرارات لإدانة حكومة السودان، ودعوة الدول الأعضاء في الأممالمتحدة إلى عدم استيراد النفط السوداني، وفرض عقوبات على المسؤولين السودانيين، وطرح مشروع القانون ضرورة تطبيق كل العقوبات الخاصة بمنع السودان من الاستفادة من قروض وتسهيلات المؤسسات المالية الدولية وتخفيض العلاقات الدبلوماسية، بجانب وضع خطة لعدم تمكين السودان من الاستفادة من عائدات نفطه. في عامي 2003 و2004 اتسم الضغط الأمريكي على السودان بابتعاده عن سياسة العقوبات المباشرة، حيث لجأت واشنطن إلى سياسة الضغط على الخرطوم عبر الأممالمتحدة، خاصة بعد توقيع اتفاق السلام بين الحكومة والحركة الشعبية المعروف باتفاق «نيفاشا» والذي أنهى الحرب الطويلة في جنوب البلاد، وكذلك برز هذا التوجه الأمريكي في وقت صعدت فيه الأزمة في إقليم دارفور إلى السطح، بل صارت الحدث الأول الذي يشغل وسائل الإعلام العالمية. وبعدها توالت قرارات مجلس الأمن، بعد توقيع اتفاق السلام، من بينها القرار رقم 1547 الذي رحب باتفاق «نيفاشا»، وأشاد بما أنجز من أعمال لدعم وتيسير محادثات السلام والالتزام بسيادة السودان واستقلاله ووحدته، ورحب بالدور القيادي الذي يؤديه الاتحاد الأفريقي، والترحيب بتعيين الأمين العام ممثلاً خاصاً لشؤون السودان، وطالب هذا القرار حكومة السودان بأن تفي بجميع التزاماتها بتسهيل أعمال الإغاثة الدولية، وإيفاد مراقبين دوليين تحت قيادة الاتحاد الأفريقي، لكن بعدها اتجهت بوصلة القرارات صوب دارفور، فبدلاً من التأكيد على القضايا المتعلقة بعملية السلام في الجنوب أخذت الأمور شكلاً آخر، فقد ضغطت واشنطن على مجلس الأمن ليصدر القرار رقم 1556 الذي اعتبر الوضع في السودان يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين وعدم استقرار المنطقة، ليذهب بعيداً إلى التصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، كما أعرب عن اعتزامه اتخاذ مزيد من الإجراءات ضد حكومة السودان في حال عدم التزامها، ثم صدرت القرارات: 1564، 1574، 1885، 1590، 1591، ثم القرار المثير للجدل 1593، ثم القرار 1627 لحث الدول على إرسال قوات تحت مظلة الأممالمتحدة إلى السودان، ثم القرار 1651 بتمديد ولاية خبراء الأممالمتحدة لمراقبة أوضاع دارفور، تلتها القرارات: 1663 المرحب بموافقة الاتحاد الأفريقي من حيث المبدأ على انتقال المهمة، وتبعه القرار 1665 بتمديد مهمة الخبراء، ثم القرار 1672 بفرض عقوبات على قائد المنطقة الغربية للقوات المسلحة، وزعيم قبيلة المحاميد، واثنين من قادة الحركات المسلحة، ثم القرار 1667 لتكرار مطالبة تحويل مهمة دارفور والتعبير عن القلق لاستطالة نزاع دارفور، ليجيء بعده القرار الأخطر 1706 بنشر قوات دولية في دارفور، وأخيراً القرار رقم 1769 الذي أعلنت الحكومة السودانية موافقتها رسمياً عليه والقاضي بنشر قوة سلام دولية من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور، وستتألف القوة الدولية الأفريقية «يوناميد» من 26 ألف جندي وشرطي وستكون أكبر قوة سلام في العالم، وهذا القرار صدر تحت الفصل السابع، وهو الأمر الذي كان يرفضه السودان مراراً. فمن الواضح أن المحافظين الجدد عازمون على المضي في تغيير خريطة المنطقة الأفريقية، بعد فشلهم الذريع في تغيير المنطقة، وبما يتواءم مع الأطماع الإسرائيلية في الثروات الأفريقية وفي مياهها، والمصالح الأمريكية، والدفع بدارفور لتكون القاطرة في المنطقة، فالشباك حولها تنصب، والضغوط ستزيد، وليس أكثر من أن يطرق الأمريكي الباب الأمامي قبل الخلفي. أهداف استعمارية ويؤكد د. حسن بكر أستاذ العلوم السياسية في جامعة أسيوط أن الحملة الأمريكية على دارفور تتضمن العديد من الأهداف الاستعمارية من أهمها: تحويل الأنظار عن الجرائم الكارثية في العراق، والانتهاكات الهمجية لحقوق الإنسان، والتي من بينها قتل وتشويه عشرات الآلاف، وتحويل الأنظار عن تمويلها ودعمها للحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، فضلاً عن فتح جبهة جديدة لإحكام السيطرة الأمريكية على المنطقة. كما إن السودان هو أكبر دولة افريقية من حيث المساحة، وتتمتع بموقع استراتيجي على البحر الأحمر، وتقع مباشرة إلى الجنوب من مصر، وتشترك في الحدود مع سبع دول افريقية أخرى، وتبلغ مساحتها مساحة أوروبا الغربية تقريباً، إلا أن عدد سكانها لا يتجاوزون ال 35 مليون نسمة، كما أن الموارد الطبيعية المكتشفة حديثاً في السودان هي التي جعلته محط اهتمام الاحتكارات الأمريكية والإسرائيلية والغربية بصفة عامة، حيث يعتقد أن السودان يمتلك احتياطياً بترولياً ينافس احتياطي المملكة العربية السعودية، وفيه مخزون ضخم للغاز الطبيعي، وفيه ثالث أعلى مخزون لليورانيوم عالي النقاوة في العالم، وفيه أعلى رابع مخزون للنحاس في العالم. والسودان على عكس الكثير من الدول البترولية الأخرى احتفظ باستقلاله عن واشنطن، وفشلت أمريكا في السيطرة على سياسة السودان البترولية، فقد بذلت الامبريالية الأمريكية أقصى ما تستطيع لإيقاف تطوير هذا المورد، إلا أن الصين تعاونت مع السودان وقدمت له تكنولوجيا الاستكشاف والحفر والضخ وبناء خطوط الأنابيب وشراء أكثر الإنتاج السوداني من البترول. لذلك تدور سياسة أمريكا في السودان حول محاولة إيقاف تصدير النفط من خلال العقوبات الاقتصادية التي تحاول فرضها والحصار وإشعال الفتن والخصومات والصراعات الداخلية، فقد دعمت أمريكا الانفصاليين في الجنوب لمدة عقدين من الزمان، حيث اكتشفت بواكير النفط، وقد قضت تلك الحرب مع الجنوب على موارد السودان لفترة طويلة من الزمن، وعندما تفاوض السودانيون واتفقوا مع الجنوبيين، قامت أمريكا بإشعال الصراع فوراً في دارفور. فمنذ سبعينيات القرن الماضي رصدت الإدارة الأمريكية، ومن خلفها شركات النفط العملاقة، وشركات التسليح، مليارات الدولارات لصالح تمديد الأنبوب النفطي العملاق الذي ينطلق من ميناء «ينبع» الاستراتيجي على ساحل الجزيرة العربية، ليعبر البحر الأحمر، ماراً بوسط السودان، ليجتاز إقليم دارفور غرباً، ليتصل بالأنبوب الحالي في تشاد، ليتقدم عبر عدد من الدول الإسلامية الأفريقية، ليصب أخيراً في المحيط الأطلسي، لتستقبله ناقلاتها الضخمة وتحمله بكامل حريتها إلى الولاياتالمتحدة والى أسواق العالم، فلا معوقات جغرافية تمنع وصول النفط وغيره من ثروات أفريقيا، ولا معوقات سياسية تخلط أوراق البيت الأبيض، لتحتل أمريكا من جديد ريادةة تصدير البترول إلى كل مناطق العالم بالسعر الأمريكي وبالشروط الأمريكية. وفكرة أنبوب النفط العملاق تكونت حين شعرت اللوبيات النفطية الأمريكية الكبرى بدخول الاحتياطي النفطي العالمي طور الانحسار والنضوب، بعد تحول الولاياتالمتحدةالأمريكية من مصدر له إلى مستورد، وبدأت الفكرة تتطور مع مرور الوقت حتى حرب 1973، واستعمال العرب بنجاح سلاح النفط، وشعور الغرب آنذاك أن اقتصادياتهم تحت رحمة «النفط العربي» وهي السنة الفعلية في وضع حجر الأساس لفكرة إنشاء أنبوب النفط العملاق، والمظهر الحقيقي من مظاهر التنفيذ العملي للمشروع الاستراتيجي الأمريكي في القارة الأفريقية، خاصة في «القرن الأفريقي» الخام، الغني بالنفط والغاز وكل المعادن الباطنية والمياه الجوفية ومجاري الأنهار وغيرها، وتأجيج نيران الحرب الأهلية في جنوب السودان، وتقديم فاتورة غالية جداً في الأرواح وتهجير الملايين والمجاعات، لم يكن سوى مظهر من مظاهرها، والمحاولات الأمريكية في المنطقة، إنما هي لمواجهة ما سيأتي به المستقبل، مما يؤثر سلباً على أرباح الشركات النفطية الكبرى واللوبيات الاقتصادية الداعمة لسياسات الحكومة الأمريكية، وعلى طراز الحياة الأمريكية المتأثرة بارتفاع الأسعار وتدني الخدمات الاجتماعية وخاصة الصحية، وتفاقم البطالة، وتدهور قيمة الدولار الأمريكي مقارنة باليورو الأوروبي والين الياباني، وارتفاع سهم الفقر إلى أعلاه. والمعروف أن السودان فيه أكبر تنوع عرقي في العالم، حيث يوجد هناك أكثر من 400 مجموعة عرقية لها لغاتها ولهجاتها، لذلك تلعب واشنطن على هذه الورقة بقوة. قاعدة أمريكية ويشير فاروق العشري، القيادي الناصري البارز، إلى أن التخطيط الأمريكي في السودان كان ولا يزال يهدف إلى اتخاذه قاعدة للتمركز الأمريكي في داخل القارة الأفريقية، خاصة وان هناك مشكلة لأمريكا منذ عشرات السنين، وهي عدم وجود مركز أمريكي للسيطرة على القارة الأفريقية، من أجل السيطرة على اقتصادياتها، خصوصاً بعد ظهور البترول في عدة أقطار منها بكميات كبيرة، مع اقتراب نضوب الاحتياطي الأمريكي، ومؤشرات عن تنامي أزمة الطاقة على مستوى العالم. ولأن السودان لم يرضخ للتدخل الأمريكي، توالت العقوبات الأمريكية ضده، تحت مزاعم كاذبة، تارة بدعم الإرهاب خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، وتارة أخرى قيامه بعمليات الإبادة الجماعية في دارفور، وقد وجدت الولاياتالمتحدة في معاناة الشمال والغرب السوداني بسبب الجفاف المتواصل الذي زاد عن 8 سنوات وظهور مشكلة الرعاة مع المزارعين، فرصة للتدخل واستخدمت مجلس الأمن في استصدار أكثر من قرار يدين الحكومة السودانية بممارسة عمليات إبادة جماعية وضد الإنسانية، مما أدى إلى استقواء فصائل المتمردين، مستغلة هذا الدعم الأمريكي لها، ورغم قبول الحكومة السودانية بتقاسم السلطة والثروة معهم، إلا أن المتمردين كانوا يرفضون ذلك ويطالبونها بتقديم المزيد من التنازلات لهم. وفي تقديري أن المستقبل يحمل في طياته الكثير من المآسي للشعب السوداني، فقرار مجلس الأمن والأخير جاء تحت الفصل السابع الذي يبيح استخدام القوة العسكرية وليس له مدة محددة، مما يهدد بتمزيق السودان وتفتيت وحدته كقطر عربي كبير، وقد بدأ ذلك باتفاقية الجنوب التي تمهد للانفصال، وتسير دارفور على النهج نفسه، وسيليها سكان شرق السودان، فالهدف الأمريكي الصهيوني هو تمزيق السودان كدولة كبرى إلى أربع دول صغرى، لضمان السيطرة على موارد القارة الأفريقية، ولعل الهدف الآخر الأخطر في هذا التدخل هو تشجيع سكان السودان الذين تم تهويدهم على الهجرة إلى إسرائيل، مما يؤكد المؤامرة الصهيونية الأمريكية على السودان.