شهد مهرجان الدوحة الثقافي في دورته الرابعة تنظيم ندوة هامة حول الرواية والتاريخ استمرت يومي الأربعاء والخميس بمشاركة نقاد وروائيين عرب وعالميين، قدم خلالها بعض المبدعين شهادات عن طريقة تعاملهم مع التاريخ ونوقشت عدة جوانب من العلاقة بين الرواية والتاريخ. وافتتحت الندوة بالاستماع إلى روائيين من فضاءات ثقافية متنوعة وخلفيات فكرية مختلفة، تحدثوا عن طريقة استلهامهم ومعالجتهم للمادة التاريخية التي كانت موضوعا لأعمالهم السردية حيث تباينت وجهات النظر من مبدع لآخر. ففي حديثه عن تجربته الطويلة التي كتب خلالها نحو عشر روايات، يحذر الكاتب الجزائري واسيني الأعرج من المخاطر التي تشوب الحقيقة حول بعض الأحداث أو الشخصيات التاريخية وبالتالي تأثيرها حول قيمة العمل الروائي. أما الكاتب العراقي عبد الخالق الركابي فيبرر نزوعه الأصلي للرواية التاريخية بأنه كان هروبا من الحاضر. ومن سياق ثقافي آخر، يقول الروائي الأميركي جيمس رستن إنه لا يهتم بالتاريخ من أجل التاريخ ولكن بالتاريخ الذي يعلمنا شيئا عن العالم الذي نعيش فيه اليوم. لذلك فهو يقول إنه يختار الكتابة عن شخصيات معروفة في تاريخ الإنسانية يصفها بالملحمية والاستثنائية كغاليليو وصلاح الدين الأيوبي، لأنه في نظره لا معنى للكتابة عن الناس العاديين. أما الروائي البريطاني ذو الأصل الباكستاني طارق علي فإن اهتمامه بالتاريخ في أعماله يعود إلى مرحلة الطفولة حيث كان مولعا بجميع ضروب الكتابة ذات الخلفية التاريخية، إلى أن تطور ذلك إلى اهتمام إبداعي شخصي خاصة بالحضارة العربية الإسلامية وبرموزها الكبيرة، تمخض عنه مشروع خماسية حول الإسلام ابتدأت برواية ظلال شجرة الرمان ووصلت جزأها الرابع برواية سلطان في باليرمو. وفي الجلسة الثانية انصب النقاش خلالها على القواعد والأسس السردية للرواية التاريخية، حيث رصد الجامعي الأردني محمد شاهين موقع الرواية التاريخية في الأدب العالمي مركزا على الأدب الإنجليزي في العصر الفيكتوري وعلى الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر. أما الناقد المغربي سعيد يقطين فركز مداخلته حول مختلف مستويات العلاقة بين الرواية والتاريخ شكلا ومضمونا، وما تطرحه من إشكاليات على مستوى الجنس الأدبي خصوصا ونظيره الأدب بصفة عامة. وفي نفس السياق تناول الجامعي التونسي محمد القاضي الطريقة التي توظف بها الرواية المادة التاريخية. وبالجلسة الثالثة والأخيرة كانت مناسبة لمعالجة تجارب إبداعية كان التاريخ مادتها الأولى، كتجربة جورجي زيدان وأخرى كان التاريخ مرجعها وملهمها كما هو الشأن في بعض أعمال الكاتب المصري نجيب محفوظ. وخلال هذه الجلسة تناول الناقد الفلسطيني فيصل دراج السياق والشروط الثقافية للرواية التاريخية العربية. وخلص إلى أن علاقة الرواية العربية بتاريخها تؤمن ثلاثة أهداف هي: رؤية وقائع الحاضر بوضوح لا يسمح بها الزمن المباشر المعيش، تأصيل الرواية العربية، خلق علاقة أليفة بين النص والقارئ. وخلص المشاركون في الندوة إلى أن طرح علاقة الرواية بالتاريخ ينبع من وعي أصيل بدور الإبداع في صناعة التاريخ الحضاري للشعوب الحية، على أساس أن الفن هو الذي يشكل الضمير ويبلور رؤية الشعوب. ودعا الحاضرون الكتاب العرب لاعتبار التاريخ القومي جزءا مكونا في نسيج الثقافة الإنسانية بعطائه الحضاري، وإلى ضرورة وضع جدلية الصراع في موقعها الصحيح من منظور تاريخي إبداعي لا يغلق التاريخ في مركزية غربية ولا يتعامل مع الثقافات القومية بمنطق الهيمنة. كما حثوا في التوصيات التي ختموا بها الندوة كبار المبدعين في العالم على تفعيل موقفها النقدي من التيارات السياسية الظالمة للشعوب الأخرى، بما يعني تحريك الرأي العام في اتجاه التعامل الديمقراطي في العلاقات الدولية مثلما يحرصون على تطبيقها في السياسات الوطنية. ومما زاد في الاحتفالية بالرواية في مهرجان الدوحة إعلان المنظمين مشروع "جائزة قطر العالمية للإبداع الروائي" والتي اختير لها موضوع "كتابة التاريخ العربي المعاصر بأسلوب روائي". وقد اعتبر المنظمون أن هذه الندوة هي مناسبة لإثراء النقاش حول هذا المشروع. قناة الجزيرة