يا ترى من فكر في هذا الجنون؟ أي شيطان أخرس دفع بكتائب ما يُسمى بالجبهة الثورية لفضاء أبو كرشولا؟ ماهو الهدف الاستراتيجي والتكتيكي من تلك الغزوة وماذا انجرت في كليهما؟. على المستوى الاستراتيجي لا مكاسب تحققت للجبهة بل كشفت في أول عمل مشترك لها عبثية فعلها وانسداد الأفق أمامهما وتلقت إدانات العالم وإن كانت على استحياء. لقد كانت غزوتها الكارثية خير معين للحكومة السودانية للكشف عن الطبيعة الدموية للجبهة وخلوها من أي مشروع بديل للنظام القائم. تزلزت أقدام الجبهة انهارت فكرة العمل المشترك كاستراتيجية جديدة للجبهة بعد تبيان عجزها عن إنجاز أي انتصار مهم أو حتى المحافظة على رقعة أرض محدودة لفترة طويلة. أنهارت فكرة تحالف الهامش ضد المركز إذا تحول الهامش نفسه لضحية للمهمشين، وبأن ان مهمة بعض الفصائل من المهمشين تدمير ما تبقى من أرض وإنسان في هوامش أخرى. التهميش الذي كان أداة للتعبئة ضد المركز أصبح أداة لإفناء الهوامش نفسها. فتحولت الحرب من هامش ضد مركز لحرب الهامش ضد الهامش!!. لم تكن يوماً أبوكرشولا ولا الله كريم مركزين يستحقان التدمير أرضاً وبشرا. ارتدت غزوة أبوكرشولا على نحر الجبهة إذ سيحمل الهامش منذ ما بعد أبوكرشولا سلاحه بيديه ليدافع عن نفسه فعوضاً ان تحقق الغزوة هدفها بإثارة الهامش ضد المركز هاهي الجبهة تحول بفعلها الهجمي الهامش لعدو ضد استراتيجيتها. في استطلاع أجرته إحدى الصحف الاسبوع الماضي مع أحد النازحين، قال إنهم لم ينزحوا تجاه العاصمة بحثاً عن الملجأ وإنما عن السلاح!!. المركز نفسه التي تتدعى الجبهة أنها تناضل لتخليصه من براثن نظام الإنقاذ توحّد وجدانياً ضد الجبهة وممارساتها كما لم يفعل من قبل. قولة بليغة للسيد الإمام الصادق كشفت عن جوهر ما انتاب النخب الوطنية من قلق بالغ (نحن ضد الوطني وليس ضد الوطن). فالرسالة التي تلقتها النخب والجماهير عامة في المركز أن القضية ليس الإنقاذ تسقط أو تبقى إنما أجندات أخرى شاهدوا عيناتها المرعبة في أبو كرشولا!!. الذين تابعوا الفترة القلقة والمتوترة التي عاشتها الجماهير منذ دخول قوات التمرد لأبوكرشولا إلى إجلائها منهم يدركون مدى عمق المخاوف التي انتابت الجميع ليس لأن قوات الجبهة كانت تتقدم باتجاه العاصمة كما أذعنوا ولكن لأن إحساساً عاماً قد تبدي أن البلاد تواجه المجهول. المجهول قدم نفسه بأبشع صورة للعامة وللنخب في المركز بخطاب عنصري تارة وآخر يفيض بالغبائن، ولم يكتف بخطابه ذاك بل الحق القول بالعمل. الغزوة كإنجاز تكتيكي نوعي نقل حرب الجبهة إلى مناطق أخرى في الشمال كما أعلنوا سرعان ما تكشف زيفه. فنقل الحرب إلى أي منطقة عملية سهلة، ولكن الصمود في المواقع وإدامة الحرب فيها هو الذي يصنع واقعاً جديداً، أما تسديد الضربات هناك والهرب إلى الخلف لن يحقق انتصاراً مهماً وإن صنع فرقعة إعلامية تحتاجها الجبهة فقط لإثبات الوجود. هذه الفرقعة الإعلامية نفسها سرعان ما ارتدت عليها إذ بدأ الإعلام العالمي ينأى بنفسه عن الجبهة الثورية وتوقف عن نعت أفرادها بالثوار بعد نشر تقارير إعلامية كشفت عما جرى في أبوكرشولا من مجازر قبل تحريرها وهي التقارير التي شكلت صورة قاتمة للجبهة وانهت أي مكاسب إعلامية من غزوتها الكارثية تلك. على المستوى الإنساني خلفت الغزوة مئات من الشهداء والقتلى والآلاف من اليتامى والأرامل والنازحين وعاثت في الأرض فساداً أخلاقياً وإنسانياً. تلك الغزوة كان ضحيتها الأولى الإنسان وليس النظام.. فأية ثورة تلك أول ضحاياها الناس تهتك حرماتهم ويقتلوا ويذبحوا وتنهب أموالهم وتهدر مصادر أزراقهم.. يا لها من عبث محض شرب من نهر الجنون!!