فشل كل خبراء السياسة في السودان وحتى أولئك المتخصصون في العلاقات السودانية الأمريكية في معرفة النوايا الأمريكية الحقيقية تجاه السودان وبمعنى أكثر دقة: ماذا تريد أمريكا من السودان؟ معاداة السودان شعار أمريكي ظل مرفوعاً منذ قدوم حكومة الإنقاذ في السودان عام 1989م بإعتبارها حكومة ذات توجه إسلامي. وعلى الرغم من التغييرات السياسية التي حدثت للحكومة إلا أن أمريكا ظلت على نفس العداء فقد تبنت الحركة الشعبية بعد الزعيم القذافي وتبنت التجمع الوطني الديمقراطي سياسياً ومالياً. وظلت توجهه حتى أنها خصصت مرتبات دولارية لأعضاء هيئة قيادة التجمع شهرياً. وفشلت كل محاولات الود وإبداء حسن النية التي أطلقتها الحكومة السودانية أمريكا إلى أن جاءت أحداث تفجير برج التجارة العالمي التي عرت أمريكا حتى كشفت عورتها للعالم أجمع. وسعت أمريكا لكسب ود السودان واستجاب السودان لهذه الرغبة وأبدى تعاوناً لم يسبق له مثيل وقدم للمخابرات الأمريكية كل ما تريد من معلومات وصححت الحكومة كل المعلومات الخاطئة حول الوجود الإرهابي في السودان. وسهلت زيارة كل المواقع التي كانت تعتقد أمريكا أنها مراكز لتدريب الإرهابيين وبكل ذلك كانت الحكومة السودانية تريد أن تقدم صورة حقيقية للسودان وان تمحو من الذاكرة الأمريكية كل ما علق بها من معلومات كاذبة وغير حقيقية في أمر إيواء الإرهابيين ودعمهم. وخرجت فرق تفتيش المخابرات الأمريكية من السودان بصورة واضحة وكنا نعتقد أن ذلك التعاون الشفاف والصادق سيأتي بنتائج باهرة لصالح السودان وصالح العلاقات السودانية الأمريكية ولكن لم يحدث أي تطور إيجابي. كان السودان يتوقع أن يرفع إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع الحصار الاقتصادي ورفع كافة العقوبات الأخرى وان يتم تطبيع العلاقات السودانية الأمريكية بعد أن تأكدت فرق التفتيش الأمريكية من سلامة الموقف السوداني. لكن أي خطوة من تلك الخطوات التي توقعتها الحكومة السودانية لم تحدث. إن الذين يعرفون السياسة الأمريكية توقعوا الذي حدث لأن أمريكا تخاف من الدول القوية ولا تحب الدول الضعيفة وان تقديم أي تنازلات لأمريكا مهما كان حجمها فإنها تطمع في المزيد وتريد دائما تعرية الأنظمة المعارضة لها تعرية كاملة ولكن قطعة قطعة على إيقاع موسيقى الستربتيز. انظروا إلى السياسة الإيرانية تجاه أمريكا وكيف أخافت صلابة الموقف الإيراني أمريكا بكل قوتها ثم تذكروا الموقف الكوبي الأكثر صلابة تجاه أمريكا حيث جعلت أمريكا نمراً من ورق ولا تنسوا حزب الله وزعيمه التاريخي الشيخ حسن نصر الله الذي ادخل الرعب في إسرائيل وأمريكا والرعب الذي ادخله بن لادن أيضاً واضح جداً. أمريكا تريد الدولة القوية والرئيس القوي والشعب القوي المتماسك والموقف الصلب الذي لا يعرف المزايدة أو الرضوخ. نحن نريد علاقات متوازنة مع أمريكا كل يعرف حدوده وكل يحترم الآخر لكن سياسة الكيل بمكيالين لا نحبها ولا نريدها وعلى أمريكا عدم التعامل بها معنا. نحن نعلم أن أمريكا تقف مع تجزئة السودان وتعمل على فصل الجنوب منذ أن أصرت على الجنوبيين لوضع حق تقرير المصير للجنوب ثم بعده قانون المشورة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان. كما أن أمريكا فرغت ومنذ فترة طويلة من إعادة النظر في خارطة الشرق الأوسط بحيث تريد إعادة تركيب هذه الخارطة بإسقاط كل الأنظمة التي لا تتماشى مع سياساتها وترتيب أنظمة بديلة لها من الأحزاب والقوى المؤيدة لها والسودان واحد من هذه الدول. وكان آخر أمل في الرئيس اوباما وانتهاجه سياسة مغايرة إلا أن أسلوبه في العمل السياسي خيب الآمال بحيث ظلت السياسة الأمريكية كما هي عليه أيام بوش السيئة. لقد تأكد أن السياسة الأمريكية لا يضعها الرؤساء وإنما هي ثوابت لا يستطيع أي رئيس أن يخرج منها. وجاء اغتيال ( الخواجة) غرانفيل على أيدي شباب من الحركات المتطرفة إحتجاجاً على سياسة أمريكا تجاه السودان. وتم القبض عليهم ثم فوجئنا بهروبهم من سجن كوبر الأمر الذي أزعج الحكومة الأمريكية وأجهزتها المختلفة. إن هروب هذه المجموعة من شأنه إخافة الإدارة الأمريكية وموظفيها في الخارج إذ تؤكد لأمريكا أن هناك رجالاً شجعاناً يستطيعون مواجهتها نهاراً جهاراً. إن هروبهم أصبح بمثابة إشارة لأمريكا التي تخاف الرجال الملتحين والمتطرفين كذلك. وأمريكا لا تريد سوداناً موحداً ولا سوداناً قوياً لذلك مطلوب من الحكومة التعامل مع أمريكا بشروط جديدة وان لا تقدم لها أي تنازلات أو خدمات بلا مقابل ويجب أن تشترط على تطبيع العلاقات على رفع العقوبات ورفع إسم السودان من قائمة دعم الإرهاب لأن أرض السودان خالية من الإرهاب والإرهابيين. نريد علاقات متوازنة تخدم مصالح الشعبين السوداني والأمريكي لا علاقات وصايا وتقديم خدمات بلا مقابل.