الخرطوم: محمد الشيخ حسين مع تطور وتزايد مكانة الترفيه في واقع الحياة السودانية، سعى الأفراد والمؤسسات الصحافية لإصدار صحف أو ملاحق جديدة لما يمكن تسميته بصحافة المنوعات. وغالبا ما تعلن هذه الإصدارات أنها غير تقليدية في الطرح وأسلوب المعالجة. وترتبط هذه الظاهرة عن هواة ومدعي العولمة بمسألة أن صحافة المنوعات حدودها الفضاء الرحب لا البقعة الجغرافية المحدودة. ولكن يفوت على هواة العولمة ومدعيها أن هذه المسألة تصطدم بمقولة رددها بيل جيتس تؤكد أن «مستقبل الصحافة المطبوعة يتمثل في استخدام إنترنت». آفاق جديدة بغض النظر عن طريقة تعاملنا مع مقولة جيتس، فإن سؤالا جوهريا فحواه هل تفتح الصحيفة لنفسها باستخدام إنترنت آفاقا جديدة أم تسلك طريقا لا تعرف نهايته؟ ولا يسعنا المجال هنا لمعرفة واقع الصحافة السودانية من استخدام الشبكة العنكبوتية؟ ومعرفة هذا الواقع مهمة جدا لتحديد كيفية تعامل «صحافة المنوعات» مع الكم الهائل من المادة العالمية في مختلف المجالات، هل ستضع في صفحة واحدة على شكل بانوراما أم توزع على الصفحات من جهة ملاءمة المادة لطبيعة الصفحة؟ ويثير هذا السؤال قضية ثانية تتمثل في كيفية التعامل مع إنترنت، هل نتعقب المواقع العربية بواسطة محرر متفرغ للأمر لنستخرج طريفها وغريبها وننشرها للقراء، أم نرصد المواقع الأجنبية بكل بلاويها لننشر الجديد والمفيد والطريف؟ وننبه إلى أن التعامل مع إنترنت العربية أو الأجنبية ربما يجعلنا مواكبين وأصحاب جريدة «شيك»، لكنه لن يجعلنا متميزين البتة، ذلك أن الجميع سينشر معنا أي طريف ومثير بث عبر إنترنت. ولست في حاجة إلى تأكيد أننا لن نختلف في رفض التعامل مع إنترنت بطريقة القص واللصق التي تسود بها بعض صحف الخرطوم. استخدام خاطئ غير أن البروفسيور علي محمد شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية مستندا على وقع خبرته الممتدة لنحو نصف قرن من الزمان في مجال وسائط الإعلام، يرى أن المسألة تأخذ بعدين، الأول: أن الإنترنت توفر مصدرا هائلا من المواد المتنوعة من كل أنحاء الدنيا. أما البعد الثاني، فهو أن الصحافة ينبغي أن تؤدي رسالتها مستعينة بالإنترنت لتوفير المواد الني لا تتاح لها محليا. لكن الحاصل ألآن، والاستدراك للبروفسيور شمو أن الصحافة تعول كثيرا على الإنترنت في تعبئة صفحاتها، بدليل أنك تجد الصورة الواحدة المأخوذة من الشبكة الدولية تتكرر في أربع أو خمس صحف, بل أن بعض الصحف تنشر موادا من الإنترنت مضى عليها أربعة أو خمسة أيام. ويستطرد البروفسيور شمو في بعض الأحيان تنقل الصحف من الإنترنت مقالات دون مراجعتها بدقة، وقد دخلت أكثر من صحيفة في مشاكل قانونية بسبب النقل الخاطئ من إنتنرت. ويصل البروفسيور شمو في ختام حديثه إلى أن الاستعانة بمواد إنترنت بالصورة الحالية يعد استخداما خاطئا ولا يخلو من كسل ويقتل تميز الصحيفة من حيث التفرد في الموضوع والصورة. بيئة مضطربة العودة إلى الواقع السوداني، يشير إلى أن (صحافة المنوعات) تعمل حاليا في بيئة جديدة ومضطربة ومتغيرة وفي ظل مستقبل غير واضح المعالم، وينبغي علينا أن نجتهد للإجابة عن سؤال أساسي هل إصدار صحيفة يومية للمنوعات هو المجال الأمثل للاستثمار في الصحافة؟ يضج الواقع السوداني حاليا بعدة تجارب لصحف تعتمد على أساليب عدة متفاوتة ومختلفة، ولكن أيا من هذه التجارب لم يرتفع بالصحافة إلى مستوى صحيفة المنوعات المتكاملة. وهنا يبرز حلم تحقيق هذا المستوى المفقود عبر «صحافة المنوعات». وقبل أن نسرح مع هذا الحلم في تهويمات لا طائل منها، نود أن نقترح مثلثا ذهبيا لنجاح هذه الصحافة الجديدة المرتقبة. 1 علاقة حميمة مع القارئ 2 إدراك ذكي للأحداث من حولنا 3 حرية في النشر يحد مداها القضاء ويتطلب الضلع الأول الاهتمام بالأسلوب المعلوماتي ذي الجملة القصيرة الرشيقة ذات الواقع المباشر في النفس دون إطناب أو حشو والبعيدة عن اللغة الدارجة أو الركيكة. فهل يمكن وصف المواضيع التي نطالعها في صحافتنا بأنها معلوماتية ورشيقة أو تحمل جديدا في طريقة الكتابة والتناول؟ ملك المنوعات يعتبر الأستاذ كمال حسن بخيت رئيس تحرير صحيفة «الرأي العام» اليومية المستقلة، ملك المنوعات في الصحافة السودانية، بحسبانه أول من باشر إعداد المادة المنوعة بصورة راتبة في الصحافة السودانية منذ مطلع السبعينيات، وله في هذا المجال أسهامات مقدرة، فهو أول من أعد «ميني تحقيق» لموضوع منوعات صغير في حدود 300 500 كلمة، و«وجه وعقل» الذي يستضيف الآنسات والسيدات اللائي يبرزن في مجالات مختلفة. لكن الأستاذ بخيت بدا حزينا حين سألته هل يمكن وصف المواضيع التي نطالعها في صحافتنا بأنها معلوماتية ورشيقة أو تحمل جديدا في طريقة الكتابة والتناول؟ وكانت إجابته ب «لا في كثير من الحالات، فقد غابت الرشاقة واختفت المعلومات وسيف المحاكم مسلط على الرقاب، إذ أي معلومة تنشر تقود الصحيفة المحاكم دون اجتهاد من الشاكين في إثبات التهمة وتصبح النتيجة تحقيقات واستدعاءات تضيع الكثير من وقت وجهد الصحيفة». ويخلص الأستاذ بخيت إلى أن (صحافة المنوعات تزدهر في مناخ واسع من الحرية، إذ أن الحرية المحدودة التي تتحرك فيها الصحافة الآن تقف حجر عثرة أمام تطور صحافة المنوعات، لأن مجرد نشر صورة فتاة جميلة كانت أم دميمة يدخل الصحيفة في تعقيدات ومشاكل مع جهات مختلقة ومتنوعة في طرق احتجاجها على النشر). معايير صارمة تبرز أهمية الاتفاق علي معايير صارمة في الألقاب والصفات، فالتقليد العالمي أن الذي يحمل لقبا علميا مثل الدكتوراه يسبق اسمه لفظ دكتور، والذي لا يحمل هذا اللقب يكتب اسمه مباشرة دون لقب حتى لو كان السيد الصادق المهدي. وهناك قضية الصفات التي تمنح في الصحف بلا حساب، فكلمات المبدع الفذ النابه المدعي ... الخ، ينبغي الاتفاق على طريقة للتعامل معها، فإذا تجاوزنا وقلنا ننشر في هذا العدد قصيدة للشاعر الفذ أبو الطيب المتنبي، فهل يمكن أن نطلق الوصف نفسه على غيره من الشعراء المحدثين. الضلع الثاني المتعلق بالإدراك الذكي للأحداث من حولنا يتطلب تطوير مخزون ثقافي مشترك بيننا حتى نفكر بطريقة منظمة ليست فيها رؤية «مشاترة»، فضلا عن أن في هذا العنصر يكمن الطرح الجديد الذي يمكن أن نزعم أننا بصدد إضافته لصحافة المنوعات في السودان. وهو العنصر الذي سيربطنا أكثر بالقراء ويجعلهم أكثر تواصلا معنا ومساهمة في تحرير الجريدة ومدها بالأخبار والأسرار والأفكار وكافة البلاوي. أما الضلع الأخير فيرتبط بحرية النشر والجرأة في التناول وهذه مسألة مبدئية تتطلب منا أن ننشر بكل شجاعة كل ما نظن أنه صادقا ومفيدا دون اعتبار لأية اعتبارات أخرى، ولنجعل القضاء هو الذي يحدد مدى حريتنا في النشر والتناول. ولست في حاجة إلى تأكيد أن النشر لن يمس العقيدة أو يخدش الحياء العام لكريم معتقدات الشعوب غير المسلمة التي تقطن في بلاد السودان. مخزون ثقافي هل تسهم صحافة المنوعات في تطوير مخزون ثقافي بين القراء في بلاد المليون ميل مربع؟. يتصدى البروفسيور علي عثمان محمد صالح أستاذ الآثار في جامعة الخرطوم، ورئيس اتحاد الأدباء والكتاب السودانيين، للسؤال بتوضيح أن النموذج المثالي في الذهن لصحافة المنوعات هي مجلة «صباح الخير» المصرية بشعارها الذي أطلقه أستاذ الجيل أحمد بهاء الدين «للقلوب الشاية والعقول المتحررة». ويستطرد «وما زالت في ذهني كتابات زينب صادق وخواطر نادية عابد وقصص صبري موسى». ويتابع «يمكن لصحافة المنوعات أن تسهم في خلق مخزون ثقافي، بتوفير معرفة خفيفة متنوعة ودسمة بشرط الخلو من الإسفاف ونشر الفضائح أو المستور، لأن في كل ثقافة مجتمعية هناك أشياء مسكوت عنها يقتضي الذوق العام عدم الخوض فيها». ويشير البروفسيور صالح إلى وظيفة أخرى لصحافة المنوعات تتمثل «في قطع الرتابة خاصة لمنهمك مثلي في القراءات الجادة وتلاوة القرآن والتمعن في تفاسيره». ويشترط لنجاح صحافة المنوعات أن «تخاطب العقل من حيث التبوبيب الجذاب وتريح العبن من حيث الصورة المعبرة». أما الأسلوب عند البروفسيور صالح فلابد أن «يكون سلسا من جمل قصيرة مباشرة ورشيقة، بحيث يحس القارئ بالهدوء واكتسابه لمعلومات جديدة تثري ذاكرته وتنعشها». ويدعو البروفسيور صالح صحافة المنوعات، إلى الاهتمام بإعادة كتابة تاريخ الأحداث والناس بصورة معقولة تجعل القارئ يقارن الحاضر بالماضي ويستشرف المستقبل. لكنه يصل إلى أن دعوته تصطدم بأسف فحواه أن دعوته هي العنصر المفقود في صحافة المنوعات. ويقول «سبب ابتعادي عن صحافة المنوعات حاليا، ولا أفقد شيئا». سؤال حائر من هو جمهور «صحافة المنوعات»؟ وهو سؤال أساسي حائر لا تعرف الصحافة السودانية الآن إجابته، فهي لا تعرف بدقة من هو جمهورها، ولا كيف يتعاملون مع الصحيفة ولا عاداتهم القرائية؟ وقد يتطلب هذا السؤال استثمار كل الزخم المصاحب لعملية التحول الديمقراطي في جذب السودانيين نحو أهداف واضحة وبرامج محددة تطعهم من جوع وتأمنهم من خوف. ويستطيع الدكتور هاشم محمد محمد صالح الجاز الأمين العام للمجلس القومي للصحافة أن يسهم في الإجابة عن السؤال الحائر، بتأسيس إدارة أو قطاع أو لجنة طوعية أهلية تقوم بمهام التحقق من الانتشار عبر جدوال إحصائية ورصد دقيق لأرقام التوزيع ومدي الانتشار الجغرافي للصحف. ويمكن لهذه المجموعة أن تصدر تقريرا كل ثلاثة أشهر يقدم الأرقام مجردة، فأرقام توزيع الصحف ومدي انتشارها ليست سرا حربيا أو عملا ينبغي التكتم عليه، دون أن نخشى من ظهور صحيفة تطبع خمس آلاف نسخة، لكن مرتجعاتها ثمان آلاف نسخة. وربما تضيف أبواب الخدمات التفاعلية جديدا للصحيفة في تعاملها مع القراء ومعرفة اتجاهاتهم من جهة توفير خدمات البحث عن السلع والوظائف وتلبية سائر الاهتمامات الحياتية الأخرى. وهذه أمور تستدعي التفكير في طرق أداء جديدة أو رصد التجارب والتطورات التي تحدث في العالم من حولنا، فهل من مجيب. الصحافة