مقدمة: في عام 2006م كتب اللواء تلفون كوكو سلسلة مقالات ملتهبة في الصحف السودانية ينتقد فيها ما سماه انتهازية الحركة الشعبية والتي أصدرها بعد ذلك في كتاب عام 2007م ، ولم يكن تلفون هو وحده من تنبأ بتدهور الأحوال إذ أن تقرير مجموعة الأزمات الدولية الذي صدر بعد ذلك بعام اختير له عنوان مثير ومتشائم في آن معاً حيث كان عنوانه هل تصبح كردفان الجنوبية دارفورأخرى ، وهو عنوان يقود الذهن مباشرة إلى علاقة الحركة الشعبية بالأحداث الأخيرة في جنوب كردفان وإلى أي مدى يمكن أن يتشابه مع ما حدث في دارفور، وذلك بسبب أن الحركة الشعبية كانت وراء الأحداث في كل من المنطقتين اللتين اشتعلتا بالصراع. المركز السوداني للخدمات الصحفية يحاول فى هذا التقرير المقارنة بين ما حدث في دارفور وما يحدث الان في جنوب كردفان باعتبار أن الحركة الشعبية هي الدينمو الذي يحرك الأحداث وذلك بغرض القراءة الحقيقية للموقف وفهم أبعاده المختلفة. استراتيجية الحركة: استراتيجية الحركة الشعبية المعلنة كانت هي شد السودان من أطرافه وصولاً لكيكة السلطة والثروة في الخرطوم ، وقد سعت لذلك باجتذابها لمناطق تقع خارج الإطار الجغرافي لجنوب السودان في كل من جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور ومن ثم بعد ذلك عبر انضمامها للتجمع الوطني الديمقراطي ولكن بعد ذلك تناست قيادة الحركة الشعبية لجنوب السودان أمر كل هؤلاء الحلفاء والأنصار ابتداءً بالتجمع الوطني الديمقراطي ودارفور ثم بقية المناطق بعد أن حققت هدفها بفصل جنوب السودان حيث بدأت عمليات الحركة أول ما بدأت في كردفان بدخول الكتيبة حديد إلى مناطق جبال النوبة عبر أشرون وصولاً إلى القردود بالقرب من تلودي عام 1985م حيث قامت بضرب السكان المدنيين والتنكيل بهم فيما عرف بمذبحة القردود ،غير أن حزب الأمة برئاسة الصادق المهدي أصدر بياناً يوم 17 رمضان 1405ه شكك فيه ببيان قوات الشعب المسلحة التي كشفت الحقائق والمجازر التي حدثت في القردود واتجه إلى تسليح مليشيات قبلية وبعد ذلك أشارت أصابع الاتهام وقتذاك للواء فضل الله برمة ناصر وزير الدولة بالدفاع بالتورط في الأحداث وتسليح المليشيات بدلاً من العمل على تقوية الجيش النظامي وكان نتيجة ذلك أن تجمع أبناء كردفان ودارفور بنادي العمال في الخرطوم بتاريخ 14/8/1985م ورفعوا مذكرة للمجلس العسكري الانتقالي وقعت عليها (16) رابطة واتحاد وتجاوب معها أهالي كادوقلي الذين دعوا إلى ما اسموه الدفاع الشعبي وبدأوا بتدريب المتطوعين لدعم الجيش النظامي في كادوقلي وفي جبال شيبون، والغريب في الأمر أيضاً أن حزب الأمة وقف معارضاً إجازة قانون الدفاع الشعبي في البرلمان بهدف دعم الجيش النظامي بالمتطوعين تاركين الكتائب تعمل وحدها دون ضبط وظل الحال كذلك حتى تم تقنين الدفاع الشعبي وإصدار قانون له في عام 1989م في بواكير ثورة الإنقاذ. العمل غير المنظم لكتائب الدفاع الشعبي في عهد الصادق المهدي بالإضافة لتسليح المليشيات القبلية بواسطة وزير الدولة للدفاع فاقم من الأوضاع في جنوب كردفان حيث اندفع أبناء النوبة للانخراط في صفوف الحركة الشعبية هرباً من المليشيات القبلية لحزب الأمة حيث اتخذ الأمر طابع الحرب العنصرية نوبة – عرب. ولذلك بدأ الأمر عسيراً عندما حاولت حكومة الإنقاذ حل مشكلة جبال النوبة عبر التفاوض فيما عرف بلقاء أم سردبة يوم 27/4/1991م ومؤتمر بليتجه 4-5/5/1992م ثم بعد ذلك عبر إدارة السلام والتوطين والتي كان يرأسها نائب الوالي للسلام والتوطين. البداية في دارفور : يشير التقرير الصادر عن هيئة الأممالمتحدة للبيئة بعنوان نزاعات السودان الداخلية تقييم بيئي عام 2007م باللغة الإنجليزية في أكثر من ثلاثمائة صفحة إلى بعد مهم جداً وهو أثر البيئة في إذكاء الحروب وقيام النزاعات وخاصة في بلد كالسودان يعتمد فيه قطاع عريض من السكان على الاقتصاد المعيشي المتمثل في الرعي والزراعة الاكتفائية حيث تؤثر موجات الجفاف بشدة على معيشة السكان وحياتهم وبالنسبة لجبال النوبة فقد وضع د. حامد البشير إبراهيم أثر الجفاف والمجاعة في الصراعات بجنوب كردفان في كتابه الصادر في الخرطوم بعنوان (في البحث عن الحكمة الغائبة والوعي المفقود محاولة لفهم العلاقات القبلية وديناميات الحرب والسلام في جبال النوبة) عام 2002م حيث يسرد د. حامد البشير فصولاً مطولة يشرح فيها أثر الجفاف والمجاعة عام 1985م في الصراعات بين الرعاة والسكان المستقرين التي استغلتها الحركة الشعبية وحزب الأمة لإشعال الحرب في المنطقة. وفي دارفور يشبه الواقع ما حدث في جبال النوبة حيث أن موجات الجفاف والتصحر أثرت على سكان المنطقة فحدثت الحرب الشهيرة بين الفور و (27) قبيلة عربية والتي عجز عن حلها حاكم دارفور آنذاك د. التيجاني سيسي وقد أشارت إليها مذكرة القوات المسلحة الشهيرة في البند الثالث باسم الاحتراب الداخلي في دارفور. هذا الاحتراب الداخلي في دارفور نجحت حكومة الإنقاذ في تسويته بعد أقل من شهرين على استلامها السلطة في اتفاق صلح عرف باسم مؤتمر الفاشر عام 1989م ورعاه نائب رئيس الجمهورية، آنذاك الزبير محمد صالح ، إلا أن الحركة الشعبية لم تيأس فقد نجحت في استقطاب داؤود يحيى بولاد وإمداده بالسلاح ليدخل دارفور مدعوماً بقوات عبد العزيز آدم الحلو فيما عرف لاحقاً بحملة بولاد والتي تمكنت القوات النظامية من القضاء عليها في مهدها في فصل الشتاء في نهايات عام 1991م وبدايات عام 1992م حيث أفلح حاكم دارفور آنذاك الطيب إبراهيم محمد خير فى محاصرة التمرد وحل كثير من مشكلات الإقليم ، حتى انفجرت الأوضاع مرة أخرى بعد عشرة سنوات وتحديداً في عام 2002م وذلك بعد موجة جفاف قاسية ضربت دارفور عام 2001م وأسفرت عن مشاكل قبلية في قرجي وبير طويل بشمال دارفور وكذلك في نواحي متفرقة من جبل مرة حيث بدأ التمرد بتنسيق الطرفين بقيادة عبد الواحد، ومناوي وقد مثل أحمد عبد الشافع يعقوب الذي كان من بين الكوادر الطلابية المعروفة بجامعة جوبا حيث درس الاقتصاد قبل أن يلتحق بقوات الحركة مقاتلاً نجح في أن يكون همزة وصل بين مناوي وعبد الواحد من ناحية والحركة الشعبية من ناحية أخرى وقد أشار تقرير قدمه رئيس لجنة الأمن بالمجلس الوطني حسين عبد الله جبريل في فبراير عام 2002م إلى تورط الحركة الشعبية حيث شوهدت طائرة صغيرة من طراز سيسنا تحلق في مرتفعات جبل مرة لإمداد المتمردين بالسلاح وذلك قبل اللقاء الشهير والذي جمع بين عبد الواحد وقيادات الحركة الشعبية بحضور قرنق في رمبيك في عام 2003م ليصبح بعده الاسم الرسمي لمتمردي دارفور حركة تحرير السودان في تأثر واضح بالحركة الشعبية لتحرير السودان غير أننا نلاحظ أن عودة الحركة الشعبية لإشعال التمرد في دارفور بعد حوالي عشرة سنوات على فشل محاولتها الأولى تزامن مع بداية جولات التفاوض مع الحكومة وذلك لاستخدام التمرد في دارفور كورقة ضغط على الحكومة من ناحية ومن ناحية أخرى حتى تشتت جهود الحكومة العسكرية مما يمكنها من المزيد من الضغط. انتهازية مريرة: بعد توقيع اتفاق السلام تخلت الحركة عن حلفائها في دارفور وجبال النوبة على حد سواء حيث لم يزور كل من المنطقتين أي مسئول بارز في الحركة الشعبية إلا أثناء الحملة الانتخابية حيث خاطب كل من أدوارد لينو وياسر عرمان الجماهير عند تدشين الحملة الانتخابية للحركة في دارفور عام 2010م وكذلك افتتح سلفاكير الحملة الانتخابية للحركة بجنوب كردفان التي لم يزورها قبل ذلك وقد كتب اللواء تلفون كوكو يوم 18/10/2006م في الصحف مقالاً بعنوان (أنظروا كيف استقبلت الحركة الشعبية لتحرير السودان أبناء جبال النوبة في يناير 1985م وكيف ودعتهم في يناير 2005م) حيث ذكر تفاصيل انضمام عدد من أبناء النوبة المنضوين تحت تنظيم كمولو للحركة الشعبية بتنسيق مع الدكتور لام أكول أجاوين الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الخرطوم آنذاك الذي كان في وداع وفد أبناء النوبة في مطار الخرطوم يوم 2/1/1985م وقد كان المسافرون يوم ذاك كل من عبد العزيز آدم الحلو، عوض الكريم كوكو تية، يوسف كرة هارون، حامد سليم، تلفون كوكو أبو جلحة وقد سافر هؤلاء الخمسة وهم من أصل عشرة وذلك بناء على طلب من عراب التمرد يوسف كوة مكي ويحكى تلفون عن وصولهم إلى قمبيلا بالرنك يوم 6/1/1985م وتم استضافتهم بمنزل د. جون قرنق بعد أن تسلموا زيهم العسكري ومهماتهم القتالية وكيف أن قرنق كان يوليهم اهتماماً كبيراً بالإضافة إلى جوزيف أدهو ولوال دينق وول وقابريال أشيك حيث كانوا يجلسون معه لمدة ساعة يومياً وكيف أن قرنق أمر الفريد أكوج الذي أصبح فيما بعد مديراً لوحدة الصيد والسياحة بحكومة الجنوب بتوفير أي احتياجات لهم ويستمر فى السرد حتى تخرجهم من كلية الحركة الحربيه (درع 2) وإرسالهم في مهمة عسكرية لجبال النوبة بقيادة رياك مشار في 1/1/1987م حيث فشلت المهمة لعدم سماع مشار لنصائح أبناء المنطقة ولعدم درايته بعادات السكان بحسب رأي تلفون. وبعد ذلك يحكي تلفون الفجيعة بقوله كنا لا ندرى أن كل هذه الحفاوة والاهتمام الزائد هي مجرد تمثيلية بإخراج ممتاز محكم لفيلم يستمر عشرون عاماً حيث مثل دور الخائن باقان أموم أما بطل الفيلم الفعلي فعلى القارئ أن يختار كما يشاء يقول تلفون لأنهم كثيرون كنا لا ندري ولا نصدق أن تكون شعارات الحركة الشعبية لتحرير السودان (المنفستو) الذي ملأت الدنيا ضجيجاً وهزت أرضها وسمائها فارغة بل و مضللة واستغلالية وانتهازية ويمضي بعد ذلك مندداً ببرتوكول جبال النوبة باعتباره ظالم ولم يعطي أبناء النوبة بالحركة حقهم الذي يتناسب مع نضالهم وقتالهم وقد سبق تلفون كوكو في قول كلمة الحق القائد محمد جمعة نايل الذي تحدث عن ظلم الجنوبيين لأبناء النوبة وقتل عام 1993م – 1994م نتجية لمجاهرته بالحق. ومن ناحية أخرى نجد أن تقرير مجموعة الأزمات الدولية رقم 145 بتاريخ أكتوبر 2008م حوى فقرة بعنوان (الامتعاض من قيادة الحركة الشعبية) وقد جاء فيه بعد مرور عام على اتفاقية السلام الشامل بدأت الحركة الشعبية تعيد هيكلة صفوفها وطلب قائدها جون قرنق من عبد العزيز الحلو أن يتولى التطبيق بصفته رئيس القطاع الشمالي ولذلك عليه أن يكون خارج المناصب التنفيذية ولا يتولى وزارة اتحادية وعندما طالب الحلو بالموارد الضرورية احجمت قيادة الحركة عن منحه الدعم الكامل فشعر الحلو بالاحباط وتوجه إلى الولاياتالمتحدة للدراسة ولم يعد حتى أواخر العام 2007م وبعد رحيله لم تبادر أي شخصية من قيادات النوبة إلى المجاهرة بهموم ومصالح المجتمع المحلي وساد شعور بأن جوبا تهمل مشاغل الجنوب وتصب التركيز على حكومة الجنوبالجديدة وبعد ذلك شجع أبناء النيل الأزرق بالحركة الشعبية مالك عقار للإمساك بزمام الأمور بحسب التقرير. ويذكر التقرير أيضاً أن الإحباط نال من النوبة المؤيدين للحركة الشعبية في كاودا فاتهموا قيادتهم في كادوقلي بالفساد ومحدودية التفكير حيث أنهم وبدلاً من القيام بتلبية الحاجات ومعالجة الشكاوى السياسية اتسم القادة بالوهن ومالوا إلى خدمة مصالحهم الشخصية وسلكوا مسلك الفساد. خلافات داخلية: الخلافات الداخلية التي أشار إليها تقرير مجموعة الأزمات الدولية تجلت الآن عند اندلاع الأحداث في جنوب كردفان حيث أن المحرك الرئيسي للأحداث هو عبد العزيز آدم الحلو الذي بدأت الصحف تحمل تصريحاته من مقر القيادة العسكرية بحسب الصحف بينما قادة آخرين مثل اللواء دانيال كودي واللواء خميس جلاب يهرولون بين كافة الأطراف لكبح جماح الأحداث ومتوسلين إلى الحكومة بالصلح وعدم اللجوء للقوة العسكرية مما يدل أن ما حدث كان انفجاراً لأوضاع مكتومة في جنوب كردفان منذ بدايات إنفاذ اتفاق السلام كما يتضح من مقالات تلفون كوكو وتقرير مجموعة الأزمات الدولية وغيرها، أما قيادة الحركة الشعبية بالجنوب فقد خرجت للناس بتصريحات على شاكلة أن ما يحدث في جنوب كردفان شأن شمالي داخلي وأن كل الدماء التي سالت لا تعني الحركة وهذا ليس بمستغرب حيث أن الحركة الشعبية من قبل كانت قد استغلت مناوي وأبو القاسم إمام اللذان نزلا ضيوفاً على الحركة الشعبية في نهايات عام 2010م قبل إعلان مناوي التمرد قبيل بداية الاستفتاء على مصير جنوب السودان حيث جرى استخدامه كورقة ضغط ولضمان اعتماد نتيجة الاستفتاء وبعد ذلك أصبح معزولاً يبحث عن النصير في رفاق الأمس حيث اتجه إلى غريمه عبد الواحد نور الذي فارقه لسنوات كما اتجه أيضاً لطرق الأبواب الأخرى للعدل والمساواة وللتحرير والعدالة بحثاً عن داعم ونصير بعد أن خذلته الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل أن تخذل أبناء النوبة في الحركة وأولهم عبد العزيز الحلو الذي كان يتوقع دعم الحركة أو مساندتها له على الأقل.