كان الإمام الصادق المهدي حصيفاً وهو يمسك عن إيراد أمثلة للأحزاب الطرور في قوى الإجماع الوطني المعارض، فقد اكتفى بالإشارة إلى ضرورة التفريق بين أحزاب الصندل التي يمثلها، وأحزاب الطرور، وبين الأحزاب الحية وتلك الميتة، مراهناً على فطنة جمهور الأحزاب في معرفة من يقصد بالطرور تحديداً. حديث المهدي لم يضع حزباً بعينه في قفص الإتهام بأنه طروراً ضعيفاً طافحاً على السطح ولا يصلح أن يكون وتِداً لضعفه وهوانه على الماء، ورغم ذلك فقد إلتقط البعض في قوى الإجماع الوطني تقسيمه لأحزاب المعارضة، وانتقده بشدة بعد مطابقة ذلك الوصف بالطرور على حزبه فيما يبدو. وبدأ حزب البعث ، المعروف إعلامياً بحزب البعث السوري، في الهجوم على الإمام عندما طالب بتجميد عضوية حزب الأمة القومي في قوى الإجماع الوطني بسبب ذلك التصريح الموجع للإمام. رغم إن الإمام لم يقدم في الواقع غير توصيف دقيق لحالة الأحزاب المكونة لقوى المعارضة بعباراتة الشعبية التي أوضحت عظم الفارق بين الأحزاب في قوى الإجماع الوطني مثلما هو الحال بين الصندل والطرور، والحي والميت. ومن الواضح أن المهدي تأذى كثيراً من وضعه في سلة واحدة من الضعف مع بقية قوى الإجماع ال (17)، أحزاب ينطبق على أغلبها وصف الوطني لها بالضعف وإفتقاد الجماهير، وهو وصف وإن إنطبق على البعض إلا أنه لا ينطبق على حزب الأمة الذي يستعرض عضلاته الجماهيرية بين الحين والآخر، ويقدم من الرؤى والحراك السياسي والفكري ما تعجز عنه كثير من قوى الإجماع ، ولذلك جاءت انتقادات الإمام اللاذعة لهيكلة وأدوات وبرامج وقيادة قوى الإجماع بعد فشلها في أن تكون بديلاً مقنعاً للإنقاذ. من حق حزب الأمة أن يقود هذا التحالف المعارض بحكم ثقله السياسي، أو يختط لنفسه طريقاً آخر (يفرز فيه عيشتو) ويعارض بعيداً عن هذا الكيان المعارض الذي توجد بين مكوناته من الخلافات الجوهرية ما يفوق تلك الموجودة بينهم والحكومة فيما يبدو. والمتابع لتأثيرات التوصيف الحارق الذي تفضل به الإمام لأحزاب قوى الإجماع الوطني، وما صحبه من استياء البعض منها، لا يستبعد أن يقود هذا الأمر إلى أن ينفض حزب الأمة يده من هذا التحالف الذي يفتقد للفعالية السياسية، ويكرر ذات تجربة خروجه من التجمع الوطني الديمقراطي الذي قصم ظهر التجمع باعتراف الأستاذ فاروق أبو عيسى نفسه، فقد تراكمت مطالبات حزب الإمة بإصلاح قوى الإجماع دون أن يؤخذ بأي منها ، رغم أن الواقع أثبت أنه صاحب الجماهيرية التي لا يمكن إنكارها، فحتى عند دعوة المعارضة للخروج إلى الشارع في العام الماضي بسبب الزيادات، وضح بما لا يدع مجالاً للشك أن حزب الأمة هو صاحب نصيب الأسد من تلك الجماهير. من الآخر، فإن حديث الإمام الصادق المهدي عن ضرورة التفريق بين الصندل والطرور، أشبه بطاقيتين ويمكن لأي حزب أن يضع على رأسه منها ما يشاء.. وفيما رأى البعض أن ما يناسبه هو طاقية الصندل، فقد رأى آخرون أن طاقية الطرور فُصِلت على قياسهم، فسارعوا لانتقاد رئيس حزب الأمة من زاوية (الفي راسو ريشة) ربما، كما في قصة ذلك المثل المعروفة، ومن لا يعرف ذلك المثل فهو يشبه مثلاً آخر (الفي بطنو حرقص براهو برقص)، وإن شئت باللهجة المصرية: (اللي على راسو بطحة يحسس عليها).