عبد اللطيف البوني ان تقاطع حكومة الولاياتالمتحدة السودان كدولة وتضعه في قائمتها السوداء بحجة انه يدعم الارهاب وان تفرض عليه حصاراً اقتصادياً من جانب واحد، هذا شأن يخصها ويمكن ان نقول من حقها، نختلف أو نتفق معها في الحيثيات التى بنت عليها سياستها، فمن حق أية دولة عظمى كانت كالولاياتالمتحدة أو حتى دولة من وزن «ناس قريعتي راحت» ان تكيف سياستها الخارجية بالطريقة التى تريد، ولكن ليس من حق الولاياتالمتحدة ان تفرق بين السودانيين بسبب الدين والعرق أو أي شىء من هذا القبيل لانها وان فعلت ذلك - ويبدو انها قد فعلت - تكون قد سعت الى إشعال نار الفتنة بين السودانيين. نعم يوجد في السودان تمايز وتباين عرقي وعنصري قبل ان تظهر الولاياتالمتحدة نفسها الى حيز الوجود، لا بل قبل ان يظهر السودان الحالي نفسه ولكن ليس من حق الولاياتالمتحدة ان تستغل هذا التباين لتنفيذ استراتيجيتها «القاطعاها من رأسها» على حساب البشر. مناسبة هذه الرمية هي ان الولاياتالمتحدة كما هو معلوم في حالة قطيعة اقتصادية من جانب واحد مع السودان، في الاسبوع الماضي قد قررت الولاياتالمتحدة رفع هذه العقوبة عن جزء من السودان، الذى يتبادر الى الذهن انها سوف تستثنى الجنوب أي ترفع العقوبات عنه أو تقلص مقاطعتها الاقتصادية عن الجنوب، ولا شك ان في هذا خطلاً وسوء نية ولكن يمكنها ان تبرر ذلك وتقول ان الجنوب بموجب نيفاشا قد اصبح شبه مستقل وان حكومته لا ذنب لها فيما كان يجري في السودان في مطلع التسعينات فهي لا صلة لها ببن لادن ولا المؤتمر العربى الاسلامي ولا امريكا روسيا قد دنا عذابها فبالتالى يجب ان يستثنى الجنوب نتيجة لوضعه الدستوري الجديد، فمن ناحية اجرائية يمكن ان يكون الاستثناء ناجعاً لأنه كما ذكرنا ان الجنوب اصبح أقرب الى الدولة المستقلة منه الى ان يكون جزءاً من السودان وبموجب اتفاقية السلام الشاملة ويبدو ان كلمة شاملة قد اختيرت بعناية لتنفذ الاتفاقية الى ما بعد السلام، ويمكن للولايات المتحدة ان تضيف بعداً انسانياً لاستثناء الجنوب من مقاطعتها الاقتصادية كأن تقول ان هذا الجزء من السودان يحمل الكثير من أوزار السياسة السودانية وانه ما زال يعيش في العصر «الغابي» ففي هذه الحالات يمكن ان يكون الأمر مبلوعاً وان لم يكن مقبولاً ويمكن ان نقول «المال تلتو ولا كتلتو» وبارك الله في اليانكي الذى حنّ قلبه على الجنوب ويمكن ان نحاجج المستنكرين بالقاعدة الاصولية «ما لا يدرك جله لا يترك كله». لكن الولاياتالمتحدة بدلاً من ذلك أي الاكتفاء برفع عقوباتها الاقتصادية الآحادية من الجنوب اضافت جبال النوبة والنيل الازرق وابيي ودارفور وبعض معسكرات النازحين حول الخرطوم تحديداً مايو والسلام وود البشير وسوبا وأسمت كل هذه الجهات والمناطق المستنثاة بالمناطق المعينة، اما بقية جهات السودان التى لم ترفع عنها العقوبات أسماها القرار الامريكي بالمناطق الأخرى. وبهذا تكون الولاياتالمتحدة قد تجاوزت الهلال القديم لانها قد دخلت قلب السودان بالمعسكرات اي اضافت له نجمة واخرجت الشرق وأطراف الشمال، وهكذا لا تعيد الولاياتالمتحدة الى الاذهان قانون المناطق المقفولة الذى استنه المستعمر الانجليزى في السودان 1922م بل أعادت الى الأذهان مؤتمر برلين 1884م، حيث وضعت القوى الأوروبية خارطة افريقيا على الطاولة وأعملت فيها سكين التقسيم دون مراعاة للبشر الموجودين على الأرض فكانت افريقيا بالنسبة لهم ورقة تكتب فيها ما تشاء، وغداً ان شاء الله نواصل.. الرأي العام