استضافت الخرطوم مفاوضات سلام إفريقيا الوسطى، بمشاركة أطراف النزاع إستكمالاً للجهود الحثيثة التى ظل يقودها السودان فيما يتصل بتحقيق السلام في هذا البلد الإفريقي دعما لمبادرة الإتحاد الإفريقي للسلام والمصالحة فيها، في وقت جدد فيه التزامه التام بالمبادرة الإفريقية باعتبارها الإطار المتفق عليه لمعالجة الأزمة في جمهورية إفريقيا الوسطى. ووجدت استضافة الخرطوم لمفاوضات الفرقاء ترحيب ومباركة المجتمع الدولى بإعتبار أن جهود السودان في هذا الصدد لا تخدم فقط أفريقيا الوسطى ودول جوارها وإنما تخدم القارة الأفريقية بأسرها، واللافت ان مفاوضات الخرطوم ستكون بمشاركة ووفود وممثلي كل من: حكومة أفريقيا الوسطي، الحركات المسلحة، الاتحاد الأفريقي، الأممالمتحدة، التجمع الاقتصادي لدول وسط أفريقيا، الأحزاب السياسية المعارضة والأغلبية وأحزاب الوسط وممثلي البرلمان والمجلس القومي للوساطة ومنصة الأديان وجمعية ضحايا الأحداث والمجلس القومي للشباب والاتحادات المهنية ومنظمات المرأة ومنظمات حقوق الإنسان، وممثلي الصحافة المحلية، بالإضافة لممثلي الحركات المسلحة مما يشير الى ان الجولة الحالية لمفاوضات افريقيا الوسطي ستكون حاسمة خاصة وانها تأتي برعاية الأممالمتحدة. تبدو الخرطوم واثقة بانها ستعبر بملف مفاوضات افريقيا الوسطى الى تحقيق سلام شامل كما فعلت مع فرقاء دولة جنوب السودان ، وفي ذات الوقت تصف حكومة بانغي جهود السودان بانها نابعة من واقع الروابط التى تجمع البلدين معتبرة أن السودان دولة كبيرة لها تاريخها في المصالحات الاقليمية. العلاقات بين الخرطوم وبانغي قديمة متجذرة منذ العام 1967م واتسمت بالتطور الإيجابي رغم بعض الفتور الذي صاحب بعض الفترات. ووقع الجانبان على عدد من الإتفاقيات المشتركة على رأسها اتفاقية القوات المشتركة في العام 2004م على الشريط الحدودي بين البلدين وتم بموجبها تسهيل الحركة التجارية بعد تطبيقها على أرض الواقع، وتعتمد افريقيا الوسطى في اقتصادها على السودان من خلال استيراد الكثير من المواد الغذائية والوقود بينما تصدر اليه الأخشاب . وتجئ مفاوضات الخرطوم من واقع إهتمام السودان بالأمن الإقليمي وله في ذلك تاريخ طويل وممتد بالاهتمام بالقضايا الإقليمية، سواء كانت في المحيط الأفريقي أو العربي، بجانب تأكيدات الدبلوماسية السودانية بأن السودان سيظل سنداً حقيقياً لأفريقيا الوسطي وسيواصل جهوده بعيداً عن الأجندة. وكانت تقارير إعلامية قد اشارت الى أن رغبة السودان في تحقيق السلام في افريقيا الوسطى لم تكن وليدة اللحظة وانه سبق لبانغي ان طلبت وساطة السودان منذ العام 2014 م، وفي العام 2016 اعلن الرئيس البشير أن أمن وتنمية واستقرار إفريقيا الوسطى من أمن واستقرار السودان، وأن السودان سيعمل على دعم الأشقاء في البلد المجاور من أجل تحقيق المصالحة بينهم. لكن كثير من المتغيرات الدولية حالت دون ان يقوم السودان بدوره الإقليمي والمحوري في القارة، غير ان التأييد والدعم الدولى لمبادرة سلام افريقيا الوسطى أعاد السودان بقوة لدوره في الحفاظ على السلم والأمن في القارة الأفريقية خاصة بعد نجاحه في تحقيق السلام بدولة جنوب السودان ، تماشياً في استراتيجيته الرامية الى تحقيق الجوار الآمن كواحدة من متطلبات الأمن السياسي لكل الأطراف، مما يؤهله ليصبح شريكاً معتمداً في صناعة الإستقرار والتنمية بالقارة الأفريقية. صحيح ان سعي الخرطوم لتحقيق السلام ببانغي لم يكن لمصالح ذاتية لكن لاشك أن للسودان مكاسب من نجاح مبادراته الإقليمية والدولية مما يمكنه من الإستفادة منها في تغيير نظرة المجتمع الدولى تجاه عدد من الملفات وعلى رأسها ” الإرهاب –حقوق الإنسان) وفي هذا الإطار تقول السفيرة رحمة صالح العبيد ان دور السودان الآن في تحقيق الاستقرار الإقليمي، لا يمكن تجاهله خاصة بعد توقيع اتفاقية دولة جنوب السودان والدور المحوري الذي يضطلع به في تحقيق السلام بدولة أفريقيا الوسطى، مشيرة الى ان هنالك إرتباط وثيق بين السلام والاستقرار وحقوق الإنسان لأن تحقيق السلام والاستقرار يؤثر إيجاباً في تحسين وترقية أوضاع حقوق الإنسان بالدولة المعنية. معلوم ان المنطقة الأفريقية الآن يعاد تشكليها وان السودان محور مهم في هذا التشكيل نظراً لموقعه الإستراتيجي واهتمامه بتحقيق الأمن والإستقرار في دول الجوار بدءاً بجنوب السودان وجهوده لإحلال السلام في ليبيا وكذلك افريقيا الوسطى التى يعتبر أن السلام والاستقرار فيها ضرورة لابد منها. وبعد اعلان المشاركة الدولية في مفاوضات الخرطوم ورغبة بانغي في تحقيق السلام تحظى الخرطوم بتسجيل اراقم قياسية في المصالحات الدولية.