من يلتقي حسين إسماعيل لا يفطن إلى أنه أصم، إلا إذا أخبره أحدهم بذلك، فهو قادر على استيعاب ما يوجه إليه من أحاديث بقدرته على قراءة الشفاه، والإجابة بشكل صحيح وواضح، إضافة إلى إتقانه العربية والإنكليزية رغم إعاقته السمعية، وقد استطاع بعزيمته وقوة إرادته أن يحصل على شهادة دكتواره جامعية ليكون بذلك أول أصم في العالم العربي يحصل على تلك الشهادة. وقد أصيب حسين إسماعيل بالتهاب السحايا قبل أن يتم عامه الثاني، في مرحلة ندر فيها الأطباء في قرى الجنوب اللبناني، وجراء اشتداد الحرارة عليه فقد السمع رغم زيارته عدة أطباء ومستشفيات. مما دفع والده إلى إلحاقه ب"مؤسسة الأب أندويخ" قبل بلوغه الخامسة، مما منعه من رؤية أهله سوى مرة في الشهر، وتابع تحصيله العلمي في المؤسسة حتى نال عام 1982 شهادة "هاي سكول" فسافر إلى هولندا حاصداً ثلاث شهادات في كيفية تعليم الصم ومساعدتهم. ومع تأزم الوضع الأمني في لبنان، آثر التوجه إلى بريطانيا حيث حصل هناك على إجازة جامعية في مجال التربية والتعليم الخاص بالصم. وبفضل كفايته ومثابرته تمكن خلال عام واحد (1991) من الحصول على شهادة الماجيستير في الاختصاص نفسه من جامعة "غالوديت" في الولاياتالمتحدة، ونال تنويهاً كأفضل طالب ووقع شهادته الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأب. وبحسب صحيفة "النهار" اللبنانية التي أوردت التقرير فإن حسين عاد إلى لبنان عام 2002 وباشر عمله مديراً تربوياً في مؤسسة الأب أندويخ، وهناك تعرف إلى تلميذته نادين بدر الدين، التي شاطرته الميول الإنسانية والتربوية نفسها فتزوجا ورزقا ابنتين جايد وشادن. ومع انهماكه بالتحضير للدكتوراه، اضطرت العائلة للسفر إلى بلجيكا ليكون بقرب الدكتور المشرف على بحثه والتواصل معه، فنال درجة الدكتوراه حول "دور المديرين والمعلمين في مدارس الصم في لبنان ومحيطه"، مرفقة بجائزة تنويه كأفضل بحث أكاديمي. عن مشكلة الصم يقول الدكتور حسين إسماعيل: "إن قدرة الأشخاص على سماع الأصوات تنظم طريقة عيشهم وكلامهم وأسلوب تواصلهم، مما يرسخ اعتقادهم بأن الصم يعيشون في عالم خاو، وأن كل الأبواب مغلوقة حولهم بسبب محدودية مهاراتهم اللغوية والاجتماعية. هذه المعتقدات تترك ولا شك آثاراً سلبية على حياة الصم أنفسهم، إذ أن النظر إليهم من زاوية ما يفتقرون إليه تزيد حجم المشكلة لديهم وتجعلهم يعانون نقص معرفة الناس لهم أكثر من مشكلة نقص سمعهم. وما يزيد الأمر سوءاً اللفظ الذي يتكون في أذهان الناس عن النقص السمعي. ففي عالم الصم، لا يعتبر الصمم مشكلة بل هو جزء من الهوية الثقافية الخاصة بهم بحيث يتمتعون بلغتهم التي لا تقل أهمية عن غيرها من اللغات". تجدر الإشارة إلى أن إسماعيل أسس في لبنان مركزا مميزا لتعليم الصم، حيث بدأت فكرة المركز عندما واجه أحد المسؤولين في وزارة التربية إسماعيل حسين مصنفاً نجاحه بأنه حالة استثنائية بين الأصماء. فقبل التحدي لإثبات العكس، مؤمناً بأن كل أصم يستطيع التعلم إذا توافرت فرص تعليمه أو تلقينه والإيمان به، فعزم على إنشاء مركز التعلم للصم عام 2002. وقد أمن إسماعيل التبرعات معتمداً على علاقاته الشخصية في هولندا وألمانيا وسويسرا، ولم يدخر جهداً في سبيل تحقيق حلمه، حيث أن وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان لا تغطي سوى نسبة قليلة من مصاريف المركز لا تتجاوز 2% من القيمة الإجمالية. ويضم المركز حضانة تجمع أطفالاً ذوي نقص سمعي وأطفالاً يسمعون، ومركزاً للتدخل المبكر تساعده فيه زوجته المتخصصة في المجال نفسه، ومكتبة للإفادة من المعلومات الاجتماعية والطبية، وصالونات لاستقبال الأهل والأطفال للحصول على إرشادات شاملة فلا يشعر الصغار بأنهم في مستشفى، وغرفاً لتعليم لغة الإشارة، ومركزاً لتعليم اللغات، وصفوفاً أكاديمية تعلم الفيزياء والرياضيات والكيمياء والآداب ومختبراً متخصصاً، وغرفاً خاصة لتقويم النطق بأحدث الأساليب، وغرف نوم للطلاب الراغبين في الإقامة الداخلية، بالإضافة إلى مركز توجيهي يزوّد الأهل معلومات عن مراكز أخرى تقدم برامج في التدخل المبكر ومواقعها وماهية خدماتها. العربية