القاهرة(smc)المصري اليوم التقت المصري اليوم أحمد إبراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني السوداني خلال زيارته للقاهرة هذة الأيام . وأوضح الطاهر طبيعة الأزمة الحالية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الحاكم في السودان، وكذلك آخر ما وصلت إليه الأوضاع في إقليم دارفور، وأرجع معظم هذه الأزمات إلي تدخل القوي الخارجية خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية وقال رغم أنها تبدو كوسيط في مفاوضات السلام فإنها تدعم حركات التمرد الرافضة لاتفاق السلام في الجنوب. وكشف عن حالة عدم الثقة بين الجنوبيين والشماليين التي يتم في ظلها تنفيذ بنود اتفاق السلام، وألقي باللوم علي أجهزة الإعلام التي تتعمد المبالغة في تصوير حقيقة الأزمة الحالية التي تفجرت بعد إعلان الجنوبيين تعليق مشاركتهم في الحكومة السودانية. * كيف تري الأزمة الحالية التي تهدد اتفاق السلام في السودان؟ - الأوضاع بصفة عامة طبيعية، بغض النظر عن الأزمة الحالية، لكن أؤكد لك أن تنفيذ بنود اتفاق السلام وصل إلي مرحلة متقدمة للغاية، وتقوم جميع القطاعات بتنفيذ ما يخصها وفق جدول زمني محدد، وعلي سبيل المثال، نحن في المجلس الوطني البرلمان أنجزنا الكثير من مهامنا التشريعية المرتبطة بالاتفاق، وقام مجلس الوزراء بتنفيذ ما عليه من جوانب تنفيذية، الجميع يتضافر لتنفيذ بنود اتفاق السلام. * لكن الجنوبيين اتهموا الحكومة السودانية الشماليين صراحة بعدم تنفيذ بنود الاتفاق؟ - حتي يطمئن الجميع بمن فيهم الجنوبيون، أؤكد أن الجانب الأكبر من اتفاق السلام تم تنفيذه، ومازالت أمامنا سنوات أربع لإتمام تنفيذ بقية البنود، وأعتقد أنه من الطبيعي أن تصادفنا بعض المشاكل العملية عند التنفيذ لكننا نحاول التغلب عليها، والمشكلة الحقيقية أن الاتفاقية تم توقيعها في أجواء مشحونة بعدم الثقة بين الطرفين. * القضية تجاوزت فكرة عدم الثقة بين الطرفين، وسارعت الحركة الشعبية لتحرير السودان بتوجيه انتقادات صريحة لحزب المؤتمر الحاكم، وعلقت مشاركتها في الحكومة احتجاجاً علي ما اعتبرته عراقيل يضعها الحزب الحاكم برئاسة البشير أمام تطبيق اتفاق السلام الشامل. حركة الجنوب تحاول بهذه السلوكيات التغطية علي كثير من مشاكلها الداخلية خاصة مشكلة تحولها من حركة عسكرية مقاتلة في الغابات إلي حركة مدنية سياسية تتعايش مع الواقع السياسي المعاصر، وهي مشكلة صعبة علي من اعتاد العمل من خلال العقلية العسكرية فقط، ولم يمارس العمل السياسي والديمقراطي، كما تعاني الحركة من عدم وجود كوادر تنفيذية، فكل خبراتهم عسكرية فقط، وغياب القدرة التنفيذية في مناطق الجنوب انعكس سلبياً علي هذه المناطق بعد انسحاب جهات كثيرة كانت تتولي تقديم الكثير من الخدمات، وانكشفت قدرات الحركة بعد أن تراجعت هذه الجهات. * هل يمكن القول إن ضغوط سكان الجنوب علي الحركة هي التي دفعتها للاحتجاج؟ - المواطن في الجنوب شعر بالإحباط وخيبة الأمل، وانعكس ذلك علي الحركة الشعبية التي تعاني من صراعات داخلية بدأت قبل توقيع اتفاق السلام، ولهذا يحاول بعض قادتها تحويل الأنظار عن هذه الصراعات الداخلية إلي التشكيك في التزامات حزب المؤتمر الحاكم تجاه السلام من خلال أجهزة الإعلام. * لكن الحركة تشير إلي خلافات حقيقية حول انسحاب القوات الشمالية من المواقع التي تتمركز فيها في الجنوب، وكذلك حول مصير منطقة إيبي الواقعة بين الشمال والجنوب والغنية بالبترول؟ - هناك آلية تم الاتفاق عليها بين الحركة كحزب سياسي، وحزب المؤتمر الحاكم لمعالجة هذه الأوضاع من خلال لجنة تضم رئيس الحركة ورئيس الجمهورية وأعضاء من الطرفين. * في مصر قول شائع إن أي موضوع نريد له أن يموت نشكل له لجنة؟ - بالعكس.. العمل السياسي ديناميكي ويومي ولا يحتمل التأخير، ولذلك لابد من وجود مجموعة عمل لحل المشاكل أولاً بأول، واللجنة التي أشرت إليها لديها جداول عمل وبرامج وآليات لتنفيذ بنود الاتفاق. * وما الذي عرقل ترسيم الحدود حتي الآن ؟ - هناك لجنة لترسيم الحدود وتأخرت الحركة في تعيين مندوبها في اللجنة منذ نوفمبر عام 2005 إلي مايو عام 2006، ولم يبدأ العمل إلا بعد تعيين هذا المندوب، واللجنة قاربت علي الانتهاء من عملها تقريباً بعد الاطلاع علي الخرائط المختلفة، ولم يبق لها إلا الزيارات الميدانية لتقسيم الحدود، وطالبت اللجنة رئاسة الجمهورية بتوفير الإجراءات الأمنية اللازمة لاستكمال عملها في هذا الجانب، ووافق رئيس الجمهورية ونائبه علي توفير هذه الإجراءات علي أن تبدأ عملية ترسيم الحدود فعلياً في فبراير عام 2008، علي أن تنتهي اللجنة من عملها تماماً في مايو من العام نفسه، وأعتقد أن الحركة بإثارة هذه القضية تحاول الضغط مبكراً علي حزب المؤتمر الحاكم الذي سيوافق في النهاية علي ترسيم الحدود. * وماذا عن الصراع حول منطقة إيبي؟ - لا مجال للمغالطة في هذه القضية التي يتم التعامل معها بمنتهي الشفافية والحساسية، فكل قطرة بترول يتم حسابها ورصدها إلي أن يتم بيعها، ويوزع عائدها من خلال كشف حساب يذهب إلي حركة الجنوب كل شهر، وتم ذلك حتي الشهر الماضي، وكان نصيب الجنوب من عائدات البترول عن هذا الشهر 153 مليون دولار. * هم يتحدثون عن ترسيم حدود المنطقة؟ - القضية شائكة، وفجرتها اللجنة الفنية برئاسة سفير سابق للولايات المتحدةالأمريكية في السودان اشتهر عنه التلذذ بعذاب السودانيين، وكانت اللجنة مكلفة بمهمة محددة فقط هي تحديد الشريط الذي تم ضمه أيام الاحتلال الإنجليزي عام 1905 من منطقة بحر الغزال إلي منطقة كردفان، ورفعت اللجنة تقريرها إلي رئيس الجمهورية واعترفت فيه بعجزها عن تحديد الشريط، وقدمت مقترحات أخري لا علاقة لها بمهمتها الأصلية، وهي لعبة سياسية تلعبها بعض الدوائر الأمريكية لتعقيد الأمور في السودان. * الجنوبيون يتحدثون عن عدم انسحاب قوات الشمال في 19 يونيو الماضي حسب نص الاتفاق؟ - هذا ما تم نقله عن التقرير الصادر عن الأممالمتحدة كجهة تراقب التنفيذ، وهذا التقرير أكد أن الجيش السوداني سحب 86% من قواته من الجنوب، بينما لم تسحب الحركة الشعبية إلا 8% فقط من قواتها في الشمال، والحركة تثير القضية إعلامياً لتغطي عدم التزامها بتنفيذ هذا البند من الاتفاقية. * وهل ينص الاتفاق علي انسحاب الطرفين بنسبة 100%؟ - نعم، والمفترض أن تكون القوات الوحيدة في الجنوب هي القوات المشتركة التي تم إنشاؤها بقانون صادر عن المجلس الوطني، وكذلك قوات الشرطة التي يجب أن تحل محل الجيش الثاني للحركة الذي يجب أن يعود إلي ثكناته، وهذا الجيش هو الذي يقوم بعمل الشرطة في كل القري والمدن في الجنوب. والقضية في الجنوب شائكة والحركة تشعر بحرج لعجزها عن تقديم الخدمات للمواطنين هناك، رغم الأموال الكثيرة التي حصلت عليها والتي وصلت لأكثر من 3 مليارات دولار لا يعرف أحد أين ذهبت. * أليس من حقكم مناقشة هذه الأمور في المجلس الوطني؟ - هناك مجلس الجنوب المنوط به وضع الميزانية السنوية ومراقبة الصرف، ولكنه لم يقم بدوره، ولك أن تعلم أن الحركة لم تقم بتعيين مراقب حسابات، فهل تتخيل أن دولة أو حكومة لا يوجد لديها مراقب حسابات وتصلها أموال شهرية تقدر بملايين الدولارات، هذا هو الوضع هناك. * هل هذا ما يهدد الاستقرار في الجنوب ويشير إلي عودة الحرب الأهلية مرة أخري؟ - الحرب الأهلية لن تعود لكنه يشير إلي عدم الاستقرار في الجنوب. * وهل ينعكس عدم الاستقرار هذا علي الشمال؟ - بالقطع، فالجنوب جزء مهم من الشمال، وقلوبنا مع الحركة، ويمكن علاج كل هذه الأمور بالتعاون بين حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية شريطة الالتزام بالأسس التي يقوم عليها نظام الدولة. * هل تري أن وفاة جون قرنق ساهمت في تفجير كل هذه المشكلات؟ - قرنق كان يتمتع بشخصية قيادية، وكان قادراً علي التحكم في الحركة رغم وجود تيارات مختلفة ومتصارعة أحياناً. * وهل سلفا كير غير قادر علي القيام بهذا الدور؟ - لكل شخص قدراته، وسلفا كير رجل عسكري منضبط، ولكن وصوله المفاجئ للقيادة أثار الكثير من المشكلات حوله. * ننتقل إلي الدور المصري، وزير الخارجية أحمد أبوالغيط، والوزير عمر سليمان ذهبا مؤخراً للجنوب، فهل تتوقع نتائج إيجابية لهذه الزيارة؟ - الدور المصري في السودان مهم جداً ونحتاجه بشدة، لأن السودان أصبح مطمعاً لقوي دولية عديدة، ومن الطبيعي أن يتوجه وزير الخارجية المصري للجنوب لمعرفة ما يجري علي أرض الواقع، وفي ذلك حماية لأمننا القومي المشترك. * الرئيس عمر البشير أجري تعديلاً وزارياً استجابة لرغبة الجنوبيين، فهل يمكن لهذا الإجراء أن يساهم في حل الأزمة الحالية؟ - للحركة الحق في ترشيح بعض الوزراء، لكن الأمر يخضع أولاً للتوافق بين رئيس الجمهورية ونائبه، ولرئيس الجمهورية الحق في إبداء بعض الملاحظات علي بعض المرشحين. * هل يقف حقه عند مجرد إبداء الملاحظات، أم يصل إلي إصدار القرار أيضاً؟ - بالقطع هو الذي يصدر القرار. * لكنهم حتي الآن مازالوا متمسكين بتعليق مشاركتهم في الحكومة؟ - هذه الأزمة انتهت تقريباً وليست شائكة كما صورتها أجهزة الإعلام * أشرت إلي الأمن القومي المشترك بين مصر والسودان فهل الأزمة في الجنوب تهدد هذا الجانب؟ أمن الجنوب في السودان هو جزء من الأمن القومي لمصر، ومصر تعلم جيداً أن هناك قوي تريد أن تطوقها عن طريق الجنوب، كما تعمل هذه القوي علي إضعاف السودان حتي لا يشكل سنداً لمصر. * هل تعني بهذه القوي أمريكا وإسرائيل؟ أنت تعرف من أقصدهم تماماً، وجميعنا نعرف أن لإسرائيل دوراً في تصعيد الأزمة في دارفور. * وهل هناك خطورة علي منابع النيل؟ إذا انفصل جنوب السودان عن شماله فإن هذا يعني سيطرة إسرائيل علي ما يقرب من ألف كيلو متر من نهر النيل. * وماذا عن الوضع الآن في دارفور؟ نرجو أن تكلل جهود الاتحاد الأفريقي بالنجاح لحل الأزمة، لكن المشكلة ترجع إلي تعدد الحركات الانفصالية في الإقليم، وكل حركة تعزز علاقاتها بالأطراف والقوي الخارجية التي تدعمها وترعاها، وقادة هذه الحركات ينعمون الآن بالاستقرار في أوروبا تحت غطاء سياسي وإعلامي، ولا وجود لهم علي الأرض في دارفور. * البعض يتهم النظام السوداني بأنه وراء كل هذه الأزمات سواء في جنوب السودان أو غربه؟ الدعاوي كثيرة، رغم أن الحرب في جنوب السودان بدأت قبل خمسين عاما والنظام السوداني الآن هو الذي يقوم بنفسه بتنفيذ اتفاق السلام مع الجنوب، وفي دارفور كانت توجد 200 مدرسة فقط في جميع أنحاء الإقليم وصلت في ظل النظام الحالي إلي 1900 مدرسة، ولم يكن بالإقليم جامعة واحدة، ويوجد الآن ثلاث جامعات، ولم يكن هناك سوي 6 مستشفيات وصلت الآن إلي 25 مستشفي. * لكن هناك حتي الآن فقراً ومجاعة؟ أقصد مما ذكرت أن أوضح جهود النظام السوداني هناك عكس الأنظمة السابقة التي لم تفعل شيئاً، وأعتقد أن الحرب هناك تقع ضمن المخططات نفسها التي فجرت الوضع في الجنوب. * الخطاب يتكرر.. عندما تعاني الأنظمة العربية من مشكلات في الداخل تتهم القوي الخارجية.. إلي متي نعتمد علي نظرية المؤامرة؟ لا نلقي اتهاماتنا في وجه أحد بلا دليل فالشواهد كثيرة، فحركات التمرد في خلال عدة أشهر تم تزويدها بأحدث الأسلحة وأجهزة الاتصالات في مناطق كانت متخلفة لأبعد مدي، والجيش السوداني نفسه لا يملك بعض الأسلحة التي في حوزة هذه الحركات الآن، ولدينا ما نؤكده حول دور الولاياتالمتحدة وفرنسا وألمانيا في إيواء قادة حركات التمرد. * وكيف تري الدور الأمريكي تحديداً؟ أمريكا هي رأس الحربة، وهي وراء كل الحروب رغم أنها تبدو وكأنها تقوم بدور الوسيط، ورغم أن أمريكا سعت إلي بدء مفاوضات السلام، فإنها بمجرد توقيع الاتفاق تحولت إلي تبني الحركات التي لم توقع الاتفاق بدلاً من تقديم الخدمات لأبناء السودان وإعادة إعمار الجنوب. * هل زيارتك لمصر تناولت مع المسؤولين الوضع في الجنوب وحدود الأزمة الحالية؟ جئت في زيارة خاصة لإطلاع المصريين علي مجريات الأمور.