(لن أعود لهذا البلد إلا بعد أن يرد السيد اعتباري كاملا غير منقوص جراء انتقادي للمشاركة في الحكم بالجهاز التشريعي والأخذ بملاحظاتي داخل أروقة الحزب).. بهذه الجملة قام الأستاذ علي محمود حسنين بوداع عدد مقدر من أفراد أسرته بمطار الخرطوم قبيل مغادرته الأخيرة التي لم يتوقع معها كل قيادات الصف الأول من الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل أن يقوم حسنين بالانضمام لما عرف لاحقا ب(الجبهة العريضة). ومن خلال جملة الوداع الأخيرة يتضح أن نائب رئيس الحزب يحمل قدراً غير قليل من الغضب علي رئيس الحزب الذي يؤكد في كل اجتماعاته الأخيرة بأن ما يقوم به علي محمود في الخارج لا يعدو غير أن يكون جهدا فرديا يحسب عليه فقط ولا دخل للحزب به من قريب او من بعيد.. سيما وان كل مواقف الحزب تنأي بصورة جادة عن كل ما هو معني بأي عمل معارض من الخارج سواء عبر الجبهة العريضة او غيرها من التكوينات التي تصادم مبادئ العمل المعارض بالحزب الاتحادي الأصل.. ويري البعض أن خلافات الأستاذ علي محمود مع عدد مقدر من قيادات الحزب الاتحادي قد جعلت الرجل يفقد القدرة علي تمييز التماع الشعرة بين معارضة الداخل المسئولة والعمالة للخارج غير مأمونة العواقب. وعلي محمود يقول مقربون منه بأنه درس بمدرسة أرقو الأولية والقولد الوسطى ثم مدرسة وادي سيدنا وجامعة الخرطوم وزامل في الجامعة البروفيسور إبراهيم أحمد عمر وانضم لفترة قصيرة إلى حركة الأخوان المسلمين قبل أن يغادر الحركة الإسلامية إلى غير رجعة متجهاً صوب أبواب الحركة الاتحادية بعد ان تصاعدت خلافاته مع د.حسن عبدالله الترابي وقد عمل قاضياً فور تخرجه من جامعة الخرطوم وحكم عليه بالإعدام في حركة 1976 ثم خفف الحكم بتدخل من الطريقة الإدريسية لدى الرئيس جعفر نميري.. وبالرغم من للرجل احترام خاص لدي رئيس الحزب ألا أن مصادر مطلعة أكدت أن الاجتماع الأخير للحزب قد أكد فيه رئيسه عدم نيته لمحاسبة علي محمود في تفلتاته التنظيمية إلا انه المح حسب المصادر إلى أن (تهميش ) نشاط حسنين يعد في نظره عقوبة قد تجدي نفعا أكثر من قرار المحاسبة الذي ستلوكه أجهزة الإعلام ويصبح نسيا منسيا بمرور الزمن . ويري مقربون من الرجل أن تعاطيه للسياسة عبر بوابة الفجور في الخصومة لكل من يعارضه في الرأي قد أوقع الرجل في تناقضات غير مفهومة في حراكه السياسي مؤخرا .. فقد قال لإحدى الصحف العربية إنه لا يريد التعاون مع الحكومة الأميركية أو منظمات أميركية لإسقاط الحكومة وفي الوقت نفسه يقيم الندوات في واشنطن ويدعو من خلالها إلى أهمية إسقاط الحكومة.. ولكن البعض أيضا يري ان ملامح التناقض في سيرة علي محمود تعود لشخصيته الصدامية منذ أن قضي (7) سنوات من عمره في معتقلات مايو, وبعد الإطاحة بالنظام المايوي ترشح عن الحزب الوطني الاتحادي في دائرة من دوائر دنقلا, وفي تلك الانتخابات عاود حسنين نشاطه الذي أدى للانقسامات في الحزب العريق وخاض الانتخابات منقسماً ومتشرذماً, وفقد دوائر كانت تعد مقفولة له وخسر حسنين أمام مرشح الجبهة الإسلامية آنذاك الدكتور عبد الوهاب عثمان شيخ موسى, وزير المالية الأسبق في الحكومة. ولكن ثمة معلومات مؤكدة أوردتها وسائل الإعلام مؤخراً عن الجبهة العريضة التي يسعي حسنين لتدويل نشاطها حيث أكدت المعلومات أن اتصالات متعددة تمت ببعض منسوبي التنظيمات المكونة لها ومصادر داخلها وشخصيات بالخارج وتم التفاكر معها لتكوين هذه الجبهة، حيث كشفت المعلومات أن حزب المؤتمر الشعبي وحركة العدل والمساواة هم أصحاب الفكرة ووراء ما يجري، وتم تدشين انطلاق العمل على إثر اجتماعات لقيادة الشعبي في ألمانيا وفرنسا، شارك فيها جبريل إبراهيم شقيق خليل إبراهيم رئيس العدل والمساواة وعناصر من الشعبي والحركة، ثم انتقلت الاجتماعات إلى العاصمة البريطانية لندن لترتيب قيام الجبهة، وتمكنت عناصر العدل والمساواة من استقطاب علي محمود حسنين بعد أن تم الاتفاق السري على استخدامه واجهةً، على أن يتم التخلص منه في أقرب فرصة بعد قيام الجبهة العريضة واكتمال بنائها. وتري أيضاً قيادات بارزة في الحزب الاتحادي الديمقراطي أن المذكرة الشهيرة التي رفعها علي محمود لرئيس الحزب في الرابع من سبتمبر العام 2008م هي التي أعطت انطباعا متوقعا بأن الرجل قد اوشك علي مغادرة صفوف الحزب بصورة غير معلنة خاصة وان المذكرة لم تجد الأذن الصاغية من رئيس الحزب والذي بدوره قد استهجن الكثير مما ورد فيها حتى أن بعض أعضاء المكتب السياسي وصفوها وقتها بأنها تضخيم لواقع غير صحيح وانفجار لألغام (وهمية) وأفكار لا تعشعش إلا في مخيلة حسنين وحده وكانت مذكرة حسنين قد قالت:( إن غياب الشورى و المؤسسية و عدم رد الحق لأصحابه في مؤتمر عام ديمقراطي أدى إلى التشظي و التشرذم داخل الحزب حيث قامت منابر اتحاديه تدعو كلها للتوحد و المؤسسيه و بما أن الحديث عن هذا قد فاض حتى درجة السأم و لم نر طحنا حتى الآن لأسباب بعضها ظاهر و بعضها مستتر ، فان الدعوة الآن للتوحد في هذا الظرف الدقيق الذي نسابق فيه الزمن قبل الانتخابات العامة والتي – إن قامت – ستكون في شهر مارس 2009 لأسباب تتعلق بالخريف. أقول إن الدعوة للتوحد تصبح امراً لا تجوز فيه المراوغة او المماطلة أو الأعذار او التلكؤ ، و من ثم فان دعوتكم للتوحد الفوري أمر لا يرفضه الا عدو للحزب او ذو اجندة تتعارض مع المصلحة العليا للبلاد . بالإضافة إلي أن الدعوة للمؤتمر العام هي الغاية القصوى و الهدف الذي لا تنازل عنه و لكن إزاء عنصر الزمن الذي يداهمنا فان عقد مؤتمر عام من القواعد و تصعيد القيادات التي تنتخب ديمقراطيا سيستغرق وقتا طويلاً قد يتجاوز الميعاد المضروب للانتخابات العامة . و من ثم فان البديل هو عقد مؤتمر استثنائي في الحال من كل القيادات الوسيطة في القطاع الجماهيري و القيادات في التنظيمات القطاعية علي أن يعقد هذا المؤتمر الاستثنائي دون عزل لأحد و دون عداء لأحد و ليس لحساب احد ، تُنتخب فيه قيادة مؤقتة و يُحدد الخط السياسي و البرنامج الانتخابي علي أن تبدأ تلك القيادة المؤقتة في قيام المؤتمر العام للحزب في اقرب وقت ممكن). وقال احد المصادر الذين شهدوا الاجتماع الأخير للاتحادي الأصل إن رئيس الحزب قد اظهر زهدا في عودة علي محمود والتزامه بالأسس التنظيمية للحزب بعد أن تأكد له بأنه أصبح ينفذ أجندة أحزاب أخرى في العمل المعارض ويتعمد إحراجه دون مراعاة لما يقوم به رئيس الحزب من جهد متصل في القضايا الوطنية وأضاف المصدر قائلا:(ماذا تريدون أن يفعل مولانا لرجل أصبح مخلب قط للعمل المعارض من الخارج غير أن يتركه لحال سبيله بعد أن وضح جليا للرأي العام وقالها رئيس الحزب ..تحركات علي محمود لا تمثل الا شخصه.)