يُعد الفساد من أهم مهددات التنمية ببلدان العالم، فلا الجهات الرسمية أو الطوعية تستطيع مكافحته لوحدها إذ لا بد من إشراك المواطنين وكذلك العاملين في المؤسسات الحكومية والخاصة لمحاربته. وقد أكدت الحكومة في وقت سابق إلتزامها ومواصلتها مكافحة الفساد، وقالت أنها لن تتوقف حتي تصبح البلاد خالية تماماً من الفساد والمفسدين، وفي إطار ذلك سنّت كثير من القوانين والإتفاقيات والإجراءات لمكافحة الظاهرة. ومؤخراً أعلن جهاز الأمن والمخابرات الوطني عن إستحداث وحدة خاصة بالتحريات والتحقيقات تعني بمكافحة الفساد وسلامة النشاط الإقتصادي وتقديم المعلومات للنيابة لفتح البلاغات. وخصصت للوحدة أرقام هواتف ثابتة للمواطنين لتقديم الشكاوي المتعلقة بالفساد عبر الرقم (7878)، وقال المدير العام للجهاز أن الدولة ستواصل محاربة الفساد وأنه لا محسوبية ولا كبير علي القانون وأن كل من يتجاوزه ستطالهُ أيدي العدالة. ومواصلة لجهود مكافحة الفساد أحالت نيابة أمن الدولة في وقت سابق من الشهر الحالي (7) متهمين بينهم (3) مصرفيين و(4) رجال أعمال يواجهون إتهامات بغسيل أموال ناتجة عن التجارة في العملة عبر القنوات المصرفية بمبلغ (36)مليون و(700) الف درهم، إلي محكمة جرائم الفساد ومخالفات المال العام، وتم فتح بلاغ بالرقم (169) مخالفة المال بنيابة أمن الدولة، ويعتبر هذا البلاغ الأول الذي تتم إحالته إلي محكمة الفساد. كما أدانت محكمة الجهاز العسكرية ضابط أمني سابق لمخالفته أحكام المادة (59) والمادة (71) من قانون الأمن الوطني لسنة (2010م)، وحكمت عليه بالسجن (7) سنوات مع النفاذ والغرامة. فيما إسترد ديوان الضرائب مؤخراً مبلغ (150) مليون جنيه عبر تسوية قانونية تمت بين ديوان الضرائب وجهاز الأمن مع المتهم وشركته عبارة عن فاقد ضريبي حتي العام (2018م). وقال الطيب هارون نقيب المحامين السابق أن المواطن جزء من حملة مكافحة الفساد بحيث لا ينبغي أن تقتصر محاربة الفساد علي الجهات العدلية فقط بل يجب أن يكون المواطن شريكاً أساسياً في مكافحته، وأشار إلي أن الخطوة قُصد منها إشراك المواطن وحثه علي مكافحة الفساد وعدم السكوت عنه. وأصدر رئيس القضاء مؤخراً قراراً بتأسيس محكمة جنايات تختص بمكافحة الفساد ومخالفات المال العام والنظر في الدعاوي الخاصة بقضايا إستغلال النفوذ وتخريب الإقتصاد الوطني. ووجدت تلك الإجراءات والخطوات إستحسان وترحيب واسع من قبل المتابعين والخبراء وإعتبروها بمثابة جدية من الدولة لمكافحة الفساد وملاحقة المفسدين، وأشاروا إلي أهمية تنفيذ هذه القرارات بحسم ودون إستثناء لأي أحد مهما كان نفوذه ومكانته لأن ذلك يُعطي رسالة قوية بأنه (لا كبير علي القانون). وأمّن الخبراء والمتابعين علي ضرورة محاربة الفساد بوجوهة المتعددة والمختلفة وذلك من خلال وضع مزيد من الآليات التي تضبط ظاهرة الفساد، بجانب وجود قوانين رادعة لمكافحته علي جميع المستويات، فضلاً عن إنفاذ القانون وتحقيق العدالة من خلال ملاحقة وفضح الفساد والمفسدين. وشارك مؤخراً وفد سوداني من النيابة العامة والقضاء والوزارات بجانب خبراء حكوميين من مختلف دوايين الدولة في ورشة تدريبية وطنية أقامها مركز حكم القانون ومكافحة الفساد بالعاصمة القطرية (الدوحة) بالتعاون مع مكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) . وإستمرت الورشة ليومين متتاليين تم من خلالها إستعراض ومراجعة تطبيق أحكام إتفاقية مكافحة الفساد، كما تم تقديم عرض حول الصعوبات العملية لإسترداد الأموال المنهوبة والأحكام الموضوعية في الفصل الخامس من الإتفاقية بشأن كيفية إسترداد الأموال. وعلي ضوء ذلك يتضح أن عبء مكافحة الفساد يقع علي عاتق كل مواطن إلي جانب الأجهزة الرسمية المعنية بالرقابة وتحقيق العدالة، وأن طرق مكافحة الفساد تتعدد وتتنوع علي المديين القريب والبعيد حتي يتم إرساء ثقافة وبيئة ونظام متكامل يمنع ويحاسب الفساد بصورة ممنهجة ومستدامة.