( السودان يؤكد وقوفه مع الشقيقة مصر في كافة المجالات ).. بهذه الجملة اختتم وزير الدفاع الفريق أول ركن عبد الرحيم محمد حسين لقاءه مع مدير المخابرات المصري اللواء مراد وافي بمباني وزارة الدفاع قبل ان يصطحبه الي القصر الجمهوري للقاء المشير البشير رئيس الجمهورية حاملاً رسالة من المشير طنطاوي رئيس المجلس العكسري الانتقالي بمصر.. وهي عبارة علي مايبدو أجابت علي الكثير من محاور النقاش التي دارت بين الرجلين قبيل تسليم الجنرال المصري رسالته للمشير عمر حسن احمد البشير رئيس الجمهورية. والناظر للملامح العامة التي اتسمت بها العلاقات الثنائية بين الخرطوموالقاهرة مؤخراً يجد أنها ملامح تحاول ان تخطو جادة نحو مربع جديد يتجاوز كافة أزمات الماضي التي كانت تقف من خلفها دول كبرى علي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية وقد كانت الحكومة المصرية السابقة تنفّذ تعليمات أمريكا حرفياً وذلك عبر اللعب علي كل الحبال التي من شأنها ان تجعل شكل العلاقة متارجحاً بين التطبيع الواضح والأزمة المكتومة إلى أن وصل مرحلة الخلاف الخفي. ويبدو ان المشير عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية قد أشار الي هذا الإتجاه بوضوح من خلال الحوار الصحفي الأخير مع صحيفة الشرق الأوسط حيث قال في شأن العلاقة مع مصر:( أقول بصريح العبارة إن مصر في عهد حسني مبارك كانت جزءاً من التآمر على السودان، ولكن الآن المجلس العسكري المصري لديه قناعة تامة بأن السودان يمثل أمنا قومياً لمصر، سواء كان أمناً غذائياً، أو مائياً، أو عسكرياً أو معلوماتياً أو غيره.. وأعتقد أنها رؤية ممتازة ومهمة كانت غائبة عن النظام المصري السابق. ونحن على قناعة تامة بأن من يأتي سوف يكون إفرازاً لثورة شعبية ويأتي عبر الانتخابات التي ستكون أكثر قدرة على اتخاذ القرارات فنحن مطمئنون للغاية على مستقبل علاقتنا مع مصر). حديث رئيس الجمهورية أيضاً ينظر إليه بعض المراقبون بأنه حمل رسالة واضحة لجهات بعينها في المحيط الاقليمي والدولي تحاول ومنذ فترة ليست بالقصيرة تمرير أجندة بعينها عبر الاعلام المصري وذلك من خلال التصريحات والاتهامات التي كانت بعض الصحف المصرية تقحم فيها الخرطوم ضمن المجموعة المعادية لثورة الخامس والعشرين من يناير رغم دعم الحكومة السودانية لمجلس قيادة الثورة منذ ايامه الأولى حتي خيل للبعض ان الأيام القليلة الماضية شهدت حالة من الاحتقان فى علاقة البلدين عقب الاتهامات المصرية للسودان بأنه من بين الدول المتأمرة على الثورة. ويبدو ان الرسالة التي حملها مدير المخابرات المصري كانت تمضي في ذات الإتجاه الذي اشار اليه رئيس الجمهورية المشير البشير خاصة وان العلاقات بين البلدين أصبحت هناك مؤسسات تتحكم في طرق ادارتها بصورة تختلف عن المنهج السابق الذي تقول فيه العديد من القراءات للشأن السوداني المصري ان اتفاق الحكومتين على رفع مستوى الادارة بينهما الى مستوى وزراء الخارجية في البلدين، يعد خطوة كبيرة فى وضع العلاقات فى مسارها الصحيح خاصة انها المرة الأولى التي ينتقل فيها شأن العلاقات مع السودان من جهاز المخابرات الى وزارة الخارجية المصرية، مايعنى تجاوز الهواجس الأمنية الى أفق التوافق الاستراتيجي . وافق التعاون الاستراتيجي المستقبلي بين البلدين جاءت ايضا ملامحه واضحة في حديث سفير السودان بالقاهرة كمال حسن علي الذي اكد فى تصريحات صحفية استبقت زيارة مدير المخابرات المصري للخرطوم مبينا فيها ان العلاقة بين البلدين الشقيقين تعيش فى أحسن حالاتها وقال انه بالفعل بدأ العمل في زراعة مليون و250 ألف فدان في المشروع المعروف ب(الأمن الغذائي بين البلدين) ، وهو المشروع الذى عطله الرئيس السابق حسنى مبارك ارضاءً لأمريكا التى كانت تعترض على هذا المشروع على حسب قوله، واوضح السفير أنه التقى مؤخرًا بوزيرة التعاون الدولي المصري، الدكتورة فايزة أبو النجا، واتفق معها على زيادة التعاون في كل الملفات، خاصة الزراعة والانتاج الحيوانى والربط الكهربائي، بالاضافة الى وجود لجنة تنسيقية بين البلدين تعقد كل شهر من أجل حل المشكلات بين البلدين، خاصة التى تواجه المستثمرين المصرين والذين تزايدت استثماراتهم بالسودان الى أكثر من 6 مليارات من الدولارات، لافتا الى أنه تم التوقيع على مشروع اللحوم الاستراتيجى حيث تم تخصيص (30) ألف فدان بالسودان للانتاج والتصنيع الحيواني، وأضاف حسن انه تم الاتفاق على الشركة التى ستنفذ مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، كما تم الاتفاق على الشركات التى سوف تقوم بتنفيذ عدد من المشروعات الكبرى والربط البري بين البلدين وتيسير حركة النقل البري والبضائع دون شروط،. وتشير بعض المصادر الي انتقال ملف العلاقات بين الخرطوموالقاهرة من ايدي المخابرات المصرية الي وزارة الخارجية بين البلدين للمضي قدما في تحقيق التعاون الاستراتيجي ربما تكون هي أبرز ملاح الرسالة التي نقلها مدير المخابرات المصري عن رئيس المجلس العسكري المشير طنطاوي الي الحكومة السودانية ممثلة في الرئيس البشير فيما تذهب بعض القراءات الي اكثر من ذلك لتؤكد ان الخيار العملي لنهضة العلاقات السودانية المصرية قد تعرضت له الرسالة في الترتيب الذي يجري الان لزيارة النائب الاول لرئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه الي القاهرة مطلع اكتوبر القادم وهو ما يمثل خير دليل علي انتقال الملف عمليا وبقناعة مصرية خالصة من المساحة الامنية المحدودة الي مسار القنوات الدبلوماسية بين البلدين.