القمة الأفريقية الطارئة الأخيرة بأديس ابابا حول الجنائية الدولية، مهما تباينت الؤى واختلفت وجهات النظر والتحليلات بشأن مخرجاتها، إلا أنها كانت " قمة استثنائية" بكل ما تحمل الكلمة من معني وصفها المستشار بوزراة العدل الدكتور معاذ أحمد تنقو ب "الصحوة الأفريقية غير المسبوقة" وقال أنها "ثورة أفريقية جديدة" لها ما بعدها، وليس ذلك فحسب بل كانت فرصة لترميم البيت الأفريقي من الداخل وتسوية الكثير من الخلافات العالقة بين القادة الأفارقة أنفسهم من جهة أخري، سيما وقد جمعت بين الرئيسين البشير وموسيفيني بطلب من حكومة يوغندا، حيث اتفق فيها الرئيسان علي جملة من القضايا وتعهد موسيفيني من جانبه كف بلاده عن دعم المعارضة السودانية المسلحة، بينما تم انتخاب السفير اسماعيل شرقي من الجزائر مفوضا للسلم والأمن بالاتحاد الأفريقي خلفا لمواطنه السفير رمضان العمامرة الذي عين وزيراً لخارجية الجزائر في 11 سبتمبر 2013. إلا أن القمة الأفريقية ذاتها خرجت باتفاق القادة علي عدم مثول أي رئيس دولة أفريقية أو حكومة في السلطة أو أي شخص يمارس أو يحق له ممارسة هذه الصلاحيات أثناء فترة منصبه أمام المحكمة الجنائية الدولية أو أي محمكة خارجية، وطالبت كذلك بتعديل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة "16" من قانون روما الذي انشات بموجبه المحكمة، علاوة علي تأجيل المحاكمة لمدة سنة قابلة للتجديد لتحصين الرؤساء الحاليين، وشكلت القمة لجنة من خمس دول لبحث المسألة مع مجلس الأمن الدولي، وأقرً البيان الختامي للقمة انعقاد قمة استثائية في نوفمبر المقبل لبحث ومتابعة مقررات القمة الأخير لاتخاذ قرارات ومواقف أكثر تشدداً بشأن تأجيل النظر في الدعوى المقدمة ضد كل من الرئيس السوداني عمر البشير والكيني أوهورو كنيايا ومنتظر أن تفتح الجنائية الدولية ملف تهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مواجهته في الثاني عشر من نوفمبر المقبل، بينما مثل نائبه ويليام روتوا أمامها منذ العاشر من سبتمبر الماضي. المستشار بوزارة العدل الدكتور معاذ أحمد تنقو دافع بشدة عن القمة الأفريقية قائلا في حديثه ل "الصحافة" واصفا تجاوب القادة السريع مع الدعوة ومناقشتهم أمر الجنائية في إطار المحيط الإقليمي بإنه "نجاح للقمة"، بينما نعت تنقو المحكمة الجنائية الدولية ب "الأداة الاستعمارية" وقال إنها مرهون لدي مجلس الأمن إلا أن حديث تنقو ذاته لا ينفصل عما ذهب إليه رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام دسالين، إذ اتهم مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية معا بتطبيق "معايير مزدوجة" تجاه القارة الأفريقية وقال إنها خلقت حالة من القلق وسط القارة وقياداتها، معبرا عن أسفه لتواصل المحكمة إجراءاتها خلال السبع سنوات الماضية غير أبهة تماما بالانشغالات التي عبرت عنها افريقيا، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بكينيا لوحدها بل "افريقيا برمتها" واصفا المعاملة التي تتعرض لها افريقيا من المحكمة الجنائية بإنها "ظالمة وغير مقبولة" وقال إنها تجاهلت الجرائم التي يرتكبها رؤساء آخرون في أماكن أخرى من العالم. وفي ذات الإطار إتهم مراقبون الجنائية الجولية بإنه مجدر "أداة استعمارية"، وقالوا إنها انحرفت عن مسار القانون وأصبحت "ذات أجندة سياسية لفرض الهيمنة علي أفريقيا" بممارسة "سياسة الكيل بمكيالين" وأشاروا في حديثهم "للصحافة" إلى أن المجتمع الدولي سمح لليبيا بمحاكمة عبد الله السنوسي رئيس المخابرات السابق في عهد معمر القذافي، بينما رفض لها في ذات الوقت محاكمة سيف الإسلام القذافي مطالبة إياه بتسليمه لمحاكمته في لاهاى، رغم أنهما متهمان معا بارتكاب جرائم ضد الانسانية خلال الانتفاضة التي أطاحت بالزعيم الليبي عام 2011، وصف المراقبون اللعملية ب "السياسية أكثر مما هي قانونية". إلا أن رئيسة المفوضية الأفريقية الجنوب افريقية نكوسازانا دلاميني زوما طالبت في جلسة مغلقة مجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية أن يعملا معا من أجل أفساح المجال أمام قادة كينيا للقيام بمهامها الدستورية وإرجاء ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس ونائب رئيس كينيا طبقا للمادة "16" من معاهدة روما والتي تسمح لمجلس الأمن الدولي أن يفرض علي المحكمة الجنائية الدولية تعليق أى تحقيق أو ملاحقة لمدة سنة قابلة للتجديد سنويا يتم تجديدها بصورة تلقائية، بينما طالبت كينينا المجلس بالنظر في العلاقات بين الاتحاد الأفريقي والمحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق رئيسها اوهورو كينياتا منذ 2011 ونائبه وليام روتو المنتخبين في مارس الماضي، بتهمة جرائم ضد الإنسانية، وهما أول مسؤولين تلاحقهما الممحكمة الجنائية الدولية خلال ادائهما مهامها، كل علي حدة لمسؤولياتهما في اعمال عنف سياسية واثنية تلت الانتخابات الرئاسية في 2007 وكانا ينتميان حينها إلى معسكرين خصمين. وزير الخارجية الأثيوبي تيدروس ادامون غبرييسوس طلب من الاتحاد الأفريقي أن يشمل القرار الرئيس السوداني عمر البشير الملاحق بموجب مذكرة توقيف في حقه في العام 2009 بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قبل أن تضيف لها في وقت لاحق تهمة الإبادة الجماعية في دارفور غرب السودان، بينما ذهب وزير الخارجية السوداني علي كرتي في كلمته أمام جلسة الوزراء إلى أن دعواتا الجنائية الدولية ضد السودان لا يقصد بها السودان وحده وإنما كل الدول الأفريقية، وإن الدعاوى ضد الرئيس السوداني عمر البشير، لا يقصد بها البشير في نفسه وإنما كل القادة الأفارقة أيضا، واصفا إدعاءات المحكمة الجنائية بأنها نوع من "الاستعمارالجديد"، إلا أن المحكمة الجنائية الدولية ذاتها منذ تأسيسها في العام 2002 لم يتجاوز أداها فتح تحقيقات في "أربع" قضايا وكلها في داخل البيت الأفريقي "يوغندا الشمالية والكونغو الديمقراطية وأفريقية الوسطي ودارفور"، طيلة فترتي كل من المدعي العام للمحكمة لويس اوكامبو وخلفه فاتو بنسودا. بينما شنت شخصيات افريقية هجوما عنيفاً علي القادة الافارقة واتهمت القضاء الافريقي بالفشل في محاكمة الرؤساء الافارقة ومتنفذين متهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب في افريقيا ، وقالت ان قرار الاتحاد الافريقي قرار سياسي ووصفوه "بالفضيحة السياسية " وقالوا انه يهدف الي حماية القادة اكثر منه الي حماية الضحايا من الشعوب ، مؤكدين في ذات الوقت ان قبول تاجيل الملاحقات الجنائية سيدفع الرؤساء المتهمين بارتكاب جرائم ضد الانسانية "للتشبث بالسلطة " خوفا من استئناف الملاحقات الجنائية بعد تركها ، بينما دعت جماعات حقوقية الدول الافريقية الي عدم مقاطعة المحكمة وقالوا انها ضرورية لانهاء ما اسموه ثقافة الافلات من العقاب في السياسات الافريقية ، بنما قالت جماعات حقوقية اخري ان القرار الافريقي يتعارض مع القانون الدولي مشيرين الي ان المدة "27" من ميثاف روما تنص صراحة علي انه لا يمكن لاي صفة رسمية خصوصا صفة رئيس دولة ان تستثني من المثول امام المحكمة الجنائية الدولية ، ولذلك تري ذات الجماعات الحقوقية ان القرار الافريقي لن يكون له اي وزن في نظر القانون الجنائي الدولي . تكهنوا بفشل خطوات طلب الاتحاد الافريقي لتعديل المادة المذكورة ، مؤكدين في ذات الوقت ان الاتهامات الموجهة بحق القادة واقعية ، وقالوا انها لا تسقط بالتقادم ولا يجوز تاجيل محاكمة مرتكبيها الي اجل غير مسمي بينما انتقدت منظمة العفو الدولية الطلب الذي تقدم به الاتحاد الافريقي بتاجيل محاكمة رئيسي السودان وكينيا امام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي ، وقالت "ان القادة الافارقة يضعون مصالحهم فوق مصالح ضحايا الحرب" ولكن دعونا نتساءل لماذا فشلت القمة الافريقية في الاتفاق حول قرار الانسحاب من المحكمة الجنائية والذي طلبته وتؤيده السودان وكينيا ؟ سيما وان مراقبين كانوا يتوقعون ان تخرج قمة القادة الافارقة باديس ابابا بقرار واضح وصريح يحدد موقفها من الجنائية الدولية وذلك بانسحاب "34" دولة اعضاء بالاتحاد من الميثاق ، في وقت دفع بيه السودان بذات الاقتراح من المحكمة ، ورغم تاكيدات مسؤولين بان الفكرة ستكون مطروحة علي جدول اعمال القمة ذهب سياسيون للقول في حديثهم للصحافة ان افريقيا لا زالت تعيش في جلباب الاستعمار الدولي ، مؤكدين ان الفشل الافريقي جاء بسبب تباين المواقف في داخل البيت الافريقي "54" دولة منها "34" موقعة علي ميثاق روما من بينها يوغندا ، تنزانيا ، بوركينا فاسو ، ناميبيا ، غانا ، كينيا ، ودول اخري ، وقالوا ان لهذه الدول مصالحها فيما ظلت تتلقاه من تدريب ودعم مادي ضمن اللوبي المهيمن علي الجنائية الدولية . الا ان وزير الخارجية السوداني علي كرتي قال ان غياب بعض الدول الافريقية اضعف موقف الاتحاد الافريقي لافتا الي ان القادة الذين حضروا عبروا بوضوح في الجلسة المغلقة عن رايهم تجاه الانسحاب من الجنائية من بينها السودان ، قبل ان يعود كرتي ليؤكد بان الظروف غير مواتية. مراقبون ربطوا التباين في داخل البيت الافريقي بمخرجات القمة ووصف بعضهم في حديث ل"الصحافة " قرار القمة بالفضفاض وغير الموفق في مطالبته مجلس الامن سيما وان ثلاثا من الدول دائمة العضوية في مجلس الامن " امريكا ، الصين ، وروسيا ، ليست من الدول الموقعة علي ميثاق روما ، ويتساءلون لماذا فشلت القمة الافريقية في الزام "34"دولة افريقية موقعة علي الميثاق من بين ال"121"دولة بالعالمة اتخاذ "موقفاً موحدا يحمل راي افريقيا؟ الا ان رئيس الوزراء الاثيوبي عاد لدي مخاطبته الجلسة قائلا "هدفنا ليس ولن يكون القيام بحملة ضد المحكمة الجنائية الدولية وانما هو دعوة رسمية للمنظمة كي تاخذ مخاوف افريقيا ماخذ الجد مشيرا في ذلك الي جهود الاتحاد الافريقي وعبر الهيئة الافريقية رفيعة المستوي في مساعدة السودان علي تخطي المشاكل والعقبات لتحقيق التحول الديمقراطي سيما وانه يتجه لاجراء الانتخابات في عام 2015 ، واكد مريام ان افريقيا مع حكم القانون والديمقراطية واحترام حقوق الانسان لاجل تحقيق السلام والامن والتطور الاقتصادي والاجتماعي ، وقال انها مبادئ اساسية تنطلق من الارث السياسي الافريقي وليس سعيا لارضاء شركاء القارة ، بينما عادت زوما مطالبة الدول الافريقية تعزيز قدرة انظمتها القضائية الوطنية والقارية لكي يصيح اللجوء الي المحكمة الجنائية الدولية اخر قرار.