التحرك المصري تجاه السودان الذي بدأ بعد الثورة سيكون مصدر قلق كبير لإسرائيل وأمريكا .. وسيكون مصدرا مفرحا مهما للعالم العربي، فالأمن القومي المصري الذي يرتكز على العمق الإفريقي سيكون داعما رئيسيا لدور مصر المحوري في العالم العربي. الزيارة الخارجية الرسمية الأولى للحكومة المصرية بعد الثورة كانت للسودان، والآن وفد الدبلوماسية الشعبية الذي يعكس جميع القوى والتوجهات في مصر، يضع مصر في السبيل الصحيح لاستعادة دورها الخارجي الذي يعطيها مرونة الحركة لفرض مصالحها القومية وتعزيز مجالها الحيوي في إفريقيا. من المؤسف أن مصر في السنوات الماضية أهملت علاقاتها مع السودان، وانعكس هذا على موقف جامعة الدول العربية، لذا أصبحت الساحة الإفريقية مجالا رحبا مفتوحا لإسرائيل لإضعاف السودان لأجل إضعاف مصر، ونتج عن هذا الضعف انفصال الجنوب كمرحلة أولى، واستمرت الدول على حوض النيل في إقامة مشاريع السدود التي تشكل خطرا على الأمن المائي لمصر والسودان. الأمر الإيجابي لهذا التحرك المصري أنه يستهدف دول حوض النيل، وهذا قد يعطي الأمل لأن تتجه دول الحوض إلى بناء مشروع للتعاون حول المياه بدل الاتجاه إلى الصراع، وهذا الهدف الاستراتيجي ليس مستحيلا إذا ارتقت العلاقات بين مصر والسودان إلى مرحلة التنسيق الاستراتيجي العقلاني والواقعي الذي يضع مصلحة الشعبين فوق كل اعتبار، ويعكس تطور العلاقة في مشاريع تؤثر في حياة الناس. ومما يدعم رصيد الشراكة ما يتوافر لمصر من حضور قوي في الوعي الشعبي الإفريقي، فالاعتداء والعدوان الإسرائيلي على مصر في 1967 أدى إلى قطع 34 دولة إفريقية علاقاتها مع إسرائيل، ومع الأسف، إن المكاسب السياسية التي تحققت على الجبهة الإفريقية ضاعت بعد أن اتجهت إسرائيل عبر العمل الدبلوماسي والسياسي المنظم، مدعومة بأمريكا وأوروبا، إلى تحييد التعاطف الإفريقي، ثم بعد ذلك نقلت الحياد إلى التعاطف ثم إقامة العلاقات وتطوير المصالح .. والأفارقة لا يلامون بعد أن انخرط العرب في مشروع السلام .. بالذات مصر! مصر والسودان أمامهما فرصة تاريخية لتشكيل تكتل سياسي واقتصادي، فالعلاقات التاريخية بين الشعبين والأبعاد الجيوسياسية لموقعيهما وإمكاناتهما البشرية والطبيعية، تؤهلهما لإعادة إنتاج وبناء ظروف الحياة الكريمة المستقرة، وتحقيق هذا الحلم/الهدف يتوقف على نضج وحكمة وتضحية القوى السياسية في البلدين وابتعادهما عن تغليب المصالح الذاتية والحزبية. الشعب السوداني لديه عاطفة خاصة إيجابية تجاه مصر، وفي الفترة التي شهد فيها السودان الاضطرابات السياسية اتجهت الجاليات السودانية العاملة في الخليج إلى الاستثمار في مصر، فقبل عقدين من الزمن نتذكر إعلانات المشاريع الإسكانية المصرية في الصحف الخليجية المستهدفة للسودانيين، واتجهت أعداد كبيرة من الإخوة السودانيين للاستثمار في مصر، كما أن أغلبية الأسر السودانية تضع خيار تعليم أولادها الأول في الجامعات والكليات المصرية. ويقابل العاطفة التلقائية السودانية أخرى مصرية، فها هو الوفد الدبلوماسي الشعبي المصري (عدده 47) يتجه بقوة إلى السودان وينادي من هناك بضرورة إقامة وحدة مع السودان تقوم على إنفاذ الاتفاقيات السابقة، مثل الاتفاق على حرية التملك والعمل والتنقل والإقامة، وهذا سوف يؤدي إلى اندماج مصالح الشعبين وتحولهما إلى مسار الوحدة. نرجو أن يتحقق الحلم العربي ويجني الشعب العربي ثمار تحرره المعاصر!