خارطة طريق إماراتية شاملة لإنهاء أزمة «الفاشر» شمال دارفور    القلق سيد الموقف..قطر تكشف موقفها تجاه السودان    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملايين والملاليم في نضال هالة عبدالحليم


خبز التقدمة:
كرهت تفاهة الثوار
وكت يبقى النضال قعدة
كرهت قصائد الحفلات
عن الثورة وعن الجبهة
كرهت معارك الأحقاد
تحيل اسم البلد لعبة
كرهت تطاول الاولاد
والساقطين من النقاد
(للشاعر هاشم صديق)
(1)
في زمن قديم عرفت أوساط المجتمع المدني عن دعم تمويلي كبير تلقته المنظمة الناهضة من جهات اجنبية لتغطية مناشطها التنموية، وكذلك عرفت السيدة الطامحة (او الطامعة، لا فرق)، فتململت في مقعدها. في الأصل لم تكن السيدة راضية عن وضعها في المنظمة بعيداً عن سلطة القيادة التنفيذية والتحكم في المال. دخلت الى مكتب المدير وجلست قبالته. نظرت في عينيه بجرأة معروفة عنها، ثم اخبرته انها تريد منه ان يعينها في وظيفة المديرة التنفيذية. ظنها المدير تمزح فدستور المنظمة لا يعرف شيئاً اسمه مديرة تنفيذية. ولكن السيدة ركبت رأسها وأصرت على تغيير الدستور وتعيينها مديرة، وان تنال السلطات والراتب الذي أرادته. يا للجبروت!
رد المدير بلطف: "وإذا عينتك مديرة فماذا افعل أنا؟" قالت: "تصير مديراً عاماً تعتني بالأسفار واستقطاب الدولار، وأصير مديرة تنفيذية أتكفل بإدارة المال وتوجيه العاملين". قال المدير: "إذا كنت تعنين ما تقولين فسيصبح لزاماً على ان اكون واضحا معك. انت لا تصلحين للوظيفة، بافتراض وجودها، لانك ترأسين حزباً سياسيا، وهذا يتناقض مع طبيعة ومبادئ العمل المدني الذي يتطلب الحياد والموضوعية والوقوف على مسافة واحدة من الجميع. ثم أن وظيفة المدير تتطلب مؤهلات فنية لا تملكينها، مثل التفكير الاستراتيجي والتخطيط وادارة الموارد البشرية والمال وغير ذلك من الخصائص والمهارات". وضرب لها مثلاً بأنها في حالة خصام تام ودائم مع عدد من موظفي المنظمة، لا تبادلهم حتي التحية، فكيف تتولى ادارتهم والتعامل معهم؟!
مدير المنظمة محق ولا ريب، حيث أن تقويم أداء السيدة يقول بأنه معروف عنها تقلب المزاج والتحول المفاجئ من الصداقة اللصيقة الى العداوة الشديدة، والفجور في الخصومة، وأنها اذا عادت شخصا او استعدته تتملكها رغبة جامحة في إلحاق الاذى به بكل سبيل. وهذا النوع من الشخصيات لا يصلح لقيادة البشر وادارة الموارد .
بقية الرواية، مثل بداياتها، متوفرة في الفضاء العام. قررت السيدة ان تنال بغيتها مهما علت التكلفة، فتحزّمت وتلزّمت، وفرشت النمارق ودقت الدفوف. ثم قادت المنظمة الى اتون حرب ضروس نادت الى ساحتها الأحباب في شبكة المعارف والاصدقاء، وكثير من المتطلعين الى حفيف الدولار وصريف اليورو. ولكن الله غالب على أمره. خسرت صاحبتنا خسراناً مبيناً، فلملمت أطراف ثوبها وغادرت المنظمة، كسيرة الهامة حسيرة الكبرياء. نعم خسرت هي، ولكن الكيان المدني لم يسلم هو أيضا من الخسارة. ففي مثل هذه الحروب تهدر الطاقات والموارد والمشاعر والقيم الانسانية. فما بالك اذا كان الكيان، الذي كادت أن تعصف به الأهواء والرغائب وشرور النفس الانسانية، يحمل رسالة الاستنارة وقيم الديمقراطية وثقافة السلام وحقوق الانسان!
(2)
أهتزت صورة مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، بل وصورة المجتمع المدني ككل، أمام السابلة في قارعة الحياة العامة، وهم يرون مرأى العين سفور (المناضلين) وهم يدلقون أطماعهم الذاتية، وفجورهم في طلب المناصب والمكاسب الشخصية، واستعدادهم لبيع أى شئ وكل شئ طلباً لما عند الناس. وكذلك يهتز اليوم كيان المعارضة، الذي يطلق على نفسه اسم تحالف قوى الاجماع الوطني، وذات السيدة، التي تحتل موقعاً متقدماً في قيادته، تكبر: الله أكبر، ثم تفترسه، وتذبحه من الوريد الى الوريد، بدم بارد. كما فعلت الاسبوع الماضي وعلى مشهد من بعض رموزه.
جاء في الأنباء على لسان السيدة: "ان الاحزاب السياسية المعارضة المنضوية في تحالف قوى الاجماع الوطني رثة وعاجزة وغافلة وفاشلة". وانها قالت أمام حشد حافل بمدينة ام درمان عن هذا التحالف أنه بلا رؤية، وانه اخفق في تقديم قيادة ملهمة (هل ما زالت القوى التقدمية تؤمن بالإلهام والقيادات الملهمة؟) وزادت من الشعر بيتاً فقالت أنه "السبب في وجود واستمرار نظام الانقاذ". ثم اجهزت عليه تماما واطلقت على رأسه رصاصة الرحمة فقالت عنه أنه "مثال كامل للعجز والفشل". لا حول ولا قوة الا بالله. سبحان الباقي الحي.
كما هو واضح فالسيدة هنا تباشر وعلى عجل أجندة جديدة لمرحلة (نضالية) متقدمة. وقد اقتضت الاجندة ومقتضيات المرحلة التضحية بكيان المعارضة كله، من اوله الى آخره، جملةً واحدة. استعداداً لأفق جديد، ربما يحمل لها السعد والرفاهية التي عجز عن جلبهما تحالف قوى الاجماع الوطني. ولا بد أن زملاء السيدة في قيادة التحالف الذبيح قد أقبلوا بعضهم على بعض يتلاومون، ولسان حالهم يحدث: (المناضل) الذي يبيع مراكز المجتمع المدني صغيراً، ليس كثيرا عليه ان يتطور فيبيع تحالف قوى الاجماع الوطني كبيراً.
خسارة التحالف، بغير شك، فادحة. إذ يفترض في هذا التنظيم أنه يشكل الوعاء الجامع لكل القوى السياسية السودانية المتضافرة وراء هدف اسقاط نظام الانقاذ واستعادة الديمقراطية. لذا فسيتعين عليه ان يقدم لعضويته ولجماهير شعب السودان، التي يزعم انه يمثلها ويقودها الى نهارات الحرية والديمقراطية والعدالة، تفسيره للتصريحات التي ادلت بها السيدة والتي وصفت فيها التحالف باختصار شديد بأنه كيان قمئ. جثة هامدة. لا يمثل شيئاً! يضاعف المسئولية بطبيعة الحال ان السيدة تحسب على انها من رموز التحالف، والتي طالما احتفى بها وصدّرها، وعدّها من أقمار مجرته!
(3)
أنا شخصيا لدى تفسير بسيط جدا، ألوذ به حتي يأتينا تحالف قوى الاجماع بتفسيره. اذا كان المال والسلطة هو الدافع في الحالة الاولي، عندما تقحّمت السيدة على منظمة المجتمع المدني المار ذكرها، فإن هناك ثلاثة دوافع للحالة الثانية. الاول، هو رغبة عارمة وعارية في الشهرة واستقطاب الأضواء. الثاني، هو حاجة ملحة للهرب والنجاة من سفينة تحالف قوي الاجماع الوطني الغارقة. أما الثالث فهو ما يسميه الفرنجة إعادة صناعة – او صياغة - الذات وتقديمها في صورة جديدة، وذلك بعد ان انتهت مرحلة التحالف. وبعض الذين يدخلون – ويلمعون - الحياة العامة من باب (النضال) لا بد لهم من (نيو لوك) يناسب كل مرحلة. ومن طلب النيولوك فما ظلم، لا سيما ان كان المناضل سيدة!
كيف انتهت مرحلة تحالف قوى الاجماع الوطني؟ كان الامام الصادق المهدي قد قال رأيه حول هذا التحالف ووصف القوى السياسية المنضوية تحته، بما في ذلك التنظيم الذي تتزعمه السيدة بأنها (أحزاب طرور). وكانت هذه هي المرة الاولى التي اختلف فيها مع الامام. فالحقيقة أنه باستثناء الحزب الشيوعي، مسنوداً فقط بوزنه التاريخي، فأن الطرور يبدو لي اكثر وزناً وأعلى قيمة، اذ ماذا يساوي حزب حق وحزب البعث العراقي وحزب البعث السوري في ميزان السياسة السودانية؟ وأنا لا أعد جماعة المؤتمر الشعبي حزباً، اذ يعلم الجميع أنها ثلة تدور مع شخص المرشد، الذي فقد ظله، وجوداً وعدماً، كما المعلول مع العلة، وان مصير هؤلاء أما الانقراض في مستقبل منظور واما العودة الى المراح.
ولكن الثابت عندي أن رصاصة الرحمة الحقيقية اطلقها على هذا التحالف القيادي الشيوعي الاستاذ كمال الجزولي قبل عدة أسابيع، عندما نشر مقالاً بعنوان (معارضة الطرور أم معارضة الصندل)؟ عبر فيه عن قناعته بأن الاجماع الوطني كشكل لتحالف المعارضة قد مات (ونحتاج الى قرار شجاع بفضه). ولا تخالجني ذرة شك أن موقف كمال الجزولي الجهير والمباغت ذاك كان بمثابة (الكتابة على الجدار)، في قول الفرنجة، الذي قرأته السيدة ثم حسبت حسابها وتدبرت أمرها. واستقر وجدانها على الا تنتظر حتي الميقات الرسمي لتشييع الجنازة، فتجد نفسها - هي وتنظيمها الورقي - ضمن الضحايا المطلوب دفنهم. قررت السيدة بوعي راكز وذكاء شديد، تحسد عليه، أن تستبق الاحداث، وأن تتعجل لإدخال تعديل سريع على ترتيبات الجنازة، بحيث تكون هي ضمن المشيعين. والامانة تقتضي أن اقول هنا أنني وجدت نفسي في زمرة من يحسدون السيدة على هذا الذكاء الخرافي، إذ أنني لم أر في حياتي كلها بشراً يقفز من داخل التابوت ويندغم في صفوف المشيعين!
(4)
ولكن ألا يجوز أن يكون الأمر غير ذلك؟ كأن تكون السيدة قد باعت نفسها لحكومة الانقاذ وجهاز أمنها ومخابراتها، وارتهنت لبصاصيها وجلاوزتها، ووظفت نفسها لخدمتهم لقاء أجر معلوم؟ أغلب سياسيينا أخيار والحمد الله. ولكن الحقيقة المُرة تقول أن بعض هؤلاء لهم ثمن. ذلك بطبيعة الحال افتراض جدلي مؤسس على تجربة الشعب السوداني مع نشطاء المعارضة خلال ربع القرن الماضي.
نحن، وغيرنا، يعرف عن السيدة أنها تمارس العمل السياسي بدوام جزئي محدود، كون الحزب الذي تقوده عبارة عن "قردين وحابس"، وان التحالف الذي تنتمي اليه لا وجود له اصلاً بحسب منطوق عباراتها هي نفسها. وهذا هو الذي يفسر لنا لغز كون السيدة تقضى اغلب ساعات يومها في عوالم الانترنت، حيث تمارس هناك أنواعاً اخرى من (النضال)، يعرفه رواد الأسافير، منذ أن بدأت مشوار الثرثرة والتداعي تحت الاسم المستعار (هميمة)، قبل عشر سنوات، وحتى آخر اسم مستعار تزرع به حوارى الانترنت في ليلنا الماثل!
السيدة – كما ذكرنا – تعتبر ركناً ركيناً من من الواقع العام الذي تعرفه سوح (المناضلين) ضد الانقاذ في مشارق الانترنت ومغاربه. ولما كان معلوماً بالضرورة من حقائق هذا الواقع أنه يكفي ان يخطئ المرء في كتابة عبارة فتفهم على غير وجهها، حتي تكال عليه اطنان الاتهامات بالعمالة للانقاذ، وينعم عليه بصفات مثل "الامنجي" و"الانتهازي" و" المأجور" و"الخائن"، فإننا نتساءل، وكل البراءة في عيوننا: ما الذي يمنعنا من الامساك بإحدي هذه التهمات الغلاظ فنقذف به في وجه السيدة، فتنال نصيبها العادل من صفات المأجورية والسقوط والعمالة والخيانة؟ لا سيما وأن صفحاتها الاسفيرية في هذا المجال ثرة وحافلة. ثم - وهذا هو الأهم - أن ما بين أيدينا هنا ليس من قبيل سوء الفهم او العبارات الملتبسة، بل عمل تخريبي مباشر، ينال في مقتل من الروح المعنوية للمعارضين من عناصر التحالف، ويصب في بحر الانقاذ عذباً سلسبيلا!
واذا لم يكن ذلك كافياً فلا بأس. باب الاجتهاد مفتوح، ونستطيع بعون الله ان نفتل للسيدة ونعقد لها ما شئنا من الشبهات. ما رأيك في مشروع هذه الشبهة، أعزك لله: في حديث أجرته معها مؤخراً صحيفة (السوداني) نفت السيدة تسلمها سيارة برادو من سفارة أجنبية. ممتاز. ولكنها عندما سئلت عن السيارة ذات الدفع الرباعي الفاخرة الجديدة التي اقتنتها ردت بأن هذه السيارة من ممتلكاتها الشخصية وانها (اشترتها) من نقابة المحامين. سبحان الله. أى نقابة محامين؟ هل هي نفسها نقابة المحامين المملوكة حكراً للمؤتمر الوطني الحاكم ورجاله، ام نقابة اخرى لا نعرفها؟ هل هي ذات النقابة الحكومية التي اعتدت بالضرب على المحامين الديمقراطيين واسرهم وضيوفهم في رمضان ومنعتهم من الافطار في دار المحامين؟ ومنذ متى أصبحت نقابة المحامين تتاجر في السيارات الفاخرة ذت الدفع الرباعي؟ أم أن السيدة التي تدّعي معارضة النظام لا تعاف في ذات الوقت ان تأكل على موائده وتستطعم عطاياه؟
وقد نمضى في التساؤلات فنسأل، ومقدار علمنا ان السؤال ليس حراماً: من أين للسيدة مثل ذلك المبلغ الطائل لشراء سيارة ذات دفع رباعي فاخرة وجديدة وهي بلا عمل معروف، سوى مكتب يفترض انه للمحاماة، يعلم كل من له صلة بالحرف القانونية في الخرطوم انه بلا عمل، وانه يستخدم فقط لأغراض الوجاهة الاجتماعية والعلاقات العامة، يلتقي تحت سقفه الأحباب لأكل الطعمية بالشطة والليمون وشرب الشاى الأحمر؟!
هل نمضي قدماً فنقول بأن الفقاعة الاعلامية حول القضايا التي يفترض ان السيدة رفعتها ضد رؤساء تحرير الصحف حول دعاوي (البرادو) تجوز فقط على الدهماء. وأن الامر في مبتدئه ومنتهاه لا يعدو ان يكون فقرة تمثيلية الغرض منها تهيئه المسرح للوجه (النضالي) الجديد، وفقما صدقت به الجهات التي تملك حق التصديق. والمعني في بطون شعراء بلادي!
(5)
تحالف قوى الاجماع الوطني يضم قوى (رثة وعاجزة تجسد الفشل)، عجزت عن ان ترفد شعب السودان بشئ مفيد. هذا التحالف يضم الحزب الشيوعي، وهو رث، بحسب الاستاذة. كما يضم احزاب البعث وهي رثة، وثلة الترابي وهم أرثاث، لو صح وجود مثل هذا اللفظ في لغة يعرب. وقد يكون هناك رث آخر تاه من تحت رادارنا (مع التسليم بأن "رث الشلك" لا علاقة له بالتحالف ولا بقضية اسقاط الانقاذ). وقادة هذه الكيانات السياسية رثّون أيضا. طيب، وماذا بشأن السيدة نفسها وحزبها المدعو(حق)؟ فلتبذل لنا السيدة أمارة واحدة فقط تقنعنا انه ليس برث، وسنرضى بها. انجاز واحد فقط نخرس بعده اقلامنا وافواهنا. اذ ليس من المنطق ان يكون الفشل خصيصة تلحق بمجمل التنظيمات الاخري، بينما تنظيم السيدة مبرأ كمريم العذراء ويلمع مثل البرلنت. يا لبؤس الحزب الشيوعي الذي قاده في يوم من الايام شهاب ساطع مثل عبد الخالق محجوب، يا لخيبة الترابي وحركته الاسلاموية التي شيدها عبر خمسة عقود مدماكاً مدماكا، ويا لهوانهما على الناس. وها أنذا أرثي إرث الرجلين الرث!
ماهي انجازات السيدة نفسها في الحياة العملية (نستثني انجازاتها المشهودة في ليالي الأسافير)، التي جوّزت لها أن تطلق الاحكام القيمية الاطلاقية على كيانات سياسية مثل تلك المنضوية تحت لواء التحالف؟ هل بالامكان ان يقدم لنا احد شاهدا واحدا على نجاح شخصي مهني في حقل القانون؟ لا نظن، لأن ساحة الانجاز المهني القانوني في السودان لا تقبل الإدعاء والتلفيق. ونحن نعلم ان السيدة فشلت في مشروعها للسيطرة على مركز الخاتم عدلان وخرجت منه آخر الأمر شريدةً طريدة وقد قبضت الهواء. وقد عرفنا لتونا ان التحالف الذي قدمها كواحدة من رموزه وبنت مجدها على صيته انتهي أيضا الى العدم، فلا انجاز ولا من يحزنون. ثم أن الحزب الذي يقال ان السيدة ترأسه خبره عند الكافة، ولا يعدو ان يكون جماعة وهمية، تعجز في اغلب الاحوال ان تجمع اكثر من عشرة أشخاص لحضور فاعلياتها. أين اذن الانجاز المهني والفلاح السياسي والنجاح في حقول العمل العام الذي يخول لمثل هذه السيدة أن تمتطي صهوة الحصان العالي وتقف عند رأس الجبل لتقود وتوجه وتوزع الاحكام على الناس يميناً وشمالاً، وكأنها خرقت الأرض وبلغت الجبال طولا؟
(6)
السيدة تعرف كاتب هذه الكلمات كما تعرف جوع أحشائها، وتعرف أنها ليست في أحسن كتبي. تماما كما أعرف أنا انني لست في خير كتبها. ولكن التزامي الدائم في الكتابة الصحفية منذ حملت أمانتها بحقها، هي ان اقدم للقارئ الحقيقة النجلاء كما أراها أمامي. وأنا افخر - وان كنت لا أمتن على الأحرار من أبناء وطني - أن لي سجلاً ناصعاً في اشاعة الوعي وتمليك الحقائق، وهتك حجب الأوهام، وإماطة اللثام عن الأنبياء الكذبة، والدجاجلة، وسدنة الانتهازية السياسية الذين يرفلون في حياتنا العامة.
أجيالنا الطالعة تستحق افضل من هذا. تستحق قيادات وطنية صادقة، نقية ونظيفة، ملتزمة بقضايا هذا الشعب، ملتصقة بأشواقه وتطلعاته المشروعة. قيادات عارفة ومتجردة تتخذ من العمل العام وسيلة للتغيير، لا مطية لاكتساب البهاء الاجتماعي، وسلماً للثراء والشهرة، وارضاء أهواء النفس النزاعة الى الألق والنزق. أجيالنا الطالعة تستحق قيادات تؤمن بدور كل من نال حظاً من التعليم في أن يقدم لشعبه ولوطنه بقدر مستطاعه، دون ان تجعل من العمل العام سبيلاً من سبل كسب العيش، يهئ لمن فشلوا في مساراتهم المهنية ما يعينهم على تعويض خساراتهم وقلة محصولهم من معاظلة الدنيا.
أجيالنا الجديدة، وقد أعياها الفشل والاحباط والكآبة، ترفض التهريج والاستعراضات البلهوانية، والتلاعب بالمواقف، والقفز فوق حبال النضال الدائري في سيرك العبث السياسي.
(7)
أما السيدة التي وصفت تحالف قوى الاجماع الوطني بأنه كيان قمئ ورث وانه مثال للفشل، فإنه يصبح لزاماً عليها، بعد ان قفزت من السفينة الغارقة، وقبل ان تصعد الى متن مركبها الجديد، أن تقدم اعتذاراً مكتوباً للسيد الدكتور نافع على نافع مساعد رئيس الجمهورية. فتلك الأوصاف عينها وجهها الرجل من قبل للتحالف فكالت له السيدة - وغيرها من قادة ذلك التنظيم - نصف طن، او يزيد، من عبارات الاستهجان والاستنكار والادانة. الاعتذار مطلوب، على الاقل اتساقاً مع مقتضيات الاستقامة الخلقية والتصالح مع الذات.
هل قلت الاستقامة الخلقية والتصالح مع الذات؟! يا لبراءتي. يا لصفاء قلبي!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.