التصريحات التي أدلى بها رئيس البرلمان السوداني أحمد إبراهيم الطاهر عن إمكانية إبقاء الجنسية السودانية على دينكا نقوك باعتبارهم مواطنين سودانيين، جدد بشكل قاطع مدى تمسك المؤتمر الوطني وقيادة السودان بتبعية أبيي لشمال السودان دون أن يعني ذلك فرض حل أحادي الجانب. وكان الطرفان قد توصلا في 20 يونيو الماضي في أديس أبابا إلى اتفاقية الترتيبات الأمنية الانتقالية لمنطقة أبيي والتي تضمنت العديد من البنود التي تصب في اتجاه الوصول لحل نهائي ومرضي للطرفين، كما اتفق الطرفان على أن حدود أبيي هي حدود العام 1956م بما يعني أنها شمالية، على أن تتولى قوات إثيوبية قوامها (4200) فرد حماية المنطقة بعد أن يقوم الجانبان بسحب قواتهما خارج حدودها. وصادق مجلس الأمن على القوات الإثيوبية التي سوف تنتشر تحت البند السابع وأطلق عليها (يونيفسا) بالإضافة إلى (50) من الخبراء والشرطة. ويرى مراقبون أن نشر قوات اليونيفسا من شأنه أن يعيد الثقة إلى علاقات الجانين والذي تسبب فقدانها في عدم الوصول إلى حل نهائي ودائم، فمنذ توقيع برتوكول أبيي في 26 يونيو 2004م اكتنف التوتر وحتى الصدام المسلح العلاقة بين قوات الطرفين واستمر طوال الفترة الانتقالية، مثل الأحداث التي شهدتها المنطقة في 2008م والتي أدت لإحراق المدينة وهروب الآلاف، وآخرها الأحداث التي حدثت في مايو الماضي عندما تعرضت سرية تابعة للجيش السوداني لهجوم دام من قبل الجيش الشعبي كانت تعيد اتشارها شمالاً تنفيذاً لاتفاق كادوقلي الموقع في يناير 2011م بين الطرفين، والذي قضى بأن يسحب كلا الجانبين قواته المسلحة على أن تبقى القوات المشتركة المدمجة فقط، لتقوم بمهمة تأمين المنطقة. واضطرت الحادثة الجيش السوداني للسيطرة على المنطقة بأكملها في 21 يونيو 2011م. دق الأسفين قضى اتفاق الترتيبات الأمنية الانتقالية بخصوص منطقة أبيي على ان يستمر الطرفان بعد قيام (اليونسيفا) بالانتشار في المنطقة في الدخول في مفاوضات تمهيداً للتوصل إلى حل نهائي للمنطقة. ويرى الخبراء أن خيار الحسم العسكري قد ظهرت نتائجه المرة ومن الصعب على الحركة الشعبية التي تلقت الضربات العسكرية من الجيش السوداني مرة تلو الأخرى أن تحاول معاودة الكرة مرة أخرى، لأن المعطيات بعد إعلان دولة جنوب السودان قد اختلفت، وأن ما رشح عن تسريبات تفيد بأن الحركة الشعبية في دولة جنوب السودان قد أعدت لواء عسكرياً تمهيداً لاستعادة أبيي والدخول إلى دارفور ما هو إلا فرفرة مذبوح، لأن حدود المناورة لدولة جنوب السودان ضيقة جداً و أن خيار الحرب يعني جر الدولة الوليدة لمستنقع لا تستطيع الخروج منه إلا بأثقل الخسائر. ولكن هذه التصرفات لا شك تكشف نوايا العديد من قادة الحركة الشعبية الذين لديهم ارتباطات قوية مع جهات خارجية تناصب السودان العداء والكيد، وأن هذه القيادات ستستمر في محاولاتها لاستعداء السودان ومد يد العون إلى الحركات المتمردة في دارفور وإثارة بقية الجبهات في الشرق وجنوب كردفان والنيل الأزرق من أجل الأطباق على السودان، لأن هذا التيار بحسب مراقبين لا يرى أن انفصال الجنوب وقيام دولته المستقلة إلا خطوة نحو تنفيذ المشروع الذي طالما حلمت به دوائر غربية لسنوات طوال وتكسر على صخرة صمود السودان. استباق الحل وجاءت تصريحات السيد رئيس البرلمان في سياق تأكيدات المستويات العليا من قيادة الدولة ان أبيي سوف تظل شمالية حتى ولو صير إلى خيار الاستفتاء على تحديد مصير المنطقة لو اتفق الجانبان الشمال والجنوب كما نص اتفاق أديس أبابا، على أن يصلا لصيغة نهائية للحل عبر التفاوض. ويرى الخبراء أن الآلية الوحيدة التي يمكن الركون إليها في حل مثل هذه المشكلات هي إجراء استفتاء لسكان المنطقة ليقرروا ما إذا كانوا يريدون البقاء ضمن الشمال وبنفس الوضعية التي قررها برتوكول منطقة أبيي بأن يكون لها وضعية خاصة وتتبع لرئاسة الجمهورية، أو أن يفضلوا الانضمام إلى دولة الجنوب. وكان الرئيس البشير قد قال أمام البرلمان وفي أول جلسة له عقب إعلان دولة جنوب السودان أنه إذا لم تحل قضية أبيي فإن السودان قد يكون مضطراً لاستخدام القوة، ويرى مراقبون أن تصريحات البشير ربما تكون استباقاً لمحاولات بعض الأطراف التي تحاول أن تجعل من وجود القوات الإثيوبية في أبيي فرصة لمزيد من المماطلة و التسويف وجعل الحل النهائي للمشكلة معلقاً بعد انسحاب الجيش السوداني من المنطقة تنفيذاً لاتفاقية أديس أبابا. ولتأكيد شمالية أبيي أيضاً كان الأستاذ الدرديري محمد أحمد مسئول ملف أبيي في المؤتمر الوطني قد سارع إلى التصدي لما يقال أن رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير قدم للمسيرية منصب نائب رئيس دولة جنوب السودان بصفة دائمة إذا ما قرروا الانضمام إلى الدولة الوليدة. وتصريحات رئيس البرلمان جاءت في سياق مناقشة البرلمان للتعديل الجديد لقانون الجنسية والتي اسقطها على المواطنين المنحدرين من جنوب السودان، وأكد من خلالها أن دينكا أبيي مواطنون شماليون بالتالي سيحتفظون بجنسيتهم السودانية، إلا إذا أجرى استفتاء واختار فيه مواطنوا أبيي الانضمام لدولة الجنوب عندئذ يمكن أن تسقط عنهم الجنسية السودانية.