شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    (برقو ومن غيرك يابرقو)    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الاقتصادية وافاق الإستثمار

تقديم د. عبد المنعم الأعسم _ باحث فى الاقتصاد السياسى ليست ثمة علاقات بين الدول او الكتل الدولية في العصر الحديث منزوعة عن بعدها الاقتصادي، فمهما بلغ مستوى العلاقات الدبلوماسية من متانة فانها تكون قد استندت الى شبكة من العلاقات الاقتصادية، وتٌعد الاستثمارات الحلقة الابرز في منظومة العلاقات الاقتصادية، وعليها يجري بناء جسور الشراكة الاقتصادية والامنية والثقافية بعيدة المدى بين الدول. لكن ثمة عنصر ديناميكي مهم في العلاقات الاقتصادية يتمثل في المصالح المشتركة بين الدول، وهي حقوق محسوبة بمقاييس علمية ووطنية واستراتيجية، ومن دون معاينة هذه المصالح بعين المراقبة والكفاية والانضباط فان خللا يصيب مرصد هذه المصالح ويلحق الضرر باحد الطرفين. ولم تخرج العلاقات بين السودان واوربا عن هذه المنطلقات، بل ان التجربة السودانية في هذا المجال تقدم مثالا غنيا بالشواهد على صواب وجدارة العلاقات، المتكافئة والنافعة، بين دولة متدنية التطور الصناعي لكنها تحتفظ بعناصر وفيرة للنهوض الاقتصادي وبين منظومة من الدول سبقت العالم في التطور التكنولوجي والصناعي، ويمكن ان نستبق الدخول في صفحات واسئلة العلاقات بين السودان واوربا لنؤكد حقيقتين، الاولى، ان هذه تلك العلاقات مرّت في نكسات ومتاهات وسوء ظن وردود فعل ومكائد طوال العقود الخمسة الماضية، بتأثيرالحرب الاهلية في البلاد، ومواقف اوربا منها، وثانيا "أن الأداء السياسي وبخاصة الخارجي لحكومات السودان المتعاقبة طيلة فترة الحرب الباردة قد تميز بالتقلب من جهة لأخرى طرديًا مع ولاءات الأنظمة خارجيًا مرة للمعسكر الرأسمالي الليبرالي، ومرة للمعسكر الاشتراكي" كما يرصد الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل ، ويضيف القول " ولعل أمراض الاقتصاد السوداني المزمنة ما كان لها أن تكون لو بادرت حكوماته الأولى ببناء استراتيجيات قومية شاملة ينضبط في خطها مسار الاقتصاد القومي". لقد لعبت الكتلة الاوربية منذ بداية تشكيلها العام 1957 دورا مهما في صياغة العلاقات الاقتصادية لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، لاسباب كثيرة، وبعد اقل من عشرين سنة، وتحديدا في عام 1975 بدأت العلاقة بين السودان والاتحاد الاوروبي بانضمام السودان لاتفاقية لومى التي فتحت له، بدورها، الانضمام الى مجموعة الدول الافريقية الكاريبية الباسيفيكية المنضوية تحت اتفاقية جورج تاون المؤسسة للمجموعة ( 1976) والتي بلغ عدد اعضائها حتى الآن 79 دولة، وليس من مغزى ان يحتل السودان في غضون فترة قصيرة مكانا مؤثرا في المجموعة اهلته ان يكون مكانا لانعقاد القمة الخامسة لزعماء دول المجموعة اواخر عام 2006 وان يترأس دورتها لعامين متتاليين، وقد وضعت هذه القمة روافع لشراكة اقتصادية وتجارية سلمية مع الاتحاد الاوربي. على ان كفاءة وحماسة الطواقم السودانية الاقتصادية والقيادية والتحول الكبير في مجرى الاصلاح الداخلي وانهاء النزاع المسلح في جنوب البلاد كل ذلك ساعد في تحقيق نجاحات شاخصة في مجال الاستثمار، وكان لتعدد الموارد وشفافية التعاملات اثر واضح في جذب رجال الأعمال من بقاع العالم المختلفة لأرتياد مجالات الاستثمار المتعددة، وكان لتبوء السودان المركز الثانى على سلم الدول العربية الأكثر جذباً للأستثمار بمثابة تطمين اضافي للمستثمرين الاجانب لكي يتجهوا نحو الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوفيرة بولايات السودان المختلفة. ويسجل العام 1999 تحولا مهما في تاريخ العلاقات بين السودان واوربا إذ اتخذ الاتحاد الاوربي في هذا العام قرارا تاريخيا بفتح صفحة جديدة مع السودان وبدء حوار مثمر ومفيد مع حكومته، غير ان التعاون الاقتصادي لم يُستأنف إلا بعد التوقيع على إتفاق السلام في 9 يناير 2005 بعد تعليق إستمر 15 عاما للتعاون، وافتتح التعاون الاقتصادي بتحريك مبلغ 400 مليون يوري لتمويل مشارع سودانية بين العامين 2005و2007، واعتبر ذلك بمثابة رسالة واضحة من المرجعية الاوربية كونها مستعدة لتقديم العون وللإستئناف التدريجي للتعاون مع السودان في موازاة ترسيخ الاستقرار والشراكة السياسية في البلاد في البلاد وإحلال السلام في دارفور. وطبقا للوثيقة الصادرة عن المفوضية الأوروبية تحت عنوان (الإستراتيجية الأوروبية تجاه العالم العربي) المستندة الى وثيقة الحوار العربي الأوروبي المشترك فان الاتحاد الاوربي ربط مبدأ التعاون الاقتصادي مع السودان وسبل تطويره بمتابعة عملية الإصلاح السياسي والإقتصادي والإجتماعي بمفرداتها المعروفة مثل التعددية والتسامح والحرية الدينية. وفي رأيي، ان هذه المعايير وإن كانت مقبولة من الجانب السوداني الذي يلتزم سياسة التحديث والاصلاح والتسامح وفروض حقوق الانسان إلا انها، اولا، استخدمت كورقة للضغط السياسي على السودان، وثانيا، ان تطبيقاتها كانت موضع تفسيرات متضاربة من قبل الاوربيين، وثالثا، انها كانت عرضة للضغط الامريكي صوب اجندة تتعلق باستراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة. لكن الامر الايجابي في منظور التعاون الاوربي مع السودان يتمثل في الاشارة التي وضعت في برنامج التعاون القول ان دعم التنمية يعد ضروريا لمنع نشوب نزاعات جديدة في السودان، وتفسير ذلك بسيط نجده في نقيض هذه المعادلة، فان وقف التعاون او عرقلته او اخضاعه لاعتبارات الضغط السياسي من شأنه ان يضر بخطط التنمية في السودان ويؤدي قطعا الى استفحال المشاكل والنزاعات. غير ان خط الدعم الاقتصادي الاوربي للسودان مضى في طريق محفوف بالمحاذير، وتركزت بعض انشطته على مجالات تحديث القاعدة الديمقراطية في البلاد، ففي مارس العام 2005، اطلقت المفوضية الأوربية النداء الأول لتقديم المقترحات، والذي تلقت من خلاله 8 منظمات سودانية غير حكومية تمويلا بلغ في جملته 435 ألف يورو. وفي فبراير العام 2006، اطلق النداء الثاني لتقديم المقترحات، فتلقت عبره 13 منظمة سودانية غير حكومية تمويلا بلغ في جملته 1,040,000 مليون يورو، وفي بيانات المفوضية فان المشروعات التي يتم تمويلها عبر المبادرة الأوربية للديمقراطية هدفت إلى الترويج للديمقراطية وحقوق الانسان على نطاق البلاد، وفي هذا ثمة رأي يقلل من الجدوى الاقتصادية المباشرة مما يمكن مناقشته، باستفاضة، في محور مستقل. والاكثر من هذا فانه على الرغم من توقف المساعدات لاغراض التنمية منذ العام 1990، إلا أن المفوضية الأوربية ظلت تقدم دعما إنسانيا كبيرا في كل من شمال وجنوب البلاد، مستجيبة للإحتياجات الإنسانية الطارئة، بصورة محايدة الى حد ما، ووفقا للمبادىء الإنسانية الأسلسية. بحلول العام 2005، بلغ حجم المساعدات الإنسانية التي قدمتها المفوضية الأوربية ما يزيد على 500 مليون يورو، قدمت في شكل مساعدات إغاثة مباشرة، قدم مكتب المفوضية الأوربية للمساعدات الإنسانية (ايكو) بأكثر من 315 مليون يورو منها، وما ما يربو عن 200 مليون يورو منها تم تقديمه كمساعدات غذائية. ان العديد من الدوريات الاقتصادية في اوربا والولايات المتحدة تشير الى السمات المشجعة للاقتصاد السوداني وتلفت النظر الى الاهمية البارزة لفرص الاستثمار في مختلف الميادين، ولم تكن الشركات الكبرى في الغرب لتخفي امتعاضها ازاء العقوبات والقيود التي حددت من حركة التعامل مع السودان، وهي تتابع كيف احتل السودان المركز الثالث بين منظومة الدول العربية الأكثر جذبا للاستثمار. وأثبتت تقارير المؤسسات الإقليمية والدولية ذلك كما أن فرص الاستثمار تعاظمت باكتمال عملية السلام التي أضافت بعداً مؤثراً للمناخ الاستثماري الجاذب مما يمكن المستثمرين من الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوفيرة بولايات السودان المختلفة. وطبقا للخبير الدولي في شؤون الاستثمار روب غيسن (دير شبيغل-11-6-07) فان موقع السودان الاستراتيجي كبوابة للقارة الافريقية يمثل احد ابرز العوامل لاهتمام المستثمرين الاوربيين، اخذا بالاعتبار ان السودان يعد منفذا حيويا على الساحل الغربي للبحر الاحمر وخط اتصال تجاري بالنسبة للكثير من الدول الافريقية الداخلية، كما انه محاط بتسع دول تشاركه الامن وشبكة من العلاقات الاقتصادية، ويمكن ان يصبح مركزا ناشطا للاسواق العالمية في الشرق الأوسط والشرق الأقصى في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. ويضيف" ان الغرب يعرف جيدا مستقبل الثروة البترولية في السودان ولديه البيانات الكافية عن المواد الخام المتوفرة لمعظم الصناعات فضلا عن الموارد البشرية التي تتمثل في العمالة الفنية والمدربة". على ان سنوات الحرب الاهلية وسلسلة العقوبات واجراءات الحصار التي فرضتها الامم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا على السودان، عدا عن انها اضرت بالاقتصاد السوداني وعرقلت مسار التنمية الاقتصادية فانها حالت دون ان يضع الاوربيون ثقلهم الاستثماري في ميادين الصناعة المختلفة في البلاد، ومن زاوية معينة، الحقت هذه السياسة الضرر بالمصالح الاوربية في السودان وبما له علاقة بجيران السودان وبتلك الافضليات التي التي يملكها الموقع السوداني التجاري والجغرافي، في وقت تلوح على الاقتصاد الاوربي عاصفة انماش جديدة . ففي ديسمبر من عام 2004 وقّع الرئيس الأمريكي جورج بوش على قانون يسمح بفرض عقوبات على السودان بسبب الأحداث في إقليم دارفور؛ ومن المفارقة ان يحمل القانون اسم "قانون السلام الشامل في السودان" وقبل هذا بشهر كان مجلس النواب الأمريكي قد صادق عليه اعقبه في المصادقة مجلس الشيوخ، ويتضمن-وهنا مفارقة اخرى- تخصيص (300) مليون دولار لدعم ما يسمى بعملية السلام في السودان وإقليم دارفور بخاصة.. اقول مفارقة، لأن القانون لا يتضمن فقط صرف اموال من خلال منافذ غير حكومية بل ايضا يتضمن القانون تجميداً لأموال كبار المسؤولين السودانيين، ومنع حصولهم على تأشيرة دخول الأراضي الأمريكية. وفي اغسطس 2005 خضع مجلس الامن الدولي للاملاءات الامريكية فاتخذ قرارا بفرض عقوبات على السودان على خلفية ازمة دارفور وذلك بأغلبية 12 عضوا فيما امتنعت كل من روسيا والصين والجزائر عن التصويت، وقد استرشد القرار بالعبارات ذاتها التي جاءت في قانون وقعه بوش في ديسمبر من العام 2004 . وتتضمن العقوبات فرض حظر سفر وتجميد أرصدة اشخاص يوصفون بانهم ينتهكون وقف إطلاق النار في الإقليم، وعلى آخرين بصفات غامضة تتصل بفروض عملية السلام في دارفور أو كما ورد "يمثلون تهديدا لاستقرار" المنطقة. وفي مايو 2007 أعلن الرئيس بوش عقوبات جديدة على السودان على خلفية اندلاع مواجهات في اقليم دارفور قضت بحظر التعامل مع 30 شركة "تملكها أو تسيطر عليها الحكومة السودانية" وهدد الرئيس الامريكي شركات أو أفراد أمريكيين اذا ما تعاملت مع الشركات السودانية، وتجسد التناقض في هذا القرار باشارة الرئيس الامريكي الى أنه سيواصل العمل من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي من خلال الأمم المتحدة. وطلب بوش من وزيرة خارجيته كونداليزا رايس إجراء مشاورات مع بريطانيا والحلفاء الآخرين في ما يتعلق بالسعي لاستصدار قرار بمجلس الأمن الدولي يفرض عقوبات جديدة على السودان. لقد تعددت أشكال الضغوط الاقتصادية على السودان من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها قبل اتخاذ قرار مجلس الأمن وبعده، وانتهت الى حظر الصادرات والواردات من السودان واليه وتجمييد الأرصدة والقروض وحظر أي انتقال للأشخاص والبضائع والناقلات منه واليه ومن قبل أي شخص سوداني، ونشرت دوريات اوربية ومن بينها صحيفة ميد الاقتصادية المتخصصة وقائع عن الآثار الانسانية السلبية للعقوبات وتحديداً في مجال الصحة. بل ان الادارة الامريكية هددت بمعاقبة الشركات والشركات الاوروبية العاملة بالسودان(كما الشركات الامريكية) ما لم تسحب استثماراتها فورا من البلاد وقد اصدر مكتب الرقابة على الأصول الأجنبية بالولايات المتحدة مذكرة بمعاقبة الشركات المخالفة للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان بفرض غرامة (250) ألف دولار عن اية مخالفة لهذه المذكرة التي وضعت موضع القرارات القومية غير القابلة للنقض. وكان السودان محقا في اتقاء اضرار هذه العقوبات والنفاذ منها الى ساحات اقل التزاما بالعقوبات وتنفيذا لها، وقد نجح في اقامة شبكة من المصالح مع كل من الصين وتركيا ومد جسور العلاقات مع اليابان وبلجيكا، فضلا عن شبكة الاستثمارات العربية، الخليجية منها على وجه الخصوص،
سيما ان السودان يتمتع بموارد إقتصادية طبيعية هائلة تتمثل فى الاراضي الزراعية الشاسعة والمياه متعددة المصادر ومختلف انواع الثروة الحيوانية بالاضافة الى العديد من أنواع المعادن مثل الذهب - الفضة -النحاس- المايكا - الكروم والجبص والجرانيت بالاضافة الى البترول والمقومات السياحية الكبيرة والى التنوع بين الاثار التاريخية فى الشمال والوسط والمناظر الطبيعية فى الشرق والجنوب والغرب والسياحة البحرية على البحر الاحمر ، والى الصحاري والجبال فى الغرب والشمال، وثمة وفرة بالمنتجات الطبيعية خاصة المحاصيل النقدية التي تدخل فى كثير من الصناعات الضرورية كالاغذية والزيوت والادوية اهلته ان يكون مركزاً متقدماً فى اسواق العالم، فيما يتنوع المناح السوداني ويتدرج من المناخ الصحرواي في الشمال الى الاستوائي في الجنوب كما انه يسود مناخ البحر الابيض علي القمم والسفوح المرتفعة. ولابد للباحث ان يتأمل باهتمام كبير الى مسار العلاقات الاقتصادية السودانية الصينية المرشحة للنمو باضطراد، لسبببين، الاول، لانها ترتكز الى تصورات متقاربة في السياسة والاقتصاد بين البلدين، ما عبرت عنه مواقف الصين من العقوابات والتهديدات الغربية للسودان والنظرة الى السلام في القارة الافريقية وحق شعوب القارة بالتنمية والتخلص من التبعية، وثانيا، لانها اتجهت الى مجالات البنية التحتية في السودان والاستثمار في الثروات الطبيعية، وهنا يبرز واحد من الشواهد الجبارة إذ تولت الشركات الصينية تمويل وتصميم وبناء جسر الصداقة السودانية الصينية الذى يقع على بعد حوالى 400 كيلومتر الى الشمال من الخرطوم، وهو الجسر الوحيد على نهر النيل بين العاصمة السودانية وحدود السودان الشمالية، ويربط بين مدينة مروى على الضفة الغربية من نهر النيل وكريمة على الضفة الشرقية من النهر. لقد تجاوزت حجم الاستثمارات الصينية في السودان ال 6 مليارات دولار في مجال البترول، فيما بلغت الاستثمارات المباشرة (غير البترولية) في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات الاقتصادية اكثر من 300 مليون دولار300 مليون دولار بالإضافة إلى مشروعاتها القائمة والجديدة والتي تجاوزت 50 مشروعاً، فيما بلغ أن حجم الصادرات السودانية للصين حتى نهاية العام الماضي 2.6 مليار دينار سوداني، وبلغت الواردات 3ر1 مليار دينار حتى نهاية العام الماضي، وتفيد تجربة العلاقات بين البلدين ان السودان استثمر على نحو واضح القوة الاقتصادية والتكنولوجية للصين، للاستقواء على الحصار ومناحي الضعف في خطوط التنمية المختلفة، وقد كانت زيارة الرئيس الصيني هيو جينتاو الى الخرطوم في فبراير من العام الماضي فرصة لوضع روافع جديدة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. اما العلاقات الاقتصادية بين السودان وتركيا فقد بدأت من انشطة استثمارية تركية محدودة في دارفور وجنوب السودان لكن الخط البياني لهذه الشبكة اخذ بالارتفاع منذ زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى الخرطوم في ابريل 2006 حيث اتفق مع الرئيس عمر حسن البشير على ان مستوى هذه العلاقات آنذاك لم يكن مرضيا وان مصالح البلدين وحسن علاقاتهما تفرض تنمية سبل التجارة والاستثمار بخطوات اكبر. في سجل هذه العلاقات المنتجة تم التوقيع علي اتفاقية تأسيس مكتب التنمية والتعاون التركي كما تم التوقيع علي اتفاقية لتطوير الزراعة وتحسين البذور ، كما جرى التوقيع على ثلاث اتفاقيات فيما يختص تأسيس مكتب استشاري خاص بوضع خطط في مجال العلاقات والتعاون بين البلدين والعلاقات الاقليمية وكذلك العلاقات الدولية وهنالك دراسة اشارت لها الصحف فيما يتعلق بوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، لكن الاهم في رأيي هنا ما اشيره له من ان تركيا اعمل جاهدة من اجل جلب شركات عالمية في مجال الزراعة والنسيج والتقنية والتكلنوجيا الحديثة الى السودان. وفي مفردات الانشطة الاقتصادية التركية في السودان نتعرف على منجزات مهمة في مجال حفر الابار لمياه الشرب وتأسيس فنادق ومستشفياتوعشرات من البصمات الاقتصادية التركية في مختلف المواقع السودانية عززتها شبكة اتصالات ناشطة فهناك خط طيران مباشر بين البلدين، بجانب الخط الملاحي والمنشآت الكبيرة التي تنفذها تركيا في السودان مثل جسر المك نمر وتوتي والجسر العلوي عند مدخل كوبر، وشركة للناقلات السفرية والمجمعات التجارية وغيرها. لقد اصبح معروفا لدى محافل العمل والتجارة في اوربا ان السودان قطع شوطا طيبا في طريق التأهيل ليكون بلد استثمارات مغرية وبخاصة حين وضعت منذ بداية الفية الثالثة قوانين استثمار جاذبة للمستثمرين الأجانب والمحليين وجري أيضا تحرير تجارة العملة مما جعل الدولار الأمريكي وغيره من العملات الأخري قابلة للبيع والشراء في أي وقت فضلا عن خصخصة بعض المؤسسات التي تحولت الى عبء على الاقتصاد السوداني، غير اننا ينبغي ان نرصد بجدية كافية تلك المخاوف التي يبديها مستثمرون اوربيون يدخلون حلبة المنافسة في مناطق بكر من العالم ازاء محاولات قوى اليمين المرتبطة بالسياسات الامريكية المحافظة تجاه دول كثيرة وفي المقدمة منها السودان حيث ما تزال الروايات مستمرة عن دعم السودان للارهاب وربطه بالمنظمات والجماعات المسلحة ويعبر هذا الصراع عن نفسه في تزايد حدة الخلاف بصدد خيار الحوار مع السودان لتسوية القضايا مصدر العنف في المنطقة، واللافت هنا، ان شبكة العمل والاستثمار الاوربية ابدت الكثير من الاستعداد للعبور من فوق قيود العقوبات الامريكية لجهة التعاون مع السودان، ومنذ سنوات خمس نقل باحث كندي عن مسؤول دبلوماسي امريكي(الزمان 2-2-02 ) قوله ان الولايات المتحدة تشعر بالقلق من التقارب بين لوربا والسودان، وقال في السياق" ان الأوروبيين والامريكيين الرأسماليين تنتابهم مخاوف من استمرار العنف في جنوب السودان وتنتابهم المخاوف من انتهاكات حقوق الانسان ولكنهم يأملون أو يرغبون في الدخول في مشروع النفط السوداني كما انهم يأملون من ان تمضي مساعي المصالحة ويتحقق هذا السلام." وبموازاة ذلك فان الحقيقة التي لايصح التقليل من شأنها تتمثل في ان الدول الاوربية تتباين توجهاتها الاقتصادية والسياسية تجاه السودان، وقد اتضح هذا التباين منذ ضرب الولايات المتحدة لمصنع الشفاء في اب (اغسطس) عام 1998، لكنه اتسع بضغط من الشركات الكبرى وتحت تاثير المصالح القومية للعديد من الدول الاوربية، وكان الكثير من المعنيين والباحثين قد اعتبروا قانون الاستثمار الذي صدر مؤخرا في السودان بمثابة تطور كبير في تسهيل حركة الاستثمار في السودان وبخاصة لجهة بتشجيع تدفق الاستثمار العالمي الى السودان وتأمين حق التملك للمستثمرين، وانهاء التمييز بين المستثمر السوداني والاعفاءات من الرسوم الجمركية التي قد تصل إلى عشر سنوات إضافة إلى إعفاء كامل من ضريبة أرباح الأعمال لنفس الفترة تبدأ بعد عام من بداية الإنتاج لأي مشروع، بالاضافة الى منح أراضي بأسعار تشجيعية بالإضافة ورفع أي قيود على حركة رأس المال وتحسين الاليات والبنية الإدارية وتوحيد كل ما يخص إجراءات الاستثمار حيث وضعت جميعها في موقع موحد وبإدارة موحدة وهي وزارة الاستثمار حتى تسهل إنجاز المعاملات ومساعدة المستثمر وتلبية جميع احتياجاته ومرافق نشاطه الزراعية، الصناعية، المقاولات، الطرق والجسور. واذا ما تصفحنا ملف العلاقة بين السودان والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتلمسنا ان عددا من الدول الاوربية ابدت تعاطفا، وإن متفاوت الدرجات، مع فكرة إلغاء ديون السودان ال 24 مليار دولار المستحقة للبنك والصندوق، ولم يحل قرار الغاء عضوية السودان منذ العام 1997 دون ان تتزايد الدول التي تتفهم دواعي عدم ايفاء السودان لالتزاماته ازاء البنك، وبخاصة لانه كان ضحية ضغوط واعمال عنف وحروب محلية كارثية، وهنا –في رايي- مطلوب اعادة قراء المواقف الاوربية من ملف الديون وبخاصة ما تعلق منها بانهاء دوامة النعنف في دارفور شرطا لالغاء تلك الديون، تفويتا للضغوط الامريكية على حلفائها الاوربيين. وباختصار، فان المشكلات التي تعيق تطبيع علاقات السودان مع الاتحاد الأوربي، هي مشكلات مركبة، بعضها محدد في البنى والظروف السودانية، وبعضها الآخر ذي صلة بالاستراتيجيات الامريكية التي لا تزال تضع السودان في موضع الشبهة وتحض اوربا والمجتمع الدولي على الاشتراك في العقوبات الاقتصادية الكيدية ضد السودان، ولنتذكر هنا بان الاتحاد الاوربي اذعن للضغوط الامريكية بوقفه الحوار مع السودان عقب استفحال الصراع في اقليم دارفور، وكان ينبغي تكثيف الاتصالات بدول الشمال الأوروبي والدول الأسكندنافية ثم الدول الأوروبية من شركاء الإيقاد خاصة فرنسا لغرض الخروج من العزلة نحو القارة الاوربية. المشكلة انه لا تزال ثمة مساحة اعلامية واسعة في اوربا تتحرك من خلالها الالة الدعائية الامريكية لتبشيع احوال ومواقف السودان، في ظل غياب او ضعف واضح لجهود سودانية جادة من اجل الدخول الى هذه الساحات لجهة تصحيح الصورة السلبية السائدة عن السودان. ومن الطبيعي ان تزويد الراي العام والمراكز الدولية ذات الصلة بالمعلومات الايضاحية ضروري، لكن الاكثر ضرورية يتمثل في معالجة الاختلالات الداخلية التي تتصل بالسياسات المالية والنقدية بما فيها إصلاح القطاع المصرفي ومعالجة العقبات التي تحول دون جذب الشركات ورجال الأعمال من الاتحاد الأوربي عبر حركة نشطة لجذب الاستثمار من خلال معالجة قوانين الاستثمار من جهة، والمضي قدما نحو ترسيخ السلام الاهلي ومعالجة الشكاوى حول حقوق الانسان بروح من التسامح واحترام التعددية الاثنية والسياسية والدينية وترجمة العهود والمواثيق الى الواقع عبر اجراءات ملموسة.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.