في محاولة أخرى لظاهرة الخيبة في مسعى العودة إلى الساحة السياسية، أعلن رئيس حزب الأمة الإصلاح والتجديد مبارك عبد الله الفاضل ما وصفها بمبادرة جديدة قال إنه جرى التفاهم والتشاور والتنسيق بشأنها من قبله مع كل من حزب الأمة القومي وما يُسمى بقطاع الشمال في الحركة الشعبية بقيادة ياسر عرمان، وهي مبادرة لا تعدو كونها مجرد تعبير جديد عن طبيعة العلاقة القائمة بين مبارك الفاضل وياسر عرمان في إطار ما يمكن وصفه بأنه رهان خاسر على أضغاث الأحلام والأوهام الزائفة والمفتقرة للسند الموضوعي والمنطق العلمي والعملي، كما ظلت متجسدة ومتمثلة بصورة لافتة وصارخة وواضحة في السياق الذي يعبّر عنها طيلة الحقب والمراحل والفترات المنصرمة والأوضاع الراهنة، حيث تعود جذورها إلى فترة التحالف على أسس وقواعد واهية وواهمة سابقة بين الحركة الشعبية وحزب الأمة ضمن تجمع المعارضة المدبرة بعد أن تعرضت لهزيمة تولت إثرها وآلت إلى الانهيار الحتمي والسقوط في هاوية التهلكة المدمرة للمعارضة الشمالية التي كانت متحالفة مع الحركة الشعبية ومنخرطة في التوظيف لها ودفعها للانسياق على القيام بممارسة طائشة وانتهاكات سافرة للمعايير الخاصة بضرورة المحافظة على المصلحة الوطنية العليا والاعتناء بها والارتقاء إليها وتوفير الحماية لها ووضعها في المرتبة اللائقة من حيث الرفعة، ونبذ ورفض ودحض أي مساومة عليها وعرضها للمقايضة المذلة المبتذلة على النحو الذي حدث في تلك الفترة الدخيلة التي ستبقى حية ومتقدة في الذاكرة الوطنية وغير مغتفرة بالنسبة للأطراف التي سقطت بالمشاركة فيها، وذلك قبل أن يبادر زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار الصادق المهدي إلى السعي الحثيث للخروج المتملص منها ولكن دون جدوى بعد أن دفع ثمناً ومهراً غالياً لها، وظلت وصمة عار لاحقة وملتصقة به وثقيلة الوطأة الشديدة الحدة، إضافة إلى التأثير السلبي للطبيعة المترددة كسمة مميزة ظلت ملازمة له في كل ما يعقد العزم على التخلص منها لكنه يعود إليه ويبقى رهينة لديه أو أسيراً ومرتهناً لها. وفي هذا السياق وكما ذكر مبارك الفاضل نفسه في إفادة صريحة سابقة أدلى بها منذ أكثر من سنة لصحيفة (أجراس الحرية) المعبرة عن ما يُسمى بقطاع الشمال في الحركة الشعبية، فإن خروج السيد الصادق المهدي من السودان للالتحاق بصفوف تحالف المعارضة الشمالية مع الحركة الشعبية بالخارج في وقت سابق من تسعينات القرن الماضي كان قد تم بناء على الاستجابة لنصيحة مباشرة من زعيم الحركة الشعبية الراحل د. جون قرنق، دعا فيها زعيم حزب الأمة إلى الخروج من البلاد في ذلك الحين تمهيداً لتنفيذ خطة تحالف المعارضة مع الحركة التي كانت مدعومة من جهات أجنبية متآمرة ومتواطئة في التكالب على السودان بقيادة الإدارة الأمريكية ضمن مسعى للإحاطة والإطاحة بالسلطة الحاكمة في الخرطوم، عبر شبه حملة عسكرية مناهضة لها تنطلق من الحدود السودانية المشتركة مع كل من أوغندا، إضافة إلى إريتريا وإثيوبيا آنذاك، حيث قال مبارك الفاضل أنه كان قد تولى بنفسه نقل النصيحة والدعوة الموجهة من قرنق في رسالة للصادق المهدي بهدف دفعه إلى الخروج من البلاد على النحو الذي حدث بالفعل في ذلك الوقت. وتجدر الإشارة في إطار ذات السياق إلى الإفادة المهمة والتي لها مغزى كما جاءت واردة في كتاب القيادي البارز السابق في حزب الأمة الأستاذ عبد الرسول النور عن تلك المرحلة في العلاقة الطائشة والخاضعة لجهات أجنبية معادية، كانت متواطئة وداعمة ودافعة للعلاقة السابقة تلك الشاكلة بين المعارضة الشمالية والحركة الشعبية، حيث ذكر الأستاذ عبد الرسول النور في كتابه الصادر منذ سنوات تحت عنوان (في سراديب الغربة والمنفى بدهاليز تجمع تحالف المعارضة) أن ياسر عرمان كان هو من نقل وأكد لمبارك الفاضل طبيعة المؤامرة التي يتعرض لها حزب الأمة من قبل الحركة الشعبية وبقية القوى الشمالية في تجمع المعارضة المتحالفة معها، كما ذكر أيضاً أنه عندما ووصف القيادي في الحزب الشيوعي التجاني الطيب حزب الأمة في أحد الاجتماعات المهمة لهيئة قيادة التجمع المتحالف في تلك المرحلة بأنه (حزب همجي)، تصدى قرنق للرد على احتجاج القيادي في حزب الأمة الراحل د. عمر نور الدائم بقوله – أي قرنق- أنه لا يرى وجود إساءة في استخدام التجاني الطيب لكلمة (الهمج) في ذلك الوصف لحزب الأمة بدعوى أنها كلمة معبرة ومستمدة من الاسم المستخدم لقبيلة سودانية شهيرة ومحترمة في النيل الأزرق كما ذكر قرنق في ذلك التبرير للدفاع عن التجاني الطيب والإساءة لحزب الأمة، على النحو الذي دفع الأخير للتعجيل بالإعلان بناء على ذلك عن قراره بالخروج من قيادة تحالف المعارضة في التجمع إلى جانب الحركة الشعبية في الخارج والعودة إلى ممارسة النشاط السياسي على الصعيد الوطني والمستوى الداخلي في البلاد. وبالعودة إلى الإفادة المعبرة في الكشف والتعرية لطبيعة العلاقة بين مبارك الفاضل وياسر عرمان في سياق الارتباط للحركة الشعبية والمراهنة على التيارات المتشنجة والمتطرفة فيها في المرحلة الراهنة كما أدلى بها منذ أكثر من سنة لصحيفة أجراس الحرية، تجدر الإشارة إلى حملة الانتقادات اللاذعة والسافرة والشديدة المرارة التي شنها مبارك في تلك الإفادة على زعيم حزب الأمة وكيان الأنصار السيد الصادق المهدي، حيث وصفه بأنه ظل يمثل ويشكل العقبة التي حالت دون إقامة علاقة تحالف وتواطؤ وتآمر راسخة مع الحركة الشعبية، وذلك منذ أن أصدر كتابه عن مسألة الجنوب والمعالجة المقترحة من قبله لها في ستينات القرن الماضي، إضافة لطبيعة المنافسة ذات الطابع الشخصي على موقع الصدارة في قيادة تحالف تجمع المعارضة التي كانت قائمة بينه – أي السيد الصادق المهدي- وبين زعيم الحركة الشعبية الراحل د. جون قرنق، وقد أخذ مبارك الفاضل على السيد الصادق المهدي في تلك الإفادة لصحيفة (أجراس الحرية) أنه اخطأ بل وارتكب خطيئة غير مغتفرة ومفتقرة للخبرة والحنكة الناضجة من الناحية السياسية والفكرية عندما دعا في ذلك الكتاب إلى الضرورة اللازمة والأهمية البالغة للتمسك بالعقيدة الدينية والثقافية والهوية العربية والإسلامية التي تنتمي لها الغالبية العظمى من شعب السودان، والعمل بمقتضى ذلك والاستناد للارتكاز عليه والانطلاق منها لإقرار معالجة عادلة وناجعة للعلاقة بين الجنوب والشمال في هذا الإطار ودون الأضرار بأي منهما، وبالطبع فإن هذه هي المعالجة التي جرى التوصل إليها بالفعل وإقرارها في معاهدة اتفاقية السلام الشامل المبرمة من السلطة القائمة الحاكمة مع الحركة الشعبية في عام 2005م، بينما يزعم مبارك الفاضل في سعيه المفضوح والمكشوف للتقارب مع العناصر المتطرفة والمتشنجة في الحركة والعاملة مع جهات أجنبية معادية في سياق التعامل معها، بأنها أي اتفاقية السلام الشامل لم تكن سوى مجرد محاولة فاشلة وقاصرة وعاجزة عن الترقيع لما يصفه مبارك الفاضل دون أدنى قدر من الحياء والاستحياء بالسودان القديم، وفقاً لما ورد في المبادرة الجديدة التي أقدم على طرحها وأعلن عنها في الأيام الماضية بالتنسيق والتشاور والتفاهم مع ما يُسمى بقطاع الشمال في الحركة الشعبية بقيادة ياسر عرمان. وتبقى الإشارة إلى أن السيد الصادق المهدي كان قد وصف بدوره مبارك الفاضل بأنه يمتلك القدرة على التفرقة المتآمرة على زوجين في ليلة الدخلة كما نقل عنه رئيس تحرير صحيفة الأخبار الصادرة بالخرطوم في أحد أعدادها السابقة أثناء فترة الإعداد لما يُسمى بمؤتمر جوبا لتحالف القوى الوطنية، بناء على دعوة من الحركة الشعبية استجاب لها حزب الأمة القومي بقيادة المهدي بعد فترة من التمرد والمقاومة التي لم تصمد كما هو الحال بالنسبة للسيد الصادق، فهل ينجح مبارك الفاضل هذه المرة أيضاً في الدفع بالسيد الصادق إلى العودة للتحالفات والممارسات المهلكة والمدمرة ليقضي على ما تبقى لحزب الأمة أم أن السيد الصادق ستنتصر لديه الحكمة والخبرة والحنكة المتراكمة على النحو الذي ينبغي علينا أن ننتظر لنرى.