استطاع نبات الخردل الهندي المعدل وراثيا تنقية تربة أحد الحقول بولاية كاليفورنيا الأمريكية من كميات زائدة من عنصر السيلينيوم الملوث لها، في نقلة نوعية تتغلب على صعوبة تنقية التربة الزراعية من الملوثات بالطرق المتبعة حاليا، فضلا عن تكاليفها الباهظة، هكذا قالت المجلة. وتفاخر العلماء الأمريكان بزهو قائلين: "هذه أول محاولة حقلية لنبات مخلص من التلوث معدل وراثيا، وهذا يثبت أن التقنية يمكنها العمل خارج المعمل"، فيما يشبه ردا عمليا على الاتهامات التي تتقاذف منهمرة على الهندسة الوراثية من كل حدب وصوب. أما التفاصيل فهي تتأسس على أن أراضي المزارع في أجزاء من ولاية كاليفورنيا الأمريكية تروى بكميات هائلة، وتتسبب تلك الزيادة بمياه الري في ذوبان عنصر السيلينيوم المتوافر بطفلة تلك الأراضي، وعندما تتبخر المياه بفعل حرارة الشمس وغيرها من العوامل فإن السيلينيوم يتركز لمستويات عالية تصل لحد تسميم المزروعات. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لاحظ العلماء الأمريكان أن نبات الخردل الهندي واسمه العلمي "براسيكا جونشيا" لديه مناعة طبيعية ضد هذا العنصر، ويمتصه مع المياه من خلال جذوره. كان من الممكن أن يتوقف الأمر عند المشاهدة والملاحظة ثم الاستفادة من تلك المزية التي تتوفر للخردل الهندي الطبيعي البري بزراعته في تلك الأراضي لتخليصها من زيادة السيلينيوم المسممة، طبعا هذا إذا كان الأمر لا تكتنفه ملابسات أخرى، ولا تتدخل عدة عوامل تحول المسألة من الجانب الإيجابي للآخر السلبي. لكن العلماء الأمريكان تدخلوا -بالأحرى- وعبثوا في الجينات، ونجح الباحث نورمان تيرري من جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركيلي الأمريكية ورفاقه في تعظيم هذه الخاصية لدى النبات من خلال هندسته وراثيا. وقال تيرري: "ينمو نبات الخردل الهندي بسرعة ولديه كتلة حيوية كبيرة حتى في ظل ظروف بيئية ضاغطة"، وأضاف تيرري المتخصص في بيولوجيا النبات أنه تمكن ورفاقه من تعزيز قدرات النبات بإضافة جينات إليه، تجعله يفرز إنزيمات شرهة وفي حالة جوع دائمة للسيلينيوم. ووجد الباحثون أن نبات الخردل المعدل وراثيا يمكنه مراكمة السيلينيوم في أنسجته بزيادة تصل لحوالي 4.3 أضعاف القدرة المعتادة لنبات الخردل البري غير المعدل وراثيا. وتوصل الباحثون لتلك النتيجة من خلال استنبات أنواع مختلفة من نبات الخردل البري بعد تعديله وراثيا، يمكن لكل واحد منها التشبع بالسيلينيوم بمستويات مختلفة، وزرعوها جميعا في تربة ملوثة بالسيلينيوم مع الخردل البري. وأظهر النبات المعدل وراثيا قدرة على النمو تزيد بنحو 80% عن النبات البري، في التربة المسممة بالسيلينيوم، في الوقت الذي قلت فيه قدرة النبات البري على النمو إلى النصف بفعل الزيادة المفرطة من السيلينيوم الموجود بالتربة. وحصد الباحثون كل الأنواع بعد 45 يوما من الحقل، لكنهم يتوقعون صمود الأنواع المعدلة وراثيا للبقاء لفترات أطول في التربة، ومن ثَم يمكنها تخليصها من السيلينيوم الزائد عن الحد الآمن. وقدر فريق تيرري أن النوع الأكثر فاعلية في المجموعة المعدلة وراثيا التي تم اختبارها في الحقل استطاع بالفعل تخليص التربة من حوالي 4.4% من السيلينيوم الزائد في ال25 سم التي تعتلي عمود التربة. الصورة بعيون أخرى الخردل المهندس وراثياً يثبت قدراته المضاعفة على امتصاص سموم السلينيوم من التربة حتى هذه اللحظة الصورة وردية في بيركيلي مقابل الصورة القاتمة الخاصة بتلك الندوة في برن، وظهرت حسنة للهندسة الوراثية. قطعا هناك إيجابيات سياسية واقتصادية وثقافية للهندسة الوراثية، لكنها تصب في مصلحة الدول الكبرى خاصة الاستعمارية منها. ومع ذلك فضلا ولطفا، قم بإعداد قائمة أخرى لإيجابيات الهندسة الوراثية تصب في مصلحة الإنسانية المجردة، صف أنت عناصرها، واجعل أول عنصر فيها الهندسة الوراثية تغسل التربة. هكذا تبدو الأمور، لكن لنطالع تعقيب متخصص آخر. كلايتون رو متخصص في بيولوجيا النبات بجامعة ميتشجان الأمريكية -يعني أنه نفس التخصص- أهاب بوجوب توسيع نطاق البحث، بزراعة النبات على مساحات أكبر، حيث توقع أن تختلف النتائج في المعمل عنها في الحقل، فضلا عن حتمية اختلافها في الصوب الزجاجية، هكذا يفرض المنطق الصحيح. ثم أطلق كلايتون تحذيرا فحواه أن التعامل مع الكيماويات الملوثة للتربة الزراعية عن طريق النباتات الماصة لها ما زالت في أطوارها الابتدائية.. عبارة تبدو غامضة بعض الشيء. وقبل أن يجلي كلايتون الغموض قال: التقنية المستخدمة في تخليص التربة الزراعية من سمومها ما زالت ضعيفة، وأضاف "أنه يمكن غسيل التربة كيماويا"، لكن هذه الطريقة مكلفة، وذات طابع معملي في المقام الأول، كذلك بين أن من الطرق الأخرى لتنقية التربة جرفها ودفنها في أماكن أخرى، لكنه أضاف لقائمة السلبيات السابقة في معالجة الترب الملوثة أن هذه الطريقة مدمرة بيئيا وتأخذ وقتا طويلا. ثم عاد كلايتون موضحا أن نوعا من السرخسيات الصينية يستخدم بالفعل في تنقية التربة من الزرنيخ لكنه غير معدل وراثيا، وهي طريقة رخيصة وواعدة، لكن لو تركنا الأمور كما هي دون تدخل منا. ثم أطلق كلايتون العنان لمخاوفه عندما أعرب عن تخوفه من حدوث عمليات تهجين بين النباتات المعدلة وراثيا الماصة للسموم من التربة والمزروعات العادية تخرج عن نطاق السيطرة، مما ينشأ عنها أنواع جديدة من النباتات الزراعية تمتص بدورها كيماويات التربة السامة بقدرة أعلى من المعتاد، مما يرفع نسبة هذه السموم في المزروعات الغذائية التي يتغذى بها الإنسان والحيوان. لاحظ أن المسألة برمتها ما زالت في طور البحث ومع ذلك بسرعة فائقة بدأت المخاوف منها ومن سلبياتها تلوح في الأفق. ووضع كلايتون النقاط فوق الحروف محذرا ومعربا عن قلقه، وقال: "إذا كنت ستهندس نباتا لسحب الكميات العالية من المعادن من التربة، فيجب أن تتأكد أنها لن تتلبس بالمحاصيل الغذائية". ثم ألقى كلايتون قنبلته الأخيرة: "يجب معالجة هذه المسألة بإجراءات واحتياطات أعلى وأكثر صرامة حتى من المحاصيل المهندسة وراثيا نفسها". السيد تيرري حاول تهدئة المخاوف وتلطيف الجو، وقال: نحن أخذنا حذرنا وتأكدنا قبل زراعة النوع المعدل وراثيا من عدم وجود أي خردل بري بالقرب من المكان الذي تمت زراعة النوع المعدل فيه، ثم إننا قطفنا زهور النبات المعدل فور ظهورها، وحيث إننا نخطط لترك النبات بعد الانتهاء من التجارب لمدة أطول فإننا سوف نتأكد من عدم وجود أي جينات "عابرة" في حبوب لقاح النبات المعدل. محاولة فاشلة يا سيد تيرري؛ لأنك رفعت جرعة القلق من حيث أردت التهدئة، ومن فمك تدين نفسك، حيث إن كل ما ذكرت يشيع جوا من الخوف والقلق أكثر مما يطمئن. تعرفون تيرري يقول: إنهم -أي هو ورفاقه- يخططون لزيادة قدرة الخردل المعدل وراثيا على مراكمة السيلينيوم الذي يمتصه في خلاياه وأنسجته من 10 إلى 100 مرة فوق قدرة النبات الطبيعي، ثم إنه يقول يمكن تغذية الماشية التي لديها نقص في عنصر السيلينيوم بالنبات المعدل الذي يختزنه في مجموعه الحيوي. رأيي أنها جريمة مع سبق الإصرار والترصد.. فضلا ولطفا، اشطب على أول بند في قائمة إيجابيات الهندسة الوراثية للإنسانية المجردة.